يقول الدكتور عبد الحي حجازي في مطوله: "النظام القانوني هو مجموعة قواعد قانونية، ولذا كانت القاعدة القانونية هي الوحدة الأولية التي يتكون منها النظام القانوني. ولما كانت الصيغة النموذجية للقاعدة القانونية هي أنه (إذا حدث كذا وجب أن يكون الحكم كذا)".
فنقول إن تركيب القاعدة القانونية من حيث صياغتها -بغض النظر عن مضمونها ونوعها- يتكون من عنصرين؛ هما: الفرض، والحكم. والفرض هو الوضع أو المركز القانوني أو الحالة المخصصة لتطبيق الحكم، وإذا تحققت الحالة أو الوضع المبين في القاعدة القانونية وجب إعمال الحكم. أما الأخير فهو الحل، وبمعنى أدق: الأثر المترتب على تحقق الفرض.
إذًا، دائمًا ما تقرر القاعدة القانونية حكمًا معينًا يجب تطبيقه في حال تحقق الفرض الذي تتضمنه القاعدة القانونية. وبناء على ذلك، يعد الفرض مجال تطبيق القاعدة القانونية ونطاقها، بينما يتمثل الحكم في الحل الذي يجب تطبيقه في كل مرة يتحقق فيها هذا الفرض. فخذ مثلًا:
- المادة (7) من قانون التجارة القطري التي تقول: "تعتبر أعمالًا تجارية جميع الأعمال المتعلقة بالأوراق التجارية". الفرض في هذه المادة يتناول طبيعة الأعمال المتعلقة بالأوراق التجارية، بينما الحكم هو اعتبارها أعمالًا تجارية.
- المادة (13/1) من قانون التجارة القطري التي نصت على أنه "يكون تاجرًا كل من يزاول باسمه عملًا تجاريًّا، وهو حائز للأهلية الواجبة، ويتخذ من هذا العمل حرفة له". فالفرض في المادة السابقة يتمثل في الشخص الذي يقوم بعمل تجاري باسمه، وكان حائزًا للأهلية القانونية، ويحترف العمل التجاري، أو -بالأحرى- يتحدث الفرض عن شروط اكتساب صفة التاجر، أما الحكم فهو اعتبار هذا الشخص تاجرًا.
- المادة (565) من قانون التجارة القطري جاء فيها: "إذا كتب مبلغ الشيك بالحروف وبالأرقام معًا، فالعبرة عند الاختلاف تكون بالمكتوب بالحروف". الفرض فيها هو تعارض القيمة المكتوبة بالحروف عن القيمة المكتوبة بالأرقام في الشيك، والحكم بها هو ترجيح المكتوب بالحروف على المكتوب بالأرقام.
- المادة (101) من القانون المدني القطري تقول: "إذا عدل من دفع العربون فقده". يعد العدول عن العربون من جانب المتعاقد في عقود هو الفرض، أما الحكم فهو فقدان مبلغ العربون من مقدمه.
يجب أن يضع المشرع القواعد القانونية وفق الأوضاع السائدة في الحياة بصورة مجردة في فرضها، وعامة في حكمها
والقواعد القانونية تواجه فروضًا معينة، ارتأى المشرع وضعها وفق الأوضاع السائدة في المجتمع، ونحو الغالب الأعم في الحياة العملية، فالمشرع دائمًا ما ينظر عند صياغته للفروض -في صورة قواعد قانونية- إلى سير الأمور نحو مجراها المعتاد، لا الشاذ الاستثنائي. كما أن تصرفات الأفراد في المجتمع يصعب أن تأخذ اتجاهًا واحدًا.
ومن هذا المنطلق، لا يمكن أن نضع قواعد تحصر كل ما هو آتٍ في المستقبل من مختلف الفروض والحالات الفردية اللانهائية، ومن غير المنطق أن نضع قواعد قانونية آمرة تنظم تصرفات كل فرد على حدة بذاته وشخصه؛ لأنها غير محدودة، وما هو محدود لا يمكن أن يسع ما هو غير محدود. ولذلك يجب أن يضع المشرع القواعد القانونية وفق الأوضاع السائدة في الحياة بصورة مجردة في فرضها، وعامة في حكمها.
وتظهر فائدة تحليل القاعدة القانونية إلى فرض وحكم، في عدة أمور هامة، هي:
- أن أغلب الكتب الفقيه والشروحات القانونية -إن لم يكن جميعها- تتبع هذه الطريقة في شرحها فروع القانون.
- أن هذه طريقة في التحليل تسهل عملية إدارة النزاعات أمام القضاء، فتساعد القاضي في درء القضايا، حيث يمثل الفرض الواقعة محل الخلاف والنزاع، أما الحكم فهو الحل الذي يجب أن يقضي به القاضي بين طرفي الخصوم.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.