يحقق عنصر الحكم في تركيب القاعدة القانونية الهدف الأسمى الذي يسعى له القانون، وهو تنظيم سلوك الأفراد، وترشيد تصرفات الأشخاص، وهذه الغاية لا تتحقق إلا إذا كان الناس في المجتمع مدركين أهمية القانون، وأنه يتوجب العمل به واحترامه.
والسؤال هنا: كيف ينشأ هذا الإدراك في نفس المجتمع؟ أو: ما الوسيلة التي يجب اتباعها حتى يصبح الفرد منصاعًا بإرادته لأحكام القانون؟ نقول فورًا: من خلال توافر خاصية الإلزام في عنصر الحكم من تركيب القاعدة القانونية.
قوة القاعدة لا تأتِي من خشية عنصر الجزاء فيها، والأمر على النقيض تمامًا؛ حيث تحترم نتيجة رضاء المجتمع عن النظام القانوني
معنى الإلزام وأهميته:
يقصد بالإلزام شعور كافة الأفراد المخاطبين بوجوب اتباع أحكام القاعدة القانونية واحترامها، من خلال الجزاء المادي الذي توقعه السلطة العامة على مخالفيها، ولو كان ذلك قسرًا عند الحاجة.
وبناء على ذلك، تعد خاصية الإلزام وصفًا أساسيًّا أصيلًا للقاعدة القانونية، لا انفكاك منه، فإذا غاب حس الإلزامية من عنصر الحكم في القاعدة القانونية، وأصبح دون جزاء يجبر ويزجر، فإن ذلك يؤدي إلى ترك تنفيذها لمحض مشيئة الأشخاص، ويصيرُ الأمر في اتباعها مجرد خيار للفرد؛ إما أن يتبع وإما أن يعرض، وحينئذ ستفقد القواعد صفتها القانونية، فتفرغ من محتوها، وتتحول إلى مجرد نصيحة أو توصية أو إرشاد، ومن ثم ينعكس ذلك سلبًا على نظام المجتمع؛ حيث سيكون مجتمعًا مضطربًا، يقبع فيه الخطر، وتنتشر فيه العشوائية، وتتحقق فيه المصلحة الخاصة بدل المصلحة العامة.
ويرد الإلزام في القاعدة القانونية إما بطريقة صريحة ومباشرة من خلال الأوامر والنواهي؛ فيقول المشرع نصًّا "يجب"، أو "يتعين"، أو "يحظر" ، أو "لا يمنع" ، أو "لا يجوز"، أو "لا يجبر".
وإما بطريقة ضمنية وغير مباشرة حينما يفهم الإلزام من النص القانوني دون الإشارة إليه صراحة، فيتضح من خلال تحليل مضمون القاعدة القانونية، كالمادة (74) من القانون التجاري القطري، التي نصت على: "الملتزمون معًا بدَيْن تجاري، يُسألون على وجه التضامن، ما لم ينص القانون أو الاتفاق على خلاف ذلك"، فهي قاعدة قانونية توجب التضامن كأصل عام في مسائل التجارية.
أو المادة (587) من القانون المدني بقولها: "إذا لم يحدد المتعاقدان تاريخ بدء الإيجار كان بدؤه من تاريخ العقد"، أو المادة (35) من الدستور القطري، التي نصت على أن "الناس متساوون أمام القانون. لا تمييز بينهم في ذلك بسبب الجنس، أو الأصل، أو اللغة، أو الدين"، فعنصر الإلزام يكمن في توجيه خطاب المشرع للكافة دون تمييز.
ومن هذا المنطلق، تبرز أهمية الإلزامية في تركيب القاعدة القانونية، وهي لا تتوافر إلا إذا اقترنت بجزاء يؤدي الجبر والزجر، ويقع من السلطة العامة في حالة خرق القواعد القانونية. فيكون الجزاء هو الوسيلة المثلى لضمان احترام القانون، وتنفيذ أحكامه من قبل المخاطبين.
إذا نُفّذ حكم القاعدة القانونية اختياريًّا أو جبرًا فإن المهم هو ضمان احترام القانون، وتحقيق الغرض منه، والغالب هو الخضوع الاختياري للقانون؛ أما الخضوع الإجباري فهو أمر عارض
والجزاء في القاعدة القانونية لا يؤدي حتمًا للجبر والقهر، ومن ثم يجب ألا يفسر احترام القانون في المجتمع نتيجةً للخوف والرهبة من إيقاع الجزاء. فقوة القاعدة لا تأتِي من خشية عنصر الجزاء فيها، والأمر على النقيض تمامًا؛ حيث تحترم نتيجة رضاء المجتمع عن النظام القانوني.
واللجوء إلى الجزاء لا يعدو أن يكون استثناءً نصل إليه في حال خرجت التصرفات عن الحد المشروع قانونًا، وفق ما هو موضح في عنصر الفرض من تركيب القاعدة القانونية، والأصل أن تحترم القاعدة القانونية طواعية واختيارًا، فما هي إلا تعبير عن رغبات المجتمع.
والأمر على حد سواء، فإذا نُفّذ حكم القاعدة القانونية اختياريًّا أو جبرًا فإن المهم هو ضمان احترام القانون، وتحقيق الغرض منه، والغالب هو الخضوع الاختياري للقانون؛ أما الخضوع الإجباري فهو أمر عارض، وإذا صار الأمر العارض هو الغالب الأعم فإن هذا القانون ينبئ عن فشله، ويحمل في طياته أسباب انتهائه، ومصيره الاندثار.
يقول الدكتور حسن البراوي: "إن من حسن السياسة التشريعية السديدة اختيار أنسب الحلول لظروف المجتمع الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، بحيث يأتي القانون انعكاسًا لهذه الحلول".
الجزاء كأثر لخاصية الإلزامية:
إن الجزاء مكوّن جوهري في عنصر الحكم من تركيب القاعدة القانونية، وفي الحقيقة ما هو إلا نتيجة لخاصية الإلزام.
لذلك يعرف الجزاء بأنه الأثر المترتب على مخالفة القاعدة القانونية. وللجزاء القانوني أهداف ظاهرة وباطنة؛ فالظاهر منها هو الحد من سلوكيات الأفراد المطلقة حتى يمتثلوا لأوامر القانون ونواهيه، أما الباطن منها فهو محاولة إرجاع الحال إلى ما كانت عليه، من خلال إزالة الآثار المترتبة على مخالفة القاعدة القانونية.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.