شعار قسم مدونات

دعوة أوجلان حزبه للتخلي عن السلاح ومديات تأثيرها

أعضاء من حزب الديمقراطية ومساواة الشعوب خلال تلاوة بيان عبدالله أوجلان لنزع سلاح الحزب (غيتي)

إن الله، سبحانه، قد جعل شهر رمضان خيرًا وبركة على الأمة المسلمة جمعاء لما فيه من خصوصية في العبادات لا تشبه العبادات الأخرى، لكن في تركيا والمناطق الكردية كان لهذا الشهر أكثر من بركة واحدة، في أكثر من مكان، بركات تتسع وتتمدد لتشمل أقرباء الصائم وأهل الصائم بما أن رحمة الله تسع كل شيء.

في لحظات الإقبال على هذا الشهر، حدث ما كان يتمنّاه الجميع من الكرد والترك منذ عقود طويلة، إنّ ردود الفعل الدولية من الأمم المتحدة والدول العظمى الأوروبية أظهرت أهمية كلمة مؤسس حزب العمال الكردستاني، ودعوة أعضائه لإلقاء السلاح، واعتماد العمل المدني الديمقراطي داخل الدولة التركية الموحدة، وهي حالة تخرج تركيا والمنطقة من دوامة حرب كان بالإمكان وضع نهاية لها منذ فترة طويلة.

كلمة مؤسس "PKK" التي ستشكل الخطوة الأولى للولوج في مشروع ينتهي بالسلام الأهلي في تركيا على وجه التحديد، وهو الأمل والمبتغى.

قبل الحديث عن تأثيرات البيان المُذاع، من المهم الحديث عن الأساس الذي اعتمد عليه في تأسيس الحزب وإعلان العمل العسكري، كما ورد في مستهل البيان، وهو انغلاق مسالك العمل السياسي الديمقراطي، إذ إن الأخوة التركية الكردية التي عمرها أكثر من ألف سنة أنهتها الأفكار المستوردة من الغرب الاشتراكي والرأسمالية بقوميتها المتطرفة.

مشروع السلام هذا، ليس هو الأول، لكنه الأقوى، والأكثر جدية، جاء بعد شهور من المحادثات بين أوجلان في سجنه وبين المسؤولين في الدولة التركية، من مؤسسة الرئاسة إلى السياسيين

فهذا الوضع والاستبداد القومي العلماني الدافع للعمل المسلح تغيّر الآن، وعليه قال عبدالله أوجلان: إن مبررات بقاء "PKK" لم تعد موجودة لأنّ الوضع في تركيا الآن مختلف عما كان في بداية القرن الماضي ونهاياته، حيث يمكن الآن العمل الديمقراطي المدني في إطار ترتيبات ديمقراطية بالتزامن مع القوى التركية الأخرى.

إعلان

هذا يعني أن هؤلاء لم يكونوا كارهين للحياة عندما خرجوا إلى الجبال، وإنما أُقفلت الأبواب في وجههم، ولم يكونوا يتآمرون، كما كان المتطرفون الكماليون يقولون، بدليل أنه لما نجح الحزب الحاكم في تغيير شروط العمل السياسي والشعبي، تغير "PKK" بدوره، وقرر زعيمه أن العمل العسكري لم يعد له من موجب: "ألقوا السلاح، وأنا أتحمل المسؤولية التاريخية لهذه الدعوة". فهي مرحلة جديدة إذن.

هذه المرحلة الجديدة لم تأتِ من فراغ، وليست وليدة رغبات وأفكار شخصية من أوجلان، وإنما هي من وصول الأطراف المتقاتلة إلى قناعتين متكاملتين؛ الأولى: أن نكران الأقوام غير التركية الذي جاء بكل الشرور أصبح من الأفكار البالية، ولم يعد مقبولًا على المستوى العالمي.

والثانية: أن التغيرات والتطورات التي طرأت خلال القرن الماضي على أسلوب النضال تحكم بأن العمل العسكري لم يعد يأتي بنتيجة، ولم يعد يحقق المقاصد، وعليه توافق الطرفان على حلّ المشكلة بالطرق السلمية، وأن يتغير كل طرف من جانبه بما يلبي الرغبات، لأن " القرن الثاني للجمهورية لن يتمكن من تحقيق الاستمرارية الدائمة والأخوية إلا إذا توّج بالديمقراطية في البحث عن أنظمة سياسية جديدة وتحقيقها" كما نصّ البيان.

مشروع السلام هذا، ليس هو الأول، لكنه الأقوى، والأكثر جدية، جاء بعد شهور من المحادثات بين أوجلان في سجنه وبين المسؤولين في الدولة التركية، من مؤسسة الرئاسة إلى السياسيين، ونتيجة التفاوض، هي هذا البيان.

أوجلان المسجون منذ 1999 في جزيرة إمرالي في تركيا، دعوته ذات تأثير متعدد الأبعاد، لا تقتصر على تركيا فقط، وإنما على الدول المجاورة أيضًا، كالتالي:

تركيا، تتوقف الحرب التي استنزفت البلاد، وسفكت الدماء، ومزقت المجتمع، وتسببت في سوء العلاقة بينها وبين الدول الجارة لها، لأن حضور مسلحي الحزب لا يقتصر على داخل الأراضي التركية، لهذا كان العمل جاريًا منذ شهور طويلة بين أوجلان وبين قيادات الأحزاب السياسية، في المقدمة الرئيس وحليفه بهتشلي في حزب الحركة القومية، وما إن انتهت الكلمة الداعية بدخول مرحلة جديدة وإلقاء السلاح، حتى نزل الأكراد إلى الشارع برقصات كردية شعبية؛ ابتهاجًا بحلول سلام مأمول مع موسم الربيع وأزهاره.

إعلان

إقليم كردستان، لأن الحرب في الوقت الراهن تدور بين الطرفين على أراضيه، وقد تسببت المواجهات في تدمير مئات القرى ومقتل الكثير من المدنيين، كما أن القوات التركية تتمركز في أكثر من 100 موقع.

وكذلك تنتهي سوء العلاقة بين حزب العمال وبين القيادة الكردية في أربيل، كما أن العراق كدولة تتخلص من حمل ثقيل، وهو تواجد مقاتلي الحزب على أراضيها، والإلحاح التركي لطردهم أو الدخول في جبهة منسّقة مع تركيا لشنّ هجوم عليهم.

لا بدّ من الإقرار بأن الخلفية الفكرية للقيادة التركية الحالية لها دخل كبير في هذه الخطوات الضرورية وتهيئة الجو لها، كما أن أحداث الشرق الأوسط كانت مشجعة للغاية

ربما فتح الله، سبحانه، باب الوحدة والوئام وتفادي حرب داخلية في سوريا التي هي بحاجة إلى الاستقرار، لأن قيادة "قوات سوريا الديمقراطية" متهمة بأنها تتحرك في ضوء توجيهات تأتي إليها من جبل قنديل، حيث قيادة حزب العمال، كما أن القوات التركية وتلك العاملة تحت إشرافها داخلة في حرب مفتوحة معها.

بالإضافة إلى أن الإدارة الجديدة في دمشق، كما القوى الدولية، تطالب قوات سوريا الديمقراطية بالتبرؤ من حزب العمال الكردستاني، فهذه الدعوة لترك السلاح تحل هذه المشاكل كلها في سوريا، كما أن القيادة تتحرر من ثقل وطأة جبل قنديل، وتنتهج السياسة التي تراها مناسبة لسوريا الجديدة. والسلام سيحلّ في المناطق التي تشهد مواجهات مع القوات الموالية لتركيا في كوباني، ومحيط سدّ تشرين.

إن كلمة مؤسس "PKK" ستترك أثرها على أوروبا كذلك، لأن تنظيمات الحزب قوية هناك، خاصة في ألمانيا، وهولندا، وبلجيكا، وكثيرًا ما دخلت الحكومة التركية في مشادات مع دول أوروبية نتيجة السماح لتنظيمات الحزب بحرية الحركة والعمل، والتجييش ضد أنقرة.

ومن هذا المنطلق، وجّه أوجلان رسائل خاصة خلال الفترة الماضية إلى القيادة في إقليم كردستان للمساعدة في نجاح مسعى السلام، ورسالة إلى قنديل لتبادل الرأي والمطلوب لإنجاح الجهود، ورسالة إلى أكراد سوريا، ورسالة إلى تنظيمات الحزب في أوروبا.

في النهاية، لا بدّ من الإقرار بأن الخلفية الفكرية للقيادة التركية الحالية لها دخل كبير في هذه الخطوات الضرورية وتهيئة الجو لها، كما أن أحداث الشرق الأوسط كانت مشجعة للغاية، والتفكير الإستراتيجي للدولة التركية الذي تغير خلال العقد الماضي، كلها عوامل ساعدت على خلق هذا الوضع الذي هو أملٌ كادَ أن يتحول إلى رماد ويزرع اليأس في القلوب المخلصة.

لكن من أجل نجاحه لا بد للدولة أن تبدأ بالعمل الجادّ، وتنمية الانفتاح الذي لا تخطئه عين.

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.


إعلان