على أطراف دمشق يقبع سجن صيدنايا، ليس كمؤسسة تأديبية، بل كمسرح للجريمة المنظمة ضد الإنسانية.. تحوّل هذا السجن، في ظل نظام بشار الأسد، إلى ما يشبه "بقعة الوحشية" التي تتجاوز الحدود التقليدية للظلم والقمع.
ليس صيدنايا مجرد بناء أو مكانٍ جغرافي؛ إنه فكرة تتجسد في كل نظام استبدادي، حيث تتغير الأسماء فقط، لكن الجوهر يبقى واحدًا: قمع الفكر ووأد الحرية بأي وسيلة ممكنة.
الشعوب العربية لا تستحق هذا المصير المظلم، تاريخنا وحاضرنا ممتلئان بالمعاناة، لكنهما أيضًا ممتلئان بالمقاومة.. الألم الذي تولّده هذه الأنظمة لا يصنع شعوبًا مستسلمة، بل يولّد رغبة في التحرر والكرامة
جذور الشر: كيف تولد الأنظمة الوحشية؟
النظم الاستبدادية، التي يمثلها نظام الأسد، تُبنى على أسس من الخوف والكراهية، وجذور الشر فيها تكمن في استغلال السلطة لإبقاء الشعوب مقيدة، حيث تتحول الأجهزة الأمنية والسجون إلى أدوات لضمان الولاء المطلق.
لكن هذه الأنظمة تفشل دائمًا في فهم حقيقة بسيطة: الفكر لا يُسجن!. يمكن أن تُسجن الأجساد، وتُقمع الأصوات، لكن الأفكار تسير بلا قيود، تتخطى القضبان والجدران، وتحيا في ذاكرة الشعوب وأحلامها.
صيدنايا، وغيره من السجون التي تتخفى بأسماء مختلفة في العالم العربي، ليست مجرد أماكن للاعتقال، بل مرآة تعكس عمق أزمة هذه الأنظمة، إنها تعبير عن الخوف العميق من كل ما هو مختلف، من كل ما يحمل بذور تغيير، ومن كل ما يمكن أن يقلب موازين الظلم.
سجون الفكر أم سجون الجسد؟
السجن، مهما بلغت قسوته، ليس أداة ناجحة لإيقاف الأفكار.. على العكس، المعاناة الناتجة عن السجون تساهم في تشكيل رموز للمقاومة!. ففي صيدنايا، حيث تحوّلت الزنازين إلى مقابر للأحياء، ولد جيل جديد من الأمل. القصص التي خرجت من هناك لم تكن فقط شهادات على الألم، بل كانت وثائق على هشاشة الأنظمة المستبدة، التي تعتقد أن البطش يمكن أن يكون حلًا دائمًا.
الأنظمة العربية الاستبدادية تتشابه في أهدافها وإن اختلفت أساليبها.. في كل دولة عربية ذات نظام قمعي، هناك "صيدنايا" خاص بها. تختلف الأسماء، لكن القاسم المشترك بينها هو الوحشية التي تُمارَس في الخفاء، والخوف الذي تحاول هذه الأنظمة زرعه في نفوس الشعوب. من "أبو غريب" في العراق إلى السجون السرية في الكثير من الدول، كلها منظومات تديرها عقول لا ترى في الإنسان سوى تهديدٍ محتمل.
المصير ليس الألم بل الكرامة
إن الشعوب العربية لا تستحق هذا المصير المظلم، تاريخنا وحاضرنا ممتلئان بالمعاناة، لكنهما أيضًا ممتلئان بالمقاومة.. الألم الذي تولّده هذه الأنظمة لا يصنع شعوبًا مستسلمة، بل يولّد رغبة في التحرر والكرامة. مصيرنا ليس أن نُدفن في زنازين مظلمة أو أن نعيش تحت سياط الظلم، بل أن نحيا حياةً تليق بإنسانيتنا.
الكرامة ليست مطلبًا يمكن تأجيله، ولا هبةً تُمنح من الأنظمة، إنها حق أصيل. وإن كان الاستبداد قادرًا على قمع الأصوات لفترة، فإن التاريخ يُثبت أن الشعوب هي التي تنتصر في النهاية.
صيدنايا، وما يماثله من مراكز القمع، هو دعوة مفتوحة للوعي العربي بأن النضال من أجل الحرية لا يتوقف عند حدود دولة بعينها، بل هو مشروع أمة بأكملها
نداء للوعي العربي
السؤال الذي يجب أن نطرحه ليس عن وجود صيدنايا كرمز للظلم، بل عن وجوده في كل نظام عربي مشابه. متى سنتجاوز الخوف ونسائل الأنظمة عن مصير الإنسان؟ متى سيصبح الحديث عن الكرامة والحرية جزءًا من وعينا الجمعي، بدلًا من أن يكون مجرد حلم بعيد المنال؟
صيدنايا، وما يماثله من مراكز القمع، هو دعوة مفتوحة للوعي العربي بأن النضال من أجل الحرية لا يتوقف عند حدود دولة بعينها، بل هو مشروع أمة بأكملها. إن شعوبنا تستحق حياةً أفضل، حياةً تُبنى على أسس العدالة والكرامة، لا على أصوات السلاسل وأقبية التعذيب.
رسالة إلى كل صيدنايا مخفيّ
إلى كل زنزانةٍ مظلمة، إلى كل نظامٍ يستمد قوته من قمع شعبه: لن يكون مصير الأفكار الموت في عتمة الزنازين. ستظل الأفكار حيةً، وستخرج إلى النور مهما طال الزمن. الشعوب التي تُعذَّب اليوم ستنهض غدًا، وستطالب بالحرية والحياة الكريمة، وستكتب بنفسها النهاية الحتمية لكل نظامٍ استبدادي.
فهل من مستجيب؟
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.