لطالما تعرضت للعديد من الاتهامات المعلبة والجائرة على مواقع التواصل الاجتماعي، مثل كثيرين غيري. قد يكون السبب موقفا معينا، أو رأيا شخصيا، أو مجرد نقاش عام.
هذه الاتهامات غالبا ما تكون مستهجنة وسخيفة، مما يدفعني للتساؤل: لماذا يصر الناس على استخدام هذا النوع من الاتهامات رغم بساطتها وضعفها؟
مع مرور الوقت، اكتشفت أن التعامل مع هذه الهجمات ليس مجرد فرصة للرد الدفاعي، بل فرصة أيضا لممارسة مهارة تحليل النفس البشرية، وفهم طريقة تفكير الآخرين أثناء الجدال.
عند تقديم الحجة عليهم، يتجه البعض إلى إطلاق الاتهامات المعلبة بناء على دين خصمهم أو مذهبه أو سياسة وطنه، مما يعكس ضيق الأفق وعدم القدرة على النقاش الموضوعي.
مواجهة هذا النوع من الأشخاص تشبه تمرينا يوميا للعقل والنفس، لتقوية الصبر والقدرة على التحكم في النقاش؛ فالجدال معهم ليس هدرا للوقت كما قد يظن البعض، بل فرصة لتطوير مهارة التفكير النقدي، والقدرة على المناورة، واستيعاب طبيعة الطرف الآخر.
استخدام المنطق والهجوم القاسي أحيانا، مع لمسة تهكم ذكية، يجعل الحوار تمرينا عمليا على الفهم العميق للطرف الآخر.
أظهرت دراسة بجامعة كاليفورنيا (2015) أن الأشخاص الذين يتجنبون التجاهل، وينخرطون في النقاش المنطقي، يكونون أكثر قدرة على التأثير في الآخرين
ممارسة الجدال كتمرين ذاتي
العراك مع الاتهامات المعلبة أصبح بالنسبة لي وسيلة للتسلية والتفريغ النفسي؛ فهو لا يهدف فقط لهزيمة الخصم، بل لاختبار قدرتي على التركيز، والرد المنطقي، واستحضار جميع نقاط الحوار.
عند الرد، يجب أن يعكس أسلوبنا أسلوب خصمنا؛ فإذا كان هجوميا، يكون ردنا هجوميا أيضا مع لمسة تهكمية ذكية.
دراسة في علم النفس الاجتماعي بجامعة ستانفورد (2017) تؤكد أن مواجهة النقد والاتهامات بأسلوب مباشر، مع عنصر من التهكم، تقلل التوتر النفسي وتعزز الثقة بالنفس.
كما أظهرت دراسة أخرى بجامعة كاليفورنيا (2015) أن الأشخاص الذين يتجنبون التجاهل، وينخرطون في النقاش المنطقي، يكونون أكثر قدرة على التأثير في الآخرين، وتحسين فهمهم للآراء المختلفة.
أهمية التهكم في النقاش
التهكم ليس مجرد أسلوب هجومي، بل جوهر العملية وزينتها… في بيئة معقدة مثل مواقع التواصل، يساعد التهكم المنضبط على تخفيف حدة القضايا وتحسين المزاج.
برامج التوك شو الساخرة تثبت فاعلية هذا الأسلوب في معالجة القضايا الاجتماعية والسياسية، بشرط الالتزام بالقيم والأخلاق، فلا ينزلق النقاش إلى الهجوم الشخصي الفظ.
التهكم الواعي والمراقب يُحول النقاش إلى تمرين فكري ممتع، ويمكن استخدامه لتسليط الضوء على تناقضات خصمك بطريقة ذكية دون انتهاك حدود الأدب
الدراسات تشير إلى أن التهكم الذكي يمكن أن يكون أداة فعالة للتأثير على الآخرين وتغيير آرائهم دون صراع مباشر؛ فبحث أجرته جامعة ميشيغان (2018) أظهر أن المشاركين الذين تعرضوا لرسائل تتضمن تهكما مدروسا أبدوا استعدادا أكبر لإعادة النظر في مواقفهم، مقارنة بالمشاركين الذين تلقوا رسائل جدية فقط.
التهكم الواعي والمراقب يُحول النقاش إلى تمرين فكري ممتع، ويمكن استخدامه لتسليط الضوء على تناقضات خصمك بطريقة ذكية دون انتهاك حدود الأدب. فطريقة الفكاهة والتهكم هنا تعمل كأداة للتنفيس النفسي، ولتثبيت نقاط الحجة في ذهن الطرف الآخر.
دراسة بجامعة هارفارد (2016) أشارت إلى أن المواجهة الذكية والمتوازنة تقلل من تأثير النقد الموجه، بينما التجاهل يزيد من شعور الاستفزاز الداخلي
التجاهل سلاح الضعيف
التجاهل غالبا يُفسر كضعف في المواجهة، إلا في حالات محددة… عند التعرض لسيل من الاتهامات المعلبة، الأفضل هو الرد بأسلوب منطقي وقاسٍ، مع لمسة من التهكم المعتدل؛ فهذا يضع الإنسان في موقع السيطرة على النقاش، ويجعل خصمه مجرد متابع بلا تأثير.
دراسة بجامعة هارفارد (2016) أشارت إلى أن المواجهة الذكية والمتوازنة تقلل من تأثير النقد الموجه، بينما التجاهل يزيد من شعور الاستفزاز الداخلي.
الخاتمة
تجربتي على مواقع التواصل علمتني أن الجدال الذكي والتهكم المنضبط ليسا مجرد وسيلة للدفاع عن النفس، بل هما تمرين على فهم البشر وطبيعة تفكيرهم.
المواجهة المنطقية، الممزوجة بالقوة والتهكم، تمنح السيطرة على النقاش وتحافظ على نزاهة الفكر، بعيدا عن الانزلاق إلى الاتهامات الشخصية أو التجاهل الضعيف.
وفي النهاية، الجدال مع هذا النوع من الأشخاص يصبح فرصة لاكتساب مهارة فكرية وأدبية، تجعل كل نقاش اختبارا للنفس وتعلما مستمرا، فالنقاش معهم يجب أن يكون كأكل حبات الرمان ببطء، واحدة تلو الأخرى، للاستمتاع والتلذذ بها.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.

