شعار قسم مدونات

عش كأنك تموت غدًا

صور من مقابر في دارفور
من الأمور المهمة أن ننتهي إلى قبول الموت باعتباره جزءًا من النظام الطبيعي للأشياء (الجزيرة)

"يمكننا إما أن نخوض الحياة سائرين على أطراف أصابعنا، ونأمل في أن نصل إلى الموت دون أن نتعرض للكدمات الشديدة، أو أن نعيش حياة ثرية مكتملة نحقق فيها أهدافنا وأعظم أحلامنا".

بأي طريقة يجب أن يحيا المرء حياته؟! كأنه سيعيش هذا اليوم فقط ولهذه الساعة فقط، ولا يمتلك سواها من عمره ليعيشها!

لو أننا نمهَل ساعة واحدة لنعيشها، فماذا سنفعل؟ نصلح علاقاتنا بمن حولنا، نتصل بأصدقائنا، ننهي تمامًا أمور العقل والرغبات وننسحب من العالم حولنا؟!

إذا كنت عاجزًا عن فهم أسباب الخوف والتحرر منها، فلا يهم عندها أأنت حي أم ميت.! عندما يأتي الموت لا يجادلك، فهل يمكن أن تموت كل يوم بلا جدال؟

هكذا عش كل يوم، وكأنه يومك الأخير على الأرض! على الرغم من أن فكرة احتمال أن تكون هذه آخر أربع وعشرين ساعة لك على الأرض قد تبدو مثيرة للكآبة، فإنها تثرينا كذلك. تمنحك وقفة قصيرة عندما يغضبك أحدهم، وتسمح لك بأن تكون أقل قسوة على نفسك.. ربما ستفكر بطريقة مختلفة في تلك الأيام التي يبدو فيها أن الأمور تسير على نحو خاطئ..

إننا خائفون من الموت، ولإنهاء الخوف من الموت علينا التعامل معه، وليس مع تصوراتنا عنه، أن نشعر به، وإذا لم نفعل فلن نضع حدًا لخوفنا، لأن كلمة الموت تبث الذعر، ونتجنب الحديث عنها.. لمعرفة ماهية الحياة وماهية الموت علينا التعامل مع الموت بإنهاء كل يوم بيومه، بكل ما يحمله من تجارب وصراع واضطراب.

إعلان

لماذا نخاف الموت؟ ربما لأننا لا نعرف كيف نعيش، فلو عرفنا كيف نعيش الحياة بكثافتها هل سنخشى الموت؟ إذا أحببنا الأشجار، شروق الشمس، الطيور، ورق الشجر المتساقط، وكنا مدركين لمعاناة الآخرين، ويملأ قلوبنا الحب، فهل سنخشى الموت عندها؟

إذا كنت عاجزًا عن فهم أسباب الخوف والتحرر منها، فلا يهم عندها أأنت حي أم ميت.! عندما يأتي الموت لا يجادلك، فهل يمكن أن تموت كل يوم بلا جدال؟ أن تموت لما يؤلمك ولوحدتك وللعلاقة التي تتشبث بها ولتفكيرك.. إن لم تمت كل يوم لن تستطيع مواجهة الموت، ولن تعرف معنى الحياة .

كل منا يختبر الحداد بطريقة مختلفة، لكننا نستطيع القول بصفة عامة إن مشاعر الصدمة والخوف، التي يثيرها الموت لدينا في البداية، تتضاءل بالفعل مع الوقت. ومن خلال عملية الحداد نشعر بالتحسن تدريجيًّا، وإن كان ثمة قدر من الألم يبقى في القلب، يزداد الأمر صعوبة في المناسبات والذكرى السنوية، إذ يمكن للحزن أن ينحسر ثم يتدفق فجأة من جديد ومن دون سابق إنذار .

حددت إليزابيث كوبلر روس خمس مراحل نفسية يختبرها المرضى المصابون بمرض عضال، وآخر مرحلة منها هي التقبل.. استخدمت هذه المراحل النفسية نفسها لوصف الخبرات التي يشعر بها كل من المحتضرين ومن يشعرون بالأسى عليهم .

اقرأ صفحة الوفيات بين الحين والآخر، وسوف تكون مستنفرًا من مدى التفاهة التي تبدو عليها إنجازات الشخص الجديرة بالنشر بعد وفاته

أكثر خمسة أمور يندم عليها المرء عند الوفاة

عملت بروني وير، ممرضة الرعاية لتخفيف الآلام، في مستشفى بأستراليا سنوات طوالًا، وجمعت من تلك الخبرة الأمنيات التي تمنى المحتضرون لو حققوها في الحياة، لكنهم لم يفعلوا.. أوردتها في كتاب "أكثر خمسة أمور يندم عليها المرء عند الوفاة"، فكانت:

  • أتمنى لو تحليت بالشجاعة لأحيا حياةً صادقة مع نفسي، لا الحياة التي توقع الآخرون مني عيشها!. كان ذلك الأمر الأكثر شيوعًا بينهم.. الأحلام غير المحققة.
  • أتمنى لو لم أعمل بجد إلى هذا الحد.. أتت هذه الأمنية في معظمها من الرجال، لكن النساء عبَّرن عنها أيضًا، أي تكريس وقت أكثر من اللازم للعمل وعدم تكريس وقت كافٍ للأحباء.
  • أتمنى لو تحليت بالشجاعة للتعبير عن مشاعري.. أصيب كثير من الناس بأمراض مرتبطة بمرارتهم واستيائهم، لأنهم عجزوا عن التعامل مع غضبهم على نحو بناء.
  • أتمنى لو بقيت على تواصل مع أصدقائي.. لم يكن المال والمكانة أهم الأشياء عند نهاية الحياة، بل الحب والعلاقات.
  • أتمنى لو سمحت لنفسي أن أكون أكثر سعادة.. لم يدرك كثيرون إلى أن حلت النهاية أن السعادة خيار، وقد تاقوا إلى الضحك ووجود الفكاهة في حياتهم مجددًا.
إعلان

يقول كريستوفر مورلي: "لو اكتشفنا جميعًا أنه لم يتبقَ لنا سوى خمس دقائق لقول كل ما أردنا قوله، لازدحمت أكشاك الهاتف بأشخاص يتصلون بآخرين ليفصحوا عن حبهم لهم متلعثمين".. لن تزدحم أكشاك الهاتف في يومنا هذا لأنه لم يبقَ الكثير منها في الأرجاء، بل ستضج خطوط الهواتف النقالة بالرنين.

"اقرأ صفحة الوفيات بين الحين والآخر، وسوف تكون مستنفرًا من مدى التفاهة التي تبدو عليها إنجازات الشخص الجديرة بالنشر بعد وفاته"!

أعظم النعم جميعًا أننا لا نعيش إلى الأبد، ولذلك نواجه معنى وجودنا، وكذلك يتيح الموت للناس أن يفكروا في أنفسهم قبل موتهم إذا لم يجدوا فرصة للتفكير أبدًا من قبل

وأخيرًا:

من الأمور المهمة أن ننتهي إلى قبول الموت باعتباره جزءًا من النظام الطبيعي للأشياء لا اعتباره حقيقة مطلقة فقط.

" لا علاج للميلاد والموت سوى الاستمتاع بالفترة بينهما" (جورج سانيتانا).

إن أسوأ النتائج ألا نعيش، ولعل الموت شفاء في خاتمة حياة مليئة خصبة لدى الإنسان المتألم المتعب الذي يحتاج إلى الراحة. والأهم أن إدراكنا لموتنا في النهاية هو الذي يعطي كل يوم من حياتنا ما فيه من المعنى والإلحاح والجمال.

وأعظم النعم جميعًا أننا لا نعيش إلى الأبد، ولذلك نواجه معنى وجودنا، وكذلك يتيح الموت للناس أن يفكروا في أنفسهم قبل موتهم إذا لم يجدوا فرصة للتفكير أبدًا من قبل.

إن مواجهة الموت من العوامل المساعدة على تغيير داخلي هائل.

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.


إعلان