شعار قسم مدونات

مشروع ترامب العقاري سيفشل أمام صلابة غزة

صور1+2+3 ترامب خلال استقباله لنتنياهو في البيت الأبيض (تصوير مكتب الصحافة الحكومي الإسرائيلي عممها للاستعمال الحر لوسائل الإعلام)
دونالد ترامب خلال استقباله نتنياهو في البيت الأبيض (تصوير مكتب الصحافة الحكومي الإسرائيلي عممها للاستعمال الحر لوسائل الإعلام)

في الوقت الذي يسعى فيه الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى تقديم حلول "عقارية" لمشاكل غزة عبر تهجير سكانها، تتجاهل إدارته الحالية – كما السابقة – الأزمات الحقيقية داخل الولايات المتحدة، وعلى رأسها أزمة المخدرات والتشرد في مدينة كنسينغتون بولاية فيلادلفيا.

وتُعرف هذه المنطقة بأنها أكبر سوق مفتوح للمخدرات على الساحل الشرقي الأميركي، حيث تفاقمت الأزمة مع انتشار الزايلازين، وهو مهدئ بيطري ممزوج بالفنتانيل، ما أدى إلى ارتفاع معدلات الوفيات بسبب الجرعات الزائدة.

إعلان ترامب عن تهجير سكان غزة ليس مبادرة عفوية لجمال عيون الفلسطينيين، بل يأتي ضمن رؤية أوسع لتحويل القطاع إلى مركز اقتصادي يخدم مصالح رجال الأعمال الأميركيين والإسرائيليين

وفقًا لإحصائيات مؤسسة كايزر للصحة (KFF Health News)، فإن 90% من عينات الأفيون في كنسينغتون عام 2021 احتوت على الزايلازين، ما يجعلها بؤرة للأمراض والإدمان.

كما ارتفعت معدلات الجريمة في فيلادلفيا بنسبة 20%، حيث أصبحت السرقة والاعتداءات المرتبطة بالمخدرات أمرًا يوميًّا. فبدلًا من البحث عن حلول خارج حدوده، كان حريًّا بترامب أن يعالج أزمة تتفاقم في قلب أميركا، لكنه اختار صرف الانتباه عن فشل السياسات الداخلية عبر طرح مشاريع خيالية في الشرق الأوسط.

إعلان ترامب عن تهجير سكان غزة ليس مبادرة عفوية لجمال عيون الفلسطينيين، بل يأتي ضمن رؤية أوسع لتحويل القطاع إلى مركز اقتصادي يخدم مصالح رجال الأعمال الأميركيين والإسرائيليين. إذ تتحدث تقارير عن خطة لجعل غزة "ريفيرا الشرق الأوسط"، على طراز دبي، لكن هذه الرؤية تتطلب إخلاء السكان الأصليين، وهو ما يذكّر بممارسات التطهير العرقي.

إعلان

إلى جانب الاستثمارات العقارية، هناك أهداف إستراتيجية، أبرزها الممر الاقتصادي الذي يربط الهند بالشرق الأوسط وأوروبا، والذي يهدف إلى تقليل الاعتماد على مشروع الحزام والطريق الصيني. بحيث تمر أجزاء من هذا الممر عبر مناطق قريبة من غزة، ما يجعل تهجير سكانها خيارًا مغريًا لصناع القرار في واشنطن وتل أبيب.

كما أنّ هناك خططًا لإنشاء ما يطلق عليه "قناة بن غوريون"، التي ستربط البحر الأحمر بالبحر المتوسط لتنافس قناة السويس المصرية، وهي خطوة من شأنها تقليل نفوذ مصر، وتعزيز الهيمنة الإسرائيلية على التجارة العالمية.

في هذا السياق، يُنظر إلى غزة كعقبة أمام تنفيذ هذه المشاريع الكبرى، ما يجعل التهجير القسري وسيلة لتحقيق هذه الأهداف.

إلهاء الإعلام عن التغييرات الدكتاتورية الداخلية

لم يكن توقيت إعلان ترامب عن تهجير سكان غزة صدفة، بل يأتي في وقت يُجري فيه تحالف ترامب- إيلون ماسك تغييرات جذرية في المشهد السياسي والإعلامي داخل الولايات المتحدة.

إن ما يواجهه الفلسطينيون اليوم ليس مجرد تهديد سياسي، بل هو امتداد لمشروع استعماري متجدد يسعى إلى إعادة رسم الخرائط بما يخدم المصالح الأميركية والإسرائيلية، على حساب الشعوب الأصلية

فترامب، يعمل على إضعاف الاستخبارات الأميركية (CIA)، ومكتب التحقيقات الفدرالي (FBI)، وهي المؤسسات التي وقفت ضده خلال رئاسته الأولى.

بالتوازي، يستخدم إيلون ماسك نفوذه في وسائل التواصل الاجتماعي، خاصة عبر منصة إكس (تويتر سابقًا)، للتحكم في تدفق المعلومات، إذ يمنح مساحة واسعة للأصوات المؤيدة لترامب، بينما يحد من انتشار الأخبار التي تعارض سياساته.

إعلان تهجير غزة في هذا التوقيت يخدم هدفًا واضحًا: صرف انتباه الرأي العام عن الانقلاب الهادئ الذي يجري داخل مؤسسات الدولة الأميركية.

فبدلًا من أن تتصدر الأخبار المتعلقة بتغيير السياسات الاستخباراتية أو قوانين الرقابة على وسائل الإعلام العناوين الرئيسية، يتحول التركيز إلى غزة، ما يمنح ترامب الفرصة لتمرير أجندته الداخلية دون مقاومة تذكر.

ورقة انتخابية ومشروع استعماري متجدد

لا يمكن إغفال البعد السياسي لهذا الإعلان، حيث يسعى ترامب إلى كسب تأييد المحافظين المسيحيين المتطرفين، الذين يرون في دعمه لإسرائيل خطوة ضرورية لتحقيق نبوءاتهم الدينية.

إعلان

فمنذ حملته الأولى، اعتمد ترامب على التأييد الإنجيلي، وهو ما انعكس في قرارات مثل نقل السفارة الأميركية إلى القدس، والاعتراف بسيادة إسرائيل على الجولان.

واليوم، يكرر النهج ذاته عبر طرح فكرة تهجير سكان غزة، كجزء من مخطط أوسع لتعزيز هيمنة إسرائيل.

ختامًا، إن ما يواجهه الفلسطينيون اليوم ليس مجرد تهديد سياسي، بل هو امتداد لمشروع استعماري متجدد يسعى إلى إعادة رسم الخرائط بما يخدم المصالح الأميركية والإسرائيلية، على حساب الشعوب الأصلية.

والسؤال الحقيقي الذي يجب أن يُطرح: أيظل العالم صامتًا أمام هذه المخططات، أم إن غزة ستبقى شوكة في حلق الطامعين؟

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.


إعلان