القطاع العام في العراق يُعدُّ أحد أهمّ مكونات الاقتصاد الوطني؛ حيث يمثل الركيزة الأساسية التي تستند إليها الدولة في تقديم الخدمات العامة، وتشغيل الموارد البشرية، وتطوير البنية التحتية.
ومع ذلك، فإنَّ الواقع الحالي يشير إلى وجود مشاكل جوهرية، أدَّت إلى تعثّر هذا القطاع، ما أثّر بشكل كبير على الاقتصاد والمجتمع.
من أبرز هذه المشاكل تعطل المصانع وكثرة البطالة، التي أصبحت معضلة تؤرق الدولة والمجتمع، بالإضافة إلى ضعف تفعيل دور القطاع الخاص في معالجة هذه الأزمات.
تعطل المصانع يمثل واحدة من أكثر القضايا إلحاحًا في العراق، حيث يُعتبر القطاع الصناعي محركًا رئيسيًّا للاقتصاد، ومصدرًا أساسيًّا لتوفير فرص العمل.
كان العراق في الماضي يمتلك قاعدة صناعية قوية ومتنوعة تشمل صناعات النفط والغاز، والإسمنت، والنسيج، والصناعات الغذائية، ولكن بعد سنوات من الحروب والصراعات الداخلية وسوء الإدارة، شهدت المصانع العراقية تدهورًا حادًّا في قدرتها الإنتاجية؛ إذ أصبحت معظم هذه المصانع شبه معطلة، إما بسبب نقص المعدات الحديثة أو بسبب غياب الاستثمارات اللازمة لإعادة تأهيلها وتشغيلها.
هذا التدهور أدَّى إلى فقدان آلاف الوظائف التي كانت تعتمد على هذا القطاع، ما ساهم بشكل مباشر في زيادة معدلات البطالة.
البطالة ترتفع بشكل خاص بين خريجي الجامعات العراقية، حيث لا توجد فرص كافية لاستيعابهم في سوق العمل، سواء في القطاع العام أو الخاص، ما يدفع كثيرين إلى الهجرة، أو اللجوء إلى الأعمال غير الرسمية ذات العائد المحدود
زيادة البطالة في العراق تُعَدُّ مشكلة حادّة تهدد الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي، والبطالة لا تقتصر على الشباب فقط، بل تمتد لتشمل فئات عمرية متعددة، ما يزيد من العبء على الدولة لتوفير الحماية الاجتماعية، ودعم العائلات التي فقدت مصدر دخلها.
وبالرغم من الموارد الطبيعية الهائلة التي يمتلكها العراق، فإن هذه المشكلة تعكس فشل السياسات الاقتصادية في استغلال هذه الموارد بطريقة مثلى.
وتشير الإحصاءات إلى أن البطالة ترتفع بشكل خاص بين خريجي الجامعات، حيث لا توجد فرص كافية لاستيعابهم في سوق العمل، سواء في القطاع العام أو القطاع الخاص، ما يدفع كثيرين إلى الهجرة، أو اللجوء إلى الأعمال غير الرسمية ذات العائد المحدود.
في هذا السياق، يبرز سؤال محوري حول دور القطاع الخاص في معالجة هذه المشكلات.. القطاع الخاص يُعَدُّ في العديد من الدول محركًا أساسيًّا للنمو الاقتصادي وتوفير فرص العمل، ومع ذلك فإن دوره في العراق لا يزال محدودًا للغاية، ويرجع ذلك إلى مجموعة من التحديات التي تواجهه.
أبرز هذه التحديات تشمل البيئة الاستثمارية غير المستقرة، والبيروقراطية المعقدة، وانتشار الفساد، وضعف البنية التحتية الأساسية التي تعيق تنفيذ المشاريع.
بالإضافة إلى ذلك، يواجه القطاع الخاص منافسة غير عادلة من المؤسسات الحكومية التي غالبًا ما تعطى الأولوية في العقود والمناقصات.
يمكن للقطاع الخاص أن يؤدي دورًا هامًّا في تنويع الاقتصاد، وتقليل الاعتماد على النفط كمصدر رئيسي للدخل القومي، ما يضمن استدامة الاقتصاد في وجه التقلبات العالمية
على الرغم من هذه التحديات، فإن هناك إمكانات كبيرة لتفعيل دور القطاع الخاص في الاقتصاد العراقي.
يمكن للدولة أن تمارس دورًا محوريًّا في هذا المجال من خلال تبني سياسات إصلاحية، تهدف إلى تحسين بيئة الأعمال، وتشجيع الاستثمارات المحلية والأجنبية.
يجب أن تتضمن هذه السياسات الحد من البيروقراطية، وضمان الشفافية، وتعزيز سيادة القانون، بشكل يخلق بيئة مشجعة على النمو والاستثمار.
كذلك، يمكن للحكومة أن تعمل على بناء شراكات إستراتيجية مع القطاع الخاص لإعادة تأهيل المصانع المعطلة وتشغيلها، ما يساهم في خلق فرص عمل جديدة وتنشيط الاقتصاد.
تفعيل دور القطاع الخاص لا يعني فقط تحسين الوضع الاقتصادي، بل يمتد تأثيره إلى تحقيق التنمية الاجتماعية؛ وعندما يعمل القطاع الخاص بشكل فعال، فإنه يساهم في تقليل الفجوة بين العرض والطلب في سوق العمل، ويوفر فرصًا تدريبية وتعليمية للشباب، ويُسهم في تحسين مستوى المعيشة من خلال رفع الأجور وتحسين الخدمات.
العراق يمتلك كل المقومات ليصبح اقتصادًا قويًّا ومزدهرًا، ولكن ذلك يتطلب إرادة سياسية حقيقية، وخططًا اقتصادية طموحة، وشراكة فعالة بين القطاعين العام والخاص لتحقيق هذا الهدف
علاوة على ذلك، يمكن للقطاع الخاص أن يؤدي دورًا هامًّا في تنويع الاقتصاد، وتقليل الاعتماد على النفط كمصدر رئيسي للدخل القومي، ما يضمن استدامة الاقتصاد في وجه التقلبات العالمية.
معالجة قضايا تعطل المصانع وزيادة البطالة تتطلب تكامل الجهود بين القطاعين العام والخاص.. يجب على الحكومة أن تدرك أن القطاع الخاص ليس منافسًا لها، بل شريكًا إستراتيجيًّا يمكن أن يساعدها في تحقيق أهداف التنمية الاقتصادية والاجتماعية.
من الضروري أيضًا إشراك المجتمع المدني والخبراء الاقتصاديين في صياغة رؤية متكاملة، لإصلاح القطاع العام وتطوير القطاع الخاص، بما يضمن الاستفادة القصوى من الموارد المتاحة، ويحقق التوازن المطلوب بين القطاعين.
في الختام، يُعَدُّ القطاع العام في العراق أساسًا هامًا للاقتصاد، ولكنه بحاجة ماسة إلى الإصلاح والتطوير.
تعطل المصانع وزيادة البطالة هما نتيجتان واضحتان لسوء الإدارة وغياب التخطيط الإستراتيجي، ما يستدعي تدخلًا سريعًا وشاملًا لمعالجة هذه المشكلات. تفعيل دور القطاع الخاص يُمكن أن يكون مفتاح الحل لتحقيق التنمية المستدامة، وتحسين جودة الحياة للمواطنين.
العراق يمتلك كل المقومات ليصبح اقتصادًا قويًّا ومزدهرًا، ولكن ذلك يتطلب إرادة سياسية حقيقية، وخططًا اقتصادية طموحة، وشراكة فعالة بين القطاعين العام والخاص لتحقيق هذا الهدف.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.