هل يمكن أن يتحول فيديو بسيط إلى أداة لتغيير الوعي؟ ما حدث مع الأسيرات الإسرائيليات لدى المقاومة الفلسطينية يكشف عن أبعاد تتجاوز السياسة والسخرية، ليدخل في صلب المعركة النفسية والثقافية بين الشعوب.
هذا الفيديو وما شابهه من مشاهد يجب ألا يمر مرور الكرام، بل يدعونا إلى التأمل في الرسائل العميقة التي يحملها.
المقاومة لم تسعَ فقط إلى إدارة ملف الأسرى بذكاء عسكري، بل حرصت على إدارة معركة الوعي بشكل مدروس
بين السخرية والرسائل المخفية
قد ينظر البعض إلى هذا الفيديو باعتباره مجرد محتوى ساخر، لكن الحقيقة أعمق من ذلك بكثير. الأسيرات الإسرائيليات، اللواتي كنّ في قبضة المقاومة، لم يعشن في ظروف القمع أو الإذلال الذي يواجهه الفلسطينيون في سجون الاحتلال.
بالعكس، كان التعامل معهن مختلفًا، ولم يكن هذا الأمر صدفة أو عشوائيًا، بل جزءًا من إستراتيجية مدروسة لتوجيه رسائل قوية إلى الداخل الإسرائيلي والعالم.
ما حدث داخل الأسر
نقلًا عن المترجم رياض حلس، في تصريحات المجندات مع صحيفة "يديعوت أحرونوت"، كانت الأسيرات يعيشن في أماكن تتنوع بين الأنفاق والشقق السكنية داخل غزة. ورغم سماعهن المستمر لأصوات القصف الإسرائيلي، فإنهن كنّ يعشن تجربة غير متوقعة.
كنّ يطبخن لحراسهن، ويلاعبن أطفالهم، وتعلمن اللغة العربية.
شاهدن قناة الجزيرة واستمعن إلى الراديو العبري لمعرفة أخبار العالم الخارجي.
ارتدين الزي الفلسطيني التقليدي أثناء التنقل، ما جعلهن ينخرطن – ولو مؤقتًا – في ثقافة المكان.
حتى إن بعضهن مزحن وطلبن من ذويهن التحدث بالعربية بعد الإفراج عنهن.
بينما صورت إسرائيل الأسيرات كضحايا يتعرضن للتعذيب والإهانة، خرجت الأسيرات برواية تقلب الطاولة تمامًا، حيث تحدثن عن تجربة إنسانية مختلفة
الهدف كان معركة الوعي
ما يظهر من هذه التفاصيل أن المقاومة لم تسعَ فقط إلى إدارة ملف الأسرى بذكاء عسكري، بل حرصت على إدارة معركة الوعي بشكل مدروس.
من اللحظة الأولى، كان الهدف واضحًا: تغيير صورة الفلسطيني في الوعي الإسرائيلي، وكسر القوالب النمطية التي يروجها الإعلام الصهيوني.
بينما صورت إسرائيل الأسيرات كضحايا يتعرضن للتعذيب والإهانة، خرجت الأسيرات برواية تقلب الطاولة تمامًا، حيث تحدثن عن تجربة إنسانية مختلفة.
المعارك الكبرى لا تُحسم بالسلاح فقط. الفكر والوعي أدوات لا تقل قوة عن الرصاص، وقد تكون في كثير من الأحيان أكثر تأثيرًا
هذا التناقض يصيب المجتمع الإسرائيلي في الصميم، ويطرح تساؤلات عن مصداقية الروايات التي يتلقاها من قيادته وإعلامه.
في عالم الإعلام الموجه والحروب النفسية، تُعد هذه التجربة درسًا في كيفية استخدام القيم الإنسانية كأداة مقاومة. بينما يعتمد الاحتلال على القوة والغطرسة، تظهر المقاومة بوجه مختلف، يعتمد على تغيير الوعي وكسب القلوب، ليس فقط داخل فلسطين، ولكن أيضًا في صفوف الأعداء.
المعركة ليست بالسلاح وحده
ما حدث مع الأسيرات الإسرائيليات ليس مجرد قصة من قصص الأسر، بل هو دليل على أن المعارك الكبرى لا تُحسم بالسلاح فقط. الفكر والوعي أدوات لا تقل قوة عن الرصاص، وقد تكون في كثير من الأحيان أكثر تأثيرًا. اليوم، يبقى السؤال: كيف يمكن لمجتمع بُني على الأكاذيب أن يواجه الحقيقة؟
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.