لقد سقط الظلم في سوريا، لكن السؤال الأهم اليوم هو: كيف يمكن تحقيق العدل باستخدام الإعلام الاجتماعي؟
دور الدراما السورية في تشويه الهوية
لطالما أخذت الدراما السورية دورًا محوريًّا في تشكيل العقلية العامة، لكنها لم تكن وسيلة للإبداع الثقافي بقدر ما كانت أداة بيد النظام الحاكم؛ فقد استُخدمت المسلسلات الدرامية لتمجيد السلطة وترسيخ ثقافة الخوف، حيث تحوّل الممثلون إلى أدوات لخدمة أجندات سياسية، عن وعي أو دون وعي.
وبدلًا من أن تعكس هذه الأعمال التنوع الثقافي والحضاري لسوريا وتحديات المواطن، أصبحت وسيلة لربط كل تفاصيل سوريا بالنظام الحاكم، واختزال تاريخها بـ"إنجازات الحركة التصحيحية"، و"حرب تشرين التحريرية"! وحتى الأغاني والبرامج الإعلامية لم تكن بمنأى عن هذه الأجندة، حيث خضعت لتوجيه يخدم مصلحة النظام ويعمّق ثقافة القمع.
لقد كان الفن السوري في كثير من جوانبه أشبه بسجن مركزي، تُجلد فيه العقول وتُبرمج على الخضوع، معتمدة على أوهام كـ"الممانعة"، التي ظلت ورقة يستخدمها النظام حتى لحظة سقوطه. فكيف يمكن بناء فن جديد حقيقي على أنقاض هذا الماضي المظلم؟
أيبني التسامح وحده وطنًا جديدًا، أم إن العدالة هي القاعدة التي يمكن أن يُبنى عليها تسامح حقيقي؟
مواجهة الماضي لتحقيق العدالة
لا يمكن الحديث عن مستقبل سوريا دون مواجهة الماضي، وخاصة الدور الذي لعبه بعض الفنانين في تأييد النظام أو الترويج لسردياته.
هناك ممثلون ساهموا بشكل مباشر في جرائم ضد الشعب السوري، سواء بتبرير القمع أو دعم السياسات الظالمة، ولا سيما في اللقاءات الإعلامية التي كرّست تلك السرديات. ورغم أن بعضهم غيّر موقفه لاحقًا، فإن العدالة تتطلب محاسبتهم أمام القانون؛ فالعدالة ليست خيارًا، بل شرطًا أساسيًّا لتحقيق المصالحة الوطنية.
أيبني التسامح وحده وطنًا جديدًا، أم إن العدالة هي القاعدة التي يمكن أن يُبنى عليها تسامح حقيقي؟ أيكفي تغيير الخطاب الإعلامي أو تقديم الاعتذارات عبر منصات التواصل الاجتماعي، أم يجب اتخاذ خطوات ملموسة واضحة؟ خطوات تشمل:
- كشف السرديات المضللة التي رُوّجت لعقود.
- تصحيح المفاهيم المشوّهة التي رسّخها النظام.
- إعادة توظيف الفن بشكل مهني يعكس تطلعات الشعب السوري.
من الناحية الإنسانية والمهنية، لا يمكن لفنان مجرم بالكلمة أن يعود مباشرة ليستخدم نفس الأداة وهي ملطخة بالظلم.. لا بد من تنظيفها أولًا، وإلا كيف يمكن للمشاهد أن يثق مرة أخرى برسالة الفن؟
الإعلام الاجتماعي كوسيلة لإعادة تشكيل الهوية
وسط الدمار والمعاناة، يمتلك السوريون روحًا جماعية يمكن أن تشكّل نقطة انطلاق نحو بناء مستقبل جديد: أغنيةً، مشهدًا دراميًّا، أو حتى خطابًا يوحّد السوريين ويعيد إحياء شعور التكاتف بينهم، هذا يمكن أن يكون له أثر كبير.
إنتاج إعلام درامي جديد بات ضرورة ملحة؛ أولًا لمعالجة القضايا النفسية والاجتماعية، ثم لإعادة تشكيل الهوية السورية، وذلك من خلال:
- إعادة تشكيل الإعلام الاجتماعي المتخصص بكل المجالات النفسية التربوية والأسرية، ما يساعد على إعادة تأهيل الإنسان والمجتمع السوري نفسيًّا واجتماعيًّا بعد كل الألم الذي عاشه.
- إعادة تشكيل الهُوية الإنسانية والثقافية، وتعريف العلاقة بين المواطن والوطن، بعيدًّا عن ربط الوطن بالحاكم، وتعزيز قيم العدالة والحرية والحقوق والواجبات، وغيرها من المفاهيم المتعددة التي حُرِمت منها سوريا لسنوات طويلة جدًا.
الشعب الذي تحدى الرصاص بالصوت السلمي، وصمد بوجه الكيماوي والقصف والتهجير، وقدم مئات آلاف المعتقلين والشهداء، قادر على أن ينهض بنفسه وببلاده
الثورة السورية والهوية الجديدة
الثورة السورية، التي انطلقت من أجل أطفال بتظاهرات سلمية تم قمعها برصاص الجيش، ليست حربًا أهلية كما صوّرها النظام، بل انتفاضة شعبية ضد القمع والفساد.. الجرائم التي ارتكبها حكم الأسد، والمجازر التي عانى منها السوريون، لا يمكن تجاهلها، ويجب توثيقها كجزء من سرديات الهوية السورية الجديدة.
إعادة تشكيل الهوية السورية تعني بناء هوية جامعة، مبنية على قيم العدالة والمساواة، مع الاعتراف بالأخطاء ومواجهة الحقائق؛ فالهوية السورية الجديدة يجب أن تحتضن الجميع دون استثناء أو تهميش، وتقوم على الإنسان والمواطن وليس الدولة!
نحو سوريا المستقبل
لقد سقط النظام تاركًا خلفه دمارًا كبيرًا جدًّا، وسوريا لن تنهض من الصفر بل من تحت الأنقاض؛ لكن الشعب الذي تحدى الرصاص بالصوت السلمي، وصمد بوجه الكيماوي والقصف والتهجير، وقدم مئات آلاف المعتقلين والشهداء، قادر على أن ينهض بنفسه وببلاده.. الشعب الذي يعيش الآن فرحة مغمسة بألم الفقد يحتاج للدعم، لا لاصطياد أخطاء هو أصلًا ليس مسؤولًا عنها!
بناء سوريا الجديدة يتطلب شجاعة كبيرة وإرادة قوية لتصحيح المسار؛ لكن سوريا قادرة على استعادة هيبتها وهويتها الحقيقية من خلال عمل جماعي يعيد للأرض كرامتها وللشعب ثقته بوطنه؛ وستبقى تحتضن أبناءها: البار منهم والعاق!
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.