على مدار عامين من حرب لا تنتهي، ودمار لا يرحم، وتشريد لا يتوقف، تحولت فكرة السلام من مجرد اتفاق سياسي إلى مطلب وجودي. في أرض اعتدنا فيها النجاة، لم نعد نحلم إلا بيوم عادي، يوم يبدأ بلا دوي انفجار، وينتهي بلا وداعٍ جديد.
حين يصبح السلام حلما، ندرك كم أن الحياة العادية رفاهية نادرة. هنا، لا نبحث عن الأمل في نشرات الأخبار، بل في لحظة هدوء لا نعرف متى تأتي، في ساعة نوم آمنة، في صباح بلا أصوات القنابل.
ومع كل إعلان عن وقف لإطلاق النار، حتى لو كان مجرد تصريح عابر، تعلو هتافات الأطفال من حولنا: "هدنة، هدنة، بدنا نرجع عالشمال." تلك اللحظة تُثقل القلب، أن ترى الفرحة في عيونهم ثم تخشى أن تنكسر مجددا.
كل ما نريده هو سلام حقيقي، لا هدنة مؤقتة ولا ورقة موقعة تُنسى على طاولة المفاوضات. نريد سلاما يُنهي الاحتلال، ويعيد الحقوق إلى أصحابها، ويعيد لنا كرامتنا كشعب يستحق أن يعيش. لأنه إن لم يكن هذا السلام صادقا أو عادلا، فسنظل عالقين في الدائرة ذاتها، نكرر ألمنا مع كل جيل جديد.
وسط هذا الخراب، من تبقى هناك لا يزال يقاتل من أجل البقاء. فهم يحملون وجعهم بصمت، ويتمسكون بخيط أمل رفيع، ويتمنون أن يكون الإعلان القادم عن وقف إطلاق النار حقيقيا
شمال غزة.. الحرب التي لا تهدأ
رغم كل النداءات الدولية المطالبة بوقف العدوان، فإن شمال قطاع غزة ما زال يرزح تحت نار لا تنطفئ، وتصعيد يزداد وحشية يوما بعد يوم.
الناس هناك لا يفرون إلى الأمان، بل يفرون من موت إلى موت. يحملون أطفالهم وذكرياتهم وأرواحهم المثقلة بالخوف، ويهربون نحو المجهول. فلا مأوى، ولا ملاذ، سوى المزيد من الركام.
الدبابات تداهمهم كالأشباح، تنبثق من بين الأزقة، وتفرض رعبها في كل زاوية. لا لحظة دون انفجار، ولا شارع ينجو من القصف. كل ما يتحرك يُستهدف، المنازل، الطرق، والأجساد التي تحاول النجاة. في كل لحظة، يشعر الناس أن الحياة تتآكل، وأن الهواء نفسه أصبح ثقيلا برائحة البارود والموت.
صديقتي أمل، التي لا تزال في مخيم الشاطئ، كتبت لي تقول: "كل شيء يُباد هنا. البيوت تُمحى، المدارس سُويت بالأرض، وحتى المستشفيات، آخر خيط للنجاة، على وشك أن تُغلق أبوابها وتخرج عن الخدمة".
وسط هذا الخراب، من تبقى هناك لا يزال يقاتل من أجل البقاء. فهم يحملون وجعهم بصمت، ويتمسكون بخيط أمل رفيع، ويتمنون أن يكون الإعلان القادم عن وقف إطلاق النار حقيقيا، لا مجرد استراحة قصيرة قبل جولة جديدة من الألم.
الأمل الذي أبحر نحونا اصطدم بالقهر ذاته. اعترض الاحتلال الأسطول، ومنع السفن من الوصول، واعتقل النشطاء الذين جاؤوا حاملين وجعنا ورسالة الإنسانية. ورغم ذلك، لم يكن ما فعلوه عبثا
أسطول الصمود.. أمل اعترضه القمع
في ذروة الحصار والمجازر، تحرك أسطول الصمود من أجلنا، يحمل على متنه أصوات التضامن والحرية ومحاولة لكسر الصمت العالمي. كان ذلك المشهد كأنه بريق حياة وسط ليل طويل، سفن صغيرة أبحرت من أجل غزة، من أجل إنسانيتها المنسية، لتقول للعالم إن صوت الضمير لم يمت بعد.
لكن الأمل الذي أبحر نحونا اصطدم بالقهر ذاته. اعترض الاحتلال الأسطول، ومنع السفن من الوصول، واعتقل النشطاء الذين جاؤوا حاملين وجعنا ورسالة الإنسانية.
ورغم ذلك، لم يكن ما فعلوه عبثا. لقد وصلت رسالتهم إلينا قبل أن تصل سفنهم: أن غزة ما زالت في قلوب الأحرار، وأن الضمير العالمي لا يزال قادرا على المقاومة، حتى في وجه الحديد والنار.
حين رأينا صورهم، شعرنا أننا لسنا وحدنا. كانت تلك اللحظة العابرة كفيلة بأن تبعث فينا شيئا من الأمل، وتؤكد أن الصمت ليس اللغة الوحيدة الممكنة.
نحن بحاجة إلى كل كلمة، إلى كل فعل، إلى كل يد تمتد من أجلنا. ليكن صوتكم ورقة ضغط من أجل سلام عادل، وجدارا في وجه محاولات المحو
نداء من غزة إلى العالم
من غزة، نوجه نداءنا إلى شعوب العالم. اتحدوا لأجل الحقيقة، لا تتركوا روايتنا تضيع تحت الركام، قاوموا بصوتكم صمت العالم. فصوت الشعوب أقوى من ضجيج القنابل، والضمير الإنساني حين يتحرك قادر على كسر كل حصار.
نحن بحاجة إلى كل كلمة، إلى كل فعل، إلى كل يد تمتد من أجلنا. ليكن صوتكم ورقة ضغط من أجل سلام عادل، وجدارا في وجه محاولات المحو، وفارقا في الوعي والذاكرة. ليبقَ صوت غزة حيا في ضمير العالم.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.

