شعار قسم مدونات

كيف يستخدم الإعلام الانتخابات لنقل المهاجر من لاجئ إلى مواطن؟

نتيجة انتخابات برلين المحلية اسفرت عن خسارة كبيرة للحزب المسيحي بقيادة ميركل وشريكه الاشتراكي ووصول بديل لألمانيا لأول مرة لبرلمان الولاية. الجزيرة نت
الانتخابات في ألمانيا ليست مجرد استحقاق سياسي بل تمثل أداة رئيسية لتعزيز المشاركة المجتمعية ورفع الوعي الديمقراطي (الجزيرة)

تعد الانتخابات في ألمانيا حجر الزاوية للديمقراطية، حيث تشكل وسيلة رئيسية للمواطنين للتعبير عن إرادتهم السياسية، والمساهمة في رسم مستقبل بلادهم. لكن بالنسبة للمهاجرين، وخاصة السوريين الذين وصلوا إلى ألمانيا في ذروة أزمة اللاجئين، بين عامي 2014 و2015، فإن الانتخابات تمثل أكثر من مجرد عملية انتخابية؛ إنها التجربة الأولى للمواطنة.

رفض السوري الاعتقالات والتجنيد القسري، ورفض أن يتحول إلى قاتل جديد تحت شعار "مكافحة الإرهاب"، رفض الاعتداءات، الاغتصاب، وكسر الكرامة الإنسانية التي طالت النساء والأطفال وكبار السن

ما بين المُهجّر والمُهاجر

لم تكن تجربة انتقال السوري إلى أوروبا قرارًا بدافع البحث عن حياة أفضل، إنما واقع فرض نفسه. لم يكن ذلك هروبًا من الموت فقط، بل رفضًا للظلم؛ فبعد التدخلات الخارجية التي احتلت المشهد الثوري بشكل كبير بعد عام 2013، وما تبع ذلك من قتل الأبرياء، والقضاء على الصوت السلمي، والتهجير القسري، وصولًا إلى استخدام كل أنواع الأسلحة، حتى تلك الممنوعة دوليًا، فُرضت رحلة التهجير على السوريين.

رفض السوري الاعتقالات والتجنيد القسري، ورفض أن يتحول إلى قاتل جديد تحت شعار "مكافحة الإرهاب"، رفض الاعتداءات، الاغتصاب، وكسر الكرامة الإنسانية التي طالت النساء والأطفال وكبار السن. أُطلق على هذه الرحلة اسم "رحلة الموت" أو "رحلة اللجوء"، حيث وصل اللاجئ مُنهكًا يحمل أحلامًا كبيرة وجروحًا عميقة.

إعلان

تحديات الاندماج: من الصدمات إلى التوازن

واجه اللاجئون السوريون في ألمانيا تحديات هائلة في عملية الاندماج، بدءًا من تجاوز الصدمات النفسية الناتجة عن تجربة الثورة، والحرب، والهجرة القاسية، وصولًا إلى التكيف مع ثقافة جديدة تمامًا.

كان عليهم أن يجدوا توازنًا بين دوائرهم الاجتماعية في الوطن الأم والمجتمع الجديد، ولم تتوقف التحديات عند هذا الحد، بل شملت أيضًا الصعوبات في فهم النظام السياسي الألماني وآلياته، خاصة فيما يتعلق بالانتخابات.

نظرًا لتجربة السوريين القادمين من سوريا الأسد، حيث غابت الديمقراطية تمامًا تحت حكم النظام السابق، فهم يجدون أنفسهم في مواجهة نظام سياسي جديد ومعقد

الانتخاب: أول تجربة للانتماء الحقيقي للوطن الجديد

الانتخابات في ألمانيا ليست مجرد استحقاق سياسي؛ بل تمثل أداة رئيسية لتعزيز المشاركة المجتمعية ورفع الوعي الديمقراطي. أما بالنسبة للاجئين السوريين الذين حصلوا على الجنسية، فتعد الانتخابات أول تجربة تمنحهم شعورًا بالانتماء الحقيقي وفرصة لفهم دورهم كمواطنين في المجتمع الجديد.

ورغم أن غالبية السوريين لا يمتلكون حق التصويت في الانتخابات الفدرالية بسبب شروط الجنسية، فإن العديد منهم يشاركون في الانتخابات المحلية، ما يمنحهم فرصة للمساهمة في اتخاذ القرارات التي تؤثر على حياتهم اليومية.

ماذا يحتاج المواطن الجديد ليمارس الانتخابات بشكل سليم؟

نظرًا لتجربة السوريين القادمين من سوريا الأسد، حيث غابت الديمقراطية تمامًا تحت حكم النظام السابق، فهم يجدون أنفسهم في مواجهة نظام سياسي جديد ومعقد.

ومع ذلك، فإن تاريخ سوريا قبل حكم حافظ الأسد يُظهر وعيًا سياسيًّا ملحوظًا؛ فلم يجلس أي حاكم على كرسي الحكم أكثر من أربع سنوات قبل تلك الحقبة.

لذلك، تعد حملات التوعية السياسية وبرامج التعليم المدني جزءًا أساسيًّا من خطة الاندماج في المجتمع الألماني. من خلال هذه البرامج، يمكن للمهاجرين أن يتعرفوا على النظام السياسي الألماني، ويشعروا بأنهم جزء منه، ما يعزز مفاهيم المسؤولية الاجتماعية وحقوق الإنسان.

منذ بداية موجات اللجوء السوري إلى ألمانيا، لعبت وسائل الإعلام الرقمية، وخصوصًا السوشيال ميديا، دورًا كبيرًا في تعزيز الوعي السياسي وتقديم المعلومات

التثقيف الذاتي والمشاركة الفعالة

إلى جانب المبادرات الحكومية، يتحمل المهاجرون السوريون أنفسهم دورًا كبيرًا في تعزيز ثقافتهم السياسية. يجب عليهم السعي للحصول على المعرفة حول العملية الانتخابية وآلية التصويت، سواء من خلال البحث الشخصي أو الاستفادة من المصادر المتاحة مثل مراكز الاستشارات القانونية والمنظمات المجتمعية. يمكن أن يسهم هذا التثقيف في بناء وعي سياسي ينعكس على مشاركتهم في الانتخابات المحلية، وبالتالي على قدرتهم في التأثير على حياتهم وحياة أسرهم في المجتمع الألماني.

إعلان

الإعلام والسوشيال ميديا: جسر للمعرفة والتواصل

منذ بداية موجات اللجوء السوري إلى ألمانيا، لعبت وسائل الإعلام الرقمية، وخصوصًا السوشيال ميديا، دورًا كبيرًا في تعزيز الوعي السياسي وتقديم المعلومات.

على سبيل المثال، نجحت مبادرات مثل"WDR for you"  في ربط المهاجرين واللاجئين بالمجتمع الألماني، والعكس صحيح، ما جعلها تجربة ناجحة للغاية في تسهيل التفاهم المتبادل.

الانتخابات ليست مجرد عملية سياسية، بل تجربة تعكس قيم الديمقراطية والمواطنة، وتفتح الباب أمام اللاجئين السابقين ليصبحوا مواطنين فاعلين يشاركون في بناء مجتمعهم الجديد

الدراما: أداة فعالة للتثقيف والترفيه

تمثل الدراما التلفزيونية والسينمائية أداة قوية لنشر الوعي وتعزيز الاندماج الاجتماعي والسياسي؛ ومن خلال عرض قصص اللاجئين وتسليط الضوء على تحدياتهم وكيفية اندماجهم في المجتمع الألماني، تقدم هذه الأعمال فرصة لفهم أعمق لتجاربهم.

على سبيل المثال، فيلم "Café Waldluft" يعرض حكاية لاجئ سوري يبدأ حياة جديدة في ألمانيا، موضحًا كيف تعلم واكتسب مهارات جديدة تمكنه من التفاعل والمشاركة في الحياة السياسية والاجتماعية.

تسهم مثل هذه الأعمال في تفاعل المهاجرين مع قضايا مجتمعهم المضيف بطريقة مؤثرة، وتفتح أمامهم أبوابًا لفهم ثقافة المشاركة السياسية.

الإعلام نحو وعي أعمق

من خلال الإعلام والدراما ومبادرات التوعية، يمكن للمهاجرين السوريين في ألمانيا أن يكتسبوا فهمًا أعمق لحقوقهم وواجباتهم السياسية.

الانتخابات ليست مجرد عملية سياسية، بل تجربة تعكس قيم الديمقراطية والمواطنة، وتفتح الباب أمام اللاجئين السابقين ليصبحوا مواطنين فاعلين يشاركون في بناء مجتمعهم الجديد.

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.


إعلان