المقاومة اللبنانية، بقيادة حزب الله، تشكّل منذ سنوات نموذجًا فريدًا في مقاومة الاحتلال الإسرائيلي، حيث استطاعت فرض معادلة ردع حقيقية أرغمت الاحتلال على التفكير مليًا قبل أي تصعيد.
ومع تصاعد التوترات الإقليمية والخروقات الإسرائيلية المستمرة، بات دور المقاومة أكثر أهمية في تحديد مستقبل الصراع في المنطقة، خاصة مع الترابط الوثيق بين الساحات اللبنانية والفلسطينية، وما يمثله هذا الترابط من قوة ردع شاملة.
إسرائيل، التي استفادت من اتفاقيات التطبيع لتعزيز نفوذها الإقليمي، تسعى اليوم لاستغلال هذه المكاسب لتكريس سياسة الأمر الواقع، سواء من خلال الجرائم اليومية في فلسطين أو عبر الخروقات المتكررة للسيادة اللبنانية.
الرد على الخروقات الإسرائيلية، الذي يلوح في الأفق إذا استمر الاحتلال في تصعيده، سيكون مدروسًا، ويهدف إلى تثبيت معادلة الردع والحفاظ على توازن القوة، بما يضمن حماية لبنان ودعم فلسطين
غير أن المقاومة اللبنانية، التي أظهرت على مر العقود قدرتها على مواجهة التحديات، تدرك تمامًا أبعاد هذه التحركات الإسرائيلية، وتتعامل معها وفق إستراتيجية متوازنة تزاوج بين الحزم والتروي، بما يضمن استمرار حالة الردع دون الانجرار إلى مواجهة شاملة إلا إذا فُرضت عليها.
التوترات الأخيرة على الحدود اللبنانية- الفلسطينية عكست بوضوح مدى حساسية الوضع الراهن، حيث باتت إسرائيل تحاول اختبار صبر المقاومة من خلال استفزازات ميدانية، مثل بناء الجدار الحدودي والتوغلات المحدودة.. إلا أن الردود المتفرقة للمقاومة أظهرت أنها تراقب المشهد من كثب، مستعدة للتدخل عندما يتجاوز الاحتلال الخطوط الحمراء التي وضعتها.
هذه السياسة المتزنة تعكس فهمًا عميقًا للتوازنات الإقليمية والدولية، حيث إن أي تصعيد غير محسوب قد يفتح الباب أمام تدخلات دولية تضغط على لبنان بشكل أكبر.
المقاومة اللبنانية، بما تمتلكه من خبرات عسكرية متراكمة، وقدرات صاروخية متطورة، لا تنفصل في دورها عن محور المقاومة الذي يضم أطرافًا إقليمية متعددة، تتشارك هدف التصدي للمشروع الصهيوني.
ومن هنا، فإن أي مواجهة قد تبدأ على الحدود اللبنانية لن تقتصر على هذه الجبهة فقط، بل قد تمتد إلى ساحات أخرى، خاصة في ظل إستراتيجية "وحدة الساحات" التي أصبحت الركيزة الأساسية في مواجهة الاحتلال. هذه الوحدة تمنح المقاومة اللبنانية قوة إضافية، إذ تدرك إسرائيل أن أي تصعيد معها قد يعني فتح جبهات متعددة بشكل يصعب عليها احتواؤه.
الخروقات الإسرائيلية في فلسطين ولبنان ليست أحداثًا معزولة، بل هي جزء من مخطط أكبر يسعى الاحتلال من خلاله إلى إعادة رسم المشهد الإقليمي بما يخدم مصالحه، إلا أن المقاومة تعمل على إحباط هذه المخططات
في ظل هذا الواقع، تواجه المقاومة اللبنانية تحديات متزايدة، أبرزها الضغوط الاقتصادية التي يعاني منها لبنان نتيجة سياسات إسرائيل وحلفائها، إضافة إلى العقوبات الدولية التي تهدف إلى تقويض الدعم الشعبي لها.
ومع ذلك، فإن الالتفاف الشعبي حول المقاومة لا يزال يشكل عامل قوة يحميها من هذه الضغوط، خاصة أن الجمهور اللبناني يدرك جيدًا أن المقاومة ليست فقط قوة عسكرية، بل هي أيضًا خط الدفاع الأول عن السيادة الوطنية في مواجهة أطماع الاحتلال.
على الجانب الآخر، تسعى إسرائيل لتغيير قواعد الاشتباك مع المقاومة، مستغلة حالة الانقسام الدولي والإقليمي لتوسيع نفوذها، والضغط على المقاومة عبر استفزازات متكررة. غير أن هذه المحاولات غالبًا ما تصطدم بحزم المقاومة ووضوح مواقفها، حيث أثبتت التجارب أن أي محاولة لتجاوز الخطوط المرسومة ستقابل برد مؤلم.
الخروقات الإسرائيلية في فلسطين ولبنان ليست أحداثًا معزولة، بل هي جزء من مخطط أكبر يسعى الاحتلال من خلاله إلى إعادة رسم المشهد الإقليمي بما يخدم مصالحه. إلا أن المقاومة اللبنانية، بتكاملها مع باقي قوى المقاومة في المنطقة، تعمل على إحباط هذه المخططات من خلال إستراتيجية تعتمد على التوازن بين الردع والتصعيد المحسوب.
هذه الإستراتيجية لم تقتصر فقط على الجانب العسكري، بل امتدت إلى تعزيز الصمود الشعبي، وتطوير القدرات الدفاعية والهجومية، ما يجعلها في موقع قوة يمكنها من مواجهة التحديات مهما كانت صعبة.
مع استمرار الاحتلال في عدوانه، تظل المقاومة اللبنانية مستعدة لأي سيناريو محتمل، حيث تؤكد مواقفها المتكررة أن خيارها الأساسي هو حماية السيادة اللبنانية ودعم القضية الفلسطينية باعتبارها جوهر الصراع مع الاحتلال.
ومن الواضح أن أي تصعيد مستقبلي سيتعامل معه الاحتلال بحذر شديد، إدراكًا منه أن المقاومة اللبنانية ليست مجرد قوة محلية، بل هي جزء من محور إقليمي يمتلك إرادة صلبة وإمكانات هائلة قادرة على تغيير معادلات الصراع متى ما تطلب الأمر.
المشهد الراهن يشير إلى أن المرحلة القادمة ستكون مليئة بالتحديات، لكن المقاومة اللبنانية أثبتت أنها قادرة على تحويل هذه التحديات إلى فرص لتعزيز موقعها في المعادلة الإقليمية.
الرد على الخروقات الإسرائيلية، الذي يلوح في الأفق إذا استمر الاحتلال في تصعيده، سيكون مدروسًا، ويهدف إلى تثبيت معادلة الردع والحفاظ على توازن القوة، بما يضمن حماية لبنان ودعم فلسطين في مواجهة المشروع الصهيوني، الذي يسعى إلى تفتيت المنطقة وطمس حقوق الشعوب فيها.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.