شعار قسم مدونات

غزة والمعاني الشامخة

انتشار مقاتلي كتائب القسام في ميناء غزة استعدادا للإفراج عن أسرى إسرائيليين
انتشار مقاتلي كتائب القسام في ميناء غزة أثناء الإفراج عن أسرى إسرائيليين (الجزيرة)

إن غزة التي باتت رمزًا عالميًا للصمود ليست مجرد بقعة جغرافية ضيقة تُحاصرها الأسلاك والجدران؛ بل هي فكرة سامية تعيش في أعماق كل من يؤمن بالحرية والعدالة، غزة تعلّمك أن الإرادة البشرية إذا ما استمدت جذورها من الإيمان العميق بالله، فإنها تتجاوز حدود المادة والجغرافيا.

هناك، في تلك الأرض التي تنبض بالعزيمة، استطاع أبناؤها أن يحوّلوا أضعف الإمكانات إلى سلاحٍ يُرعب أعتى الجيوش، فحين كانت الدنيا بأسرها تقف متفرجة على معاناتهم، كانوا يصوغون معاني جديدة للصبر والكفاح، مُتحدّين الجوع والقصف والخيانة.

الشباب العربي الذي ظن أنه بات يعيش في زمن لا صوت فيه إلا للقوة العسكرية، عاد ليؤمن أن المقاومة خيار ممكن، وأن العدو مهما بلغ من القوة فهو ليس أكثر من فزاعة تسقط أمام إرادة الشعوب

لقد أزالت غزة عن صدر الأمة أعباء الهزيمة النفسية التي كادت تُجهض كل أمل في التحرير؛ كأنها قالت للجميع إن المستحيل لا يُوجد في قاموس المقاومة، وإن العزيمة تُفكك القيود وتُحطم الأغلال. ففي خنادق غزة لم تُصنع فقط المعارك العسكرية، بل صُنعت هناك معارك الوعي والبصيرة، معارك تعيد تعريف معاني الانتصار والهزيمة.

غزة ليست مجرد حرب تخوضها المقاومة، بل هي فصل جديد في ملحمة الإنسان الباحث عن كرامته، لم يكن نصرها عابرًا أو محدودًا بميدان، بل كان نقطة تحول كبرى في مسار القضية الفلسطينية، إنها ولادة جديدة للوعي العربي والإسلامي، وصرخة توقظ النائمين من سباتهم، تخبرهم أن الأرض لا تُحرر بالمفاوضات العقيمة، بل بالمواقف التي تنطلق من عمق العقيدة، غزة لم تُكسر فقط هيبة العدو، بل عرّت النظام الدولي الذي يدّعي حماية حقوق الإنسان، بينما يصمت أمام القتل والتشريد.

إعلان

لم يكن النصر الذي تحقق مجرد أرقام أو خسائر تُمنى بها آلة الحرب الإسرائيلية، بل كان عودة للثقة بالذات العربية والإسلامية التي أُرهقت من توالي الهزائم، والشباب العربي الذي ظن أنه بات يعيش في زمن لا صوت فيه إلا للقوة العسكرية، عاد ليؤمن أن المقاومة خيار ممكن، وأن العدو مهما بلغ من القوة فهو ليس أكثر من فزاعة تسقط أمام إرادة الشعوب.

غزة ليست مجرد مكان، بل هي حالة إلهام، درس في الصمود، نموذج في التضحية، غزة هي صوت الأمة الذي كان مبحوحًا، لكنه عاد يصدح عاليًا، يخبرنا أن العدل لا يُستجدى، بل يُنتزع انتزاعًا

إن أعظم ما أهدته غزة للأمة هو استعادة مفهوم الكرامة الجمعية، هذا المفهوم الذي تآكل تحت ضربات التطبيع والانبطاح، لكنها أثبتت أن القضية ليست مجرد شعارٍ يُرفع أو مهرجانٍ يُقام، بل هي فعل مستمر، يُكتب بالتضحيات، وتُرسم معالمه بالدماء.

هذا الانتصار لا يعني أن المعركة قد انتهت، بل هو بداية لمرحلة جديدة تتطلب مزيدًا من الوعي والتخطيط والعمل المشترك، والأمة اليوم أمام خيار تاريخي: إما أن تبني على هذا النصر مشروعًا شاملًا لتحرير كامل الأرض، أو تعود إلى مربع الانتظار والخذلان.

لقد رسمت غزة بخارطة دمائها طريقًا واضحًا للأمة: ألا تحرير إلا بالمقاومة، وأن الشعوب إذا ما توحدت على هدفها فإنها قادرة على قهر المستحيل.. ما حدث في غزة ليس مجرد انتصار، بل هو إعلان ميلاد جديد لروح الأمة، التي ظن البعض أنها ماتت تحت ركام المصالح السياسية.

غزة ليست مجرد مكان، بل هي حالة إلهام، درس في الصمود، نموذج في التضحية، غزة هي صوت الأمة الذي كان مبحوحًا، لكنه عاد يصدح عاليًا، يخبرنا أن العدل لا يُستجدى، بل يُنتزع انتزاعًا.

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.


إعلان