تتصاعد وقائع الإسلاموفوبيا في المجتمعات الغربية وسط جدل مجتمعي وسياسي حول محاولات تعريفها وكيفية قياسها!
ولعله من السهولة بمكان الإجماع على اعتبار الإسلاموفوبيا نوعًا من التحامل والتحيز غير المقبول ضد الأفراد أو المكونات المجتمعية المسلمة، ولكن دائمًا ما تكمن المشكلة في محاولة إيجاد عبارات أكثر دقةً وشمولًا في وصف المصطلح وتشعباته وما يترتب على ذلك من مآلات مجتمعية وقانونية.
فيما يتعلق بالإسلاموفوبيا، دائمًا ما ينتفض المثقفون في الغرب في وجه محاولات تعريفها بحجة أن ذلك يؤدي إلى إسكات الأصوات التي تنتقد المسلمين أو الفكر الإسلامي
في هذا السياق، تمثل محاولة اعتبار الإسلاموفوبيا نوعًا من أنواع العنصرية المتجذرة ضد الأفراد أو المجتمعات في كل ما يتعلق بالإسلام وممارساته أو ما يُعتقد أنه ذو طبيعة إسلامية في المعتقد أو الممارسة، آخر التشابكات التعريفية التي ما فتئت تعود إلى السطح مع كل حدثٍ ذي صلة، ودائمًا ما تثير جدلًا فكريًا واسعًا ليس عند غير المسلمين وحسب، بل تتعداه إلى المسلمين أيضًا.
وفي الوقت الذي تؤيد فيه قطاعات مجتمعية مقدرة هذا التعريف، يحتج المعارضون بأن الإسلام دين عالمي لا تملك مجموعة عرقية أو جغرافية الحق الحصري فيه، وبالتالي فإن أدبيات العنصر والجغرافيا قد لا تبدو مناسبة.
بالإضافة إلى ذلك، يتخوف البعض من أن التعريف المرتبط بالعنصرية قد يطمس الخط الفاصل بين السلوك العنصري، والحق في انتقاد الأفكار والمذاهب الفكرية.
حرية التعبير.. قلق حقيقي أم تَعذُّر كسول!
مفردات المسموح والمرفوض دائمًا ما تكون نتاج تفاعل مركب ومعقد لما يشكل المكون العُرفي والموروث المَعرفي والثقافي لمجتمعٍ ما.
ولكن على الأقل فيما يتعلق بالكثير من القضايا الفكرية تتمتع المجتمعات الغربية بهوامش مناسبة للنقاش الحر تتمدد وتتضاءل حسب القضية محل النقاش.
وهذا يمثل فضاءً ثريًا وغنيًا بالجدال والشد والجذب بين من يرون حرية التعبير حقًا أصيلًا لا يمكن التزحزح عنه، وبين من يرون أن الوعي والاستنارة المجتمعية فيما يخص ضرورة التلاحم السلمي بين مكونات المجتمع تُحتِّم احترام حساسيات الغير والبعد عن كل ما قد يشكل حالة من عدم الارتياح للآخر حتى ولو كان على حساب قول الحقيقة بصورة بنَّاءة!
ولكن فيما يتعلق بالإسلاموفوبيا، دائمًا ما ينتفض المثقفون في الغرب في وجه محاولات تعريفها بحجة أن ذلك يؤدي إلى إسكات الأصوات التي تنتقد المسلمين أو الفكر الإسلامي.
وربما يتناسى هؤلاء أن انتقاد الفكر الإسلامي حق أصيل يعترف به المسلمون أنفسهم، ولذا يعتبر الكثيرون هذا التخوف تربصًا انتقائيًا بالمسلمين، فلا تجد نفس هذه الهَبَّة والخوف من تحجيم الرأي عند الحديث عن إيجاد تعريفات بغرض حماية مجموعات سكانية دينية أوعرقية أخرى من غير المسلمين، ما يضع هذه السردية ومروّجيها أمام معضلة تعرِّي مبدئيتهم والتزامهم بوحدة المعايير.
تبني تعريف للإسلاموفوبيا على كل مستويات الحكم والمجتمع المدني حتى ولو لم يكن ذا صبغة قانونية سيحد من التنميط السلبي وخطاب الكراهية المجاني تجاه المسلمين
الإسلاموفوبيا في مواجهة توجس مؤسسي متجذر
لإطلاق إجراءات سياسية مجتمعية محددة في مواجهة سلوكٍ سلبيٍ ما، يبدو من البديهي الاتفاق على العبارات التي تعرف ذلك السلوك ابتداءً.
بالرغم من الجهود التي تقوم بها منظمات المجتمع المدني في الغرب في هذا السياق مسنودة من بعض المكونات السياسية كالبرلمانيين، دائمًا ما تقع هذه الجهود على إرادة سلبية من مكونات سياسية ومجتمعية مقابلة بحجة احتواء القانون على الجُزئيات اللازمة التي تتيح حماية الأفراد ضد الكراهية، وأن هناك الكثير من الاستثناءات القانونية التي من شأنها توفير حماية ولو منقوصة للإثنيات والأقليات.
وبالتالي، فإن إضافة استثناء آخر متعلق بالإسلاموفوبيا ربما يكون له نتائج عكسية.
يحدث هذا بالرغم من تبني وتأييد الحكومات واللجان البرلمانية والأحزاب السياسية في الغرب تعريفات تخصّ مجموعات أخرى (كتعريف معاداة السامية)، ليس بغرض الإلزام القانوني، ولكن بغرض التوصيف العملي والتوجيه والاستدلال السياسي.
ولكن يبدو الأمر مختلفًا فيما يتعلق بالإسلاموفوبيا! فالفضاء العام يعج بمفردات من الصعوبة بمكان تخيل أي درجة من درجاتها في حق مكونات مجتمعية أخرى؛ لأن التكلفة دائمًا ما تكون باهظة.
لذا فإنه لا شك أن تبني تعريف للإسلاموفوبيا على كل مستويات الحكم والمجتمع المدني حتى ولو لم يكن ذا صبغة قانونية سيحد من التنميط السلبي وخطاب الكراهية المجاني تجاه المسلمين، وسيجبر الكثير من الأصوات على عمل الكثير لإعادة إنتاج خطابها أو التماهي مع سرديات أكثر قبولًا.
هل من فوائد ناتجة من اعتماد تعريف للإسلاموفوبيا!
من الضروري عند محاولة إيجاد تعريفات معينة للإسلاموفوبيا تحديد ماذا يُراد منها بعد اعتمادها! وما هي التدابير التي ستتخذ لمنع سوء استخدام المصطلح وتعريفاته في إسكات المنتقدين وذوي الآراء السلبية عن الإسلام والمسلمين بصورة عامة.
كما أنه يجب الانتباه والتمييز بين الخطاب البنّاء المنتقد للأفكار، وذلك الذي يراد به التنميط وإرساء صفات سلبية وتهم بحق الأفراد أو المجموعات.
الفضاء يمتلئ بانتقاد الإسلام أو الممارسات السلبية للمجتمعات المسلمة دون أن يكون هنالك ترصد أو اغتيال معنوي لهذه الجهة أو تلك، بل يتم الرد عليهم جميعًا بصورة علمية وهادئة
حتى القول باحتواء القانون حاليًا على الاستثناءات التي من شأنها توفير حماية للمسلمين ربما يمثل توطؤًا خفيًا مع من يحاولون طمس جرائم الكراهية والعنصرية ضد المسلمين.
فالتعريفات والاستثناءات الحالية في القوانين الغربية قد تحمي الأفراد من التمييز والإساءة العنصرية الشخصية ولكنها تتقاصر عن حماية الأشخاص والمجتمعات المسلمة فيما يتعلق بالكراهية تجاه الممارسات الثقافية التي تُنسب للإسلام كالزي وتجمعات صلات الجمعة والاحتفال بالأعياد وعدم تناول الكحول ولحم الخنزير وعدم الاحتفال بأعياد الكريسماس، على سبيل المثال لا الحصر.
لذا فإن إيجاد تعريف معتمد سيوجه بوصلة الانتباه إلى قضايا حقيقية تواجه المسلمين بصورة يومية وتمس حياتهم وأمنهم.
ولا يبدو ربط تعريف الإسلاموفوبيا بممارسة التضييق على مناقشة وانتقاد الأفكار أنه ذو صلة بما يحدث على أرض الواقع، فالنقاش عن الإسلام وأفكاره يمارسه الأفراد والمؤسسات ذات الصلة، أكاديميةً كانت أو إعلامية أو سياسية بصورة يومية.
كما أن الفضاء يمتلئ بانتقاد الإسلام أو الممارسات السلبية للمجتمعات المسلمة دون أن يكون هنالك ترصد أو اغتيال معنوي لهذه الجهة أو تلك، بل يتم الرد عليهم جميعًا بصورة علمية وهادئة.
ولذلك يكون أكثر أهميةً من محاولات القول إنه لا حوجة لإيجاد تعريف معتمد للإسلاموفوبيا، أن تنصبّ الجهود لحماية المجتمعات المتأثرة من الشعور بالتهديد والتمييز والمظاهر المتعلقة بمهاجمة دور العبادة، والتعريف يمثل خطوة أولى في هذا الاتجاه ويعدّ أمرًا في غاية الأهمية حتى لا تختلط الأمور، وتكون حرية التعبير غطاءً مجانيًا للكراهية ضد المسلمين.
ختامًا، تمثل الإسلاموفوبيا ظاهرة واسعة الانتشار في المجتمعات الغربية ومستمرة في التزايد عبر السنين، مما يعني قصور المقاربات الحالية حيالها.
وبالرغم من أن ثمة اتفاقًا على أن هناك نوعًا من الأذى يصيب ضحايا الإسلاموفوبيا، يظل هنالك اختلاف كبير حول كيفية تعريفها.
يتواصل الجدل أيضًا عن كيفية قياس الإسلاموفوبيا، بمدى وَقْعها على الضحايا أم بمدى الأذى المُخطَط له من مرتكبيها! وفي أي نقطة من درجات هذه القياس يتوجب على القانون أو البوصلة الأخلاقية للمجتمع التدخل!
بصورة عامة سيمثل الاتفاق على تعريف محدد خطوة في غاية الأهمية تحتاج للمزيد من الحوار لتحديد التعابير التي تصفها بصورة دقيقة وأكثر شمولًا مما يسهل تقييمها وقياسها ومواجهتها وحصار السرديات المتماهية معها.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.