يعدّ شهر رمضان المبارك ضيفًا عزيزًا على قلوب المسلمين، حيث ينتظرونه كل عام بشوق كبير ولهفة قوية كيف لا وهو شهر الصيام والقرآن والتراحم بين الناس، حيث تقوى فيه أواصر المحبة وتصفو النفس وتتفرغ لعبادة الخالق والتدبر والإكثار من عمل الخير.
تبدأ العائلات المسلمة تحضيراتها المسبقة في شهرَي رجب وشعبان؛ لاستقبال رمضان بأبهى حلة وتختلف تحضيرات استقبال هذا الشهر الفضيل من بلد لآخر، لكنها تتشابه كلها في الفرحة والابتهاج لقدوم هذا الشهر المبارك، فهذا الشهر هو الذي تجتمع فيه الأسرة بشكل كبير، وتكثف الأسر استعدادها بتحضيرات مسبقة لاستقبال شهر رمضان بكل راحة، والتفرغ فيما بعد للعبادات، وتعزيز صلة الرحم بين الناس.
ومنذ القدم كان استقبال شهر رمضان في المجتمع العراقي له تقاليد وطقوس خاصة، فكانت تستقبله العائلة العراقية بفرحة كبيرة وشوق، وتظهر فيه العديد من المعاني السامية بين أفراد المجتمع العراقي من تراحم وتكافل وتقوية الروابط الاجتماعية بين الأفراد.
ومع التطور الكبير الذي تشهده مجتمعاتنا اليوم، وتنوع السلع تغيرت مظاهر الاحتفال عن السابق، وأصبحت أكبر من ذي قبل.
تتفنن السيدات في تزيين المنزل بالفوانيس والأهلة ومختلف اللوحات الرمضانية؛ لتجعل كل من في البيت يحشعر بأجواء خاصة واستثنائية تنبئ بقدوم الشهر الفضيل
تحضيرات خاصة لربات المنازل
ومن التحضيرات الرمضانية التي تقوم بها ربات البيوت، تجهيز بعض الأكلات بشكل غير كامل وتجميدها؛ لتسهيل عملية الطهي في أيام الصيام، فيقمن بتفريز الدجاج، وفرم البصل، وإعداد الصلصات، وكذلك تقطيع الخضراوات المختلفة، وتتبيل اللحوم، وتجهيز العصائر.
وتقوم ربات البيوت بتنظيف المنزل تنظيفًا شاملًا في شهر شعبان، وترتيب المطبخ؛ لتسهيل استخدامه في شهر رمضان، وتنظيف الآلات الكهربائية التي سيكثر استعمالها في شهر الصيام، كغسالة الأطباق والملابس والبوتاجاز والثّلاجة والمجمّد، والميكرويف، كما تحرص ربات البيوت على إصلاح كل ما يجب إصلاحُه في المنزل.
كما كانت النساء قديمًا تقوم بشراء البَهارات وغسلها وتجفيفها لطحنها فيما بعد وخلطها مع بعضها البعض لتحضير أشهى الأطباق، وهذه العادة ما زالت السيدات العراقيات محافظات عليها ليومنا هذا. كما تقوم ربات البيوت بتجديد الأواني المنزلية.
كما يحرص رب العائلة على ادخار بعض من نفقاته في الأشهر التي تسبق شهر رمضان؛ لضمان قدرته على توفير كل متطلبات العائلة في الشهر الفضيل، خاصة في ظل الغلاء الفاحش الذي تشهده الأسواق العراقية مؤخرًا.
أجواء منزلية روحانية
تتفنن السيدات في تزيين المنزل بالفوانيس والأهلة ومختلف اللوحات الرمضانية؛ لتجعل كل من في البيت يحشعر بأجواء خاصة واستثنائية تنبئ بقدوم الشهر الفضيل، فتعلّق الأضواء في أرجاء المنزل، كما يعطرنه بأجمل العطور فيجعلن من المنزل مكانًا مليئًا بالروحانيات.
من العادات المميزة كذلك تخصيص ركن خاص ومناسب للصلاة وأداء العبادات في الشهر الفضيل، حيث يكون هذا المكان خاصًا فقط بالعبادة
كما يتم تزيين المنزل بزينة رمضان التي ليس من الضروري أن تكون مكلفة بل يمكن صناعة زينة بسيطة أو استخدام زينة السنوات السابقة، أو اقتناء زينة مناسبة وغير مكلفة، بحيث تضيف أجواءً جميلة للعائلة وتنثر عبق الروحانيات في البيت.
وتتفنن السيدات العراقيات في هذا الشهر الفضيل في اقتناء أجمل الملابس والعطور، حيث تختار المرأة الملابس التقليدية المناسبة لشهر رمضان لتكون في أبهى صورها، كما تقتني مختلف العطور الفواحة الخاصة، بالمنزل لتكون رائحته خاصة ومميزة لكل الأسرة.
ومن العادات المميزة كذلك تخصيص ركن خاص ومناسب للصلاة وأداء العبادات في الشهر الفضيل، حيث يكون هذا المكان خاصًا فقط بالعبادة، فيتم اختيار مكان هادئ في البيت وبعيد عن أي مشتتات ليكون زاوية مليئة بالروحانيات والهدوء، مع تزويدها بإضاءة خافتة تبعث على الراحة والسكينة.
استعدادات خاصة في بغداد
تستقبل بغداد شهر رمضان بحفاوة كبيرة فتتزين مساجدها وتكثر حركة الناس بشوارعها بشكل غير مسبوق، وتشهد طقوسًا دينية واجتماعية خاصة فيبدأ الناس بتبادل التهاني بمناسبة قرب دخول شهر رمضان المبارك.
من الاستعدادات المهمة التي يقوم بها الشباب لاستقبال شهر رمضان تجهيز المساجد لاستقبال المصلين، ومن أشهر مساجد بغداد مسجد الإمام الأعظم، وجامع الشيخ عبدالقادر الكيلاني، حيث يقوم الشباب بتنظيفها جيدًا وغسل الحصير وتلميع الثريات، وتعطير المساجد وتنظيف حماماتها، وتجهيز كل اللوازم الخاصة بها لتكون جاهزة لاستقبال المصلين في الشهر الفضيل، لأداء العبادات وصلاة التراويح طيلة الشهر.
لكل زمان رونقه الخاص فمهما اختلفت الاستعدادات لشهر رمضان المبارك بين الماضي والحاضر، فإن الشيء المشترك بينهما، هي تلك الأجواء الجميلة ونفحات الشهر الإيمانية
ازدحام في الأسواق الشعبية
على الرغم من ارتفاع الأسعار الكبير الذي شهدته العراق فإن الأسواق الشعبية بها تشهد ازدهارًا كبيرًا وتنتعش حركة البيع فيها بدرجة ملحوظة، حيث يتفنن التجار في عرض أجود أنواع السلع بمختلف أنواعها، فنجد كل أنواع التمور والمكسرات والتوابل والحلويات الشعبية والعصائر ومستلزمات الطبخ وزينة رمضان متوفرة في كل مكان، وينتشر المستهلكون بكثرة لتوفير كل ما يلزمهم لاستقبال شهر رمضان الكريم، فنجد الأسواق تكتظ بهم، ومن أبرز تلك الأسواق سوق المنصور، وسوق الشورجة الذي يسوده الازدحام الكبير في كل مكان فيه.
لكل زمان رونقه الخاص وجماليته الفريدة فمهما اختلفت التحضيرات والاستعدادات لشهر رمضان المبارك بين الماضي والحاضر، فإن الشيء المشترك بينهما، هي تلك الأجواء الجميلة التي تنتشر بين الناس ونفحات الشهر الإيمانية المباركة.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.