- ترامب والعقلية الاستعلائية
عندما يتحدث دونالد ترامب عن أوروبا، فإن لغته تحمل نبرة استعلائية واضحة، فهو لا يتردد في انتقاد الحلفاء الأوروبيين، ووصفهم بأنهم "يعتمدون على أميركا" دون تقديم ما يكفي في المقابل.
هذه النبرة ليست مجرد أسلوب خطابي، بل تعكس فلسفة سياسية عميقة تقوم على مبدأ "أميركا أولًا"، وهو شعار رفعه ترامب خلال حملاته الانتخابية وولايته الرئاسية. ولكن، ما هي الدوافع الخفية وراء هذه العقيدة القومية؟ أتسعى أميركا حقًا إلى إخضاع حلفائها في الغرب، أم إن هناك أهدافًا أخرى؟
مع عودة ترامب إلى الساحة السياسية، تصاعدت التوترات بين أميركا وأوروبا؛ فقد أعلن ترامب عن نيته فرض رسوم جمركية إضافية على الواردات الأوروبية، ما أثار مخاوف القادة الأوروبيين من اندلاع حرب تجارية جديدة
العقيدة الترامبية: أميركا أولًا
ترتكز العقيدة الترامبية على فكرة أن أميركا يجب أن تضع مصالحها فوق كل اعتبار، حتى لو كان ذلك على حساب حلفائها التقليديين. خلال ولايته الأولى، أظهر ترامب نفورًا من المؤسسات متعددة الأطراف، مثل الاتحاد الأوروبي وحلف الناتو، معتبرًا أن هذه المؤسسات تستغل أميركا لتحقيق مصالحها الخاصة، وقد تجلى ذلك في سياسته التجارية الحمائية، حيث فرض رسومًا جمركية على الواردات الأوروبية، وهدد بانسحاب أميركا من اتفاقيات دولية، مثل اتفاقية باريس للمناخ.
العلاقات عبر الأطلسي: توتر متصاعد
مع عودة ترامب إلى الساحة السياسية، تصاعدت التوترات بين أميركا وأوروبا؛ فقد أعلن ترامب عن نيته فرض رسوم جمركية إضافية على الواردات الأوروبية، ما أثار مخاوف القادة الأوروبيين من اندلاع حرب تجارية جديدة. بالإضافة إلى ذلك، أبدى ترامب شكوكًا حول استمرار الدعم الأميركي لأوكرانيا في مواجهة العدوان الروسي، ما أثار قلقًا إضافيًا لدى الحلفاء الأوروبيين.
روسيا واللعبة الجيوسياسية
في هذا السياق، قد تكون روسيا المستفيد الأكبر من التوترات بين أميركا وأوروبا؛ فإذا قلصت أميركا دعمها لأوكرانيا، فقد تضطر الأخيرة إلى التفاوض مع روسيا بشروط أقل ملاءَمة. كما أن تراجع الدعم الأميركي لحلف الناتو قد يضعف الموقف الأوروبي في مواجهة التهديدات الروسية، ما يعزز من نفوذ موسكو في المنطقة.
من خلال الضغط على أوروبا لزيادة إنفاقها على الدفاع، قد تسعى أميركا إلى تحقيق توازن أفضل في تحمل الأعباء داخل حلف الناتو. ومع ذلك، فإن هذا النهج ينطوي على مخاطر كبيرة، حيث قد يؤدي إلى مزيد من الانقسامات داخل الحلف
مستقبل العلاقات عبر الأطلسي
في النهاية، يبدو أن سياسات ترامب تقوم على فلسفة قومية، تضع مصالح أميركا فوق كل اعتبار، حتى لو كان ذلك على حساب حلفائها التقليديين. ولكن السؤال الذي يبقى مطروحًا هو: أتستفيد أميركا حقًا من إضعاف حلفائها في أوروبا، أم إن هذه السياسة ستؤدي إلى مزيد من الانقسامات والضعف في الغرب، ما يعزز من نفوذ القوى المنافسة مثل روسيا والصين؟
للإجابة عن هذا السؤال، يجب النظر إلى السياق الأوسع للعلاقات الدولية. أميركا، منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، كانت القوة المهيمنة في الغرب، حيث قادت التحالفات الدولية، ودعمت المؤسسات متعددة الأطراف مثل حلف الناتو والاتحاد الأوروبي. هذه المؤسسات لم تكن فقط أدوات لتعزيز الأمن والاستقرار العالمي، بل كانت أيضًا وسيلة لتعزيز النفوذ الأميركي.
ومع ذلك، فإن سياسات ترامب القائمة على "أميركا أولًا" تهدد بتقويض هذه التحالفات؛ فعندما تفرض أميركا رسومًا جمركية على الحلفاء الأوروبيين، أو تهدد بانسحابها من حلف الناتو، فإنها لا تقوض فقط الثقة بين الحلفاء، بل تخلق فراغًا إستراتيجيًا يمكن أن تملأه قوى منافسة مثل روسيا والصين.
من ناحية أخرى، قد يجادل البعض بأن سياسات ترامب تهدف إلى إجبار الحلفاء الأوروبيين على تحمل المزيد من المسؤولية في الدفاع عن أنفسهم. فمن خلال الضغط على أوروبا لزيادة إنفاقها على الدفاع، قد تسعى أميركا إلى تحقيق توازن أفضل في تحمل الأعباء داخل حلف الناتو.
ومع ذلك، فإن هذا النهج ينطوي على مخاطر كبيرة، حيث قد يؤدي إلى مزيد من الانقسامات داخل الحلف، بل وقد يدفع بعض الدول الأوروبية إلى البحث عن شراكات بديلة مع قوى أخرى.
هل ستنجح أميركا في تحقيق مصالحها على حساب حلفائها؟ أيكون ذلك أم إن هذه السياسة ستؤدي إلى مزيد من الضعف والانقسام في الغرب؟
قراءة في المستقبل
في عالم يزداد تعقيدًا، تبدو العلاقات بين أميركا وأوروبا على مفترق طرق؛ فإما أن تعيد أميركا تقييم سياستها تجاه حلفائها، أو أن تستمر في اتباع نهج "أميركا أولًا"، ما قد يؤدي إلى مزيد من التوترات والانقسامات. وفي كلتا الحالتين، فإن مستقبل الغرب ككل سيكون على المحك.
هذا المقال حاول أن يسلط الضوء على الخبايا الأيديولوجية للعقيدة الترامبية، ويقدم قراءة تحليلية لتأثيراتها على العلاقات عبر الأطلسي. فهل ستنجح أميركا في تحقيق مصالحها على حساب حلفائها؟ أيكون ذلك أم إن هذه السياسة ستؤدي إلى مزيد من الضعف والانقسام في الغرب؟ الإجابة ربما تكمن في كيفية تعامل القادة الأوروبيين مع هذه التحديات الجديدة.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.