شعار قسم مدونات

شهادات حية من بين الركام في قطاع غزة

طاول التدمير ممتلكات عامة وخاصة ومرافق ومستشفيات ومساجد وبنى تحتية في مدينة رفح أصغر محافظات قطاع غزة-رائد موسى-رفح-الجزيرة نت
عملية إعادة إعمار قطاع غزة سوف تستغرق عشر سنوات على الأقل لأن المواد الخام اللازمة للبناء تحتاج سنوات لإدخالها (الجزيرة)

لعل حُسن حظي منحني فرصة التعرف على زملاء أفاضل من قطاع غزة الحبيب أثناء الدراسة الجامعية، ولكوني أحبهم ويحبونني، فإن التواصل بيننا لم ينقطع منذ أكثر من عشرين سنة، ولعله قرب عاطفي رغم البعد الجغرافي.

وخلال السنة الأخيرة، كنت أتواصل معهم باستمرار للاطمئنان على أحوالهم، ولرفع الروح المعنوية لدي من خلالهم، لكون أهل قطاع غزة الحبيب مشهودًا لهم بالجَلَد والصبر، وتحمل الصعاب التي تنأى الجبال عن حملها. ولعل الحرب المجنونة، الحالية التي شَنَّها الطرف الآخر المنفلت من عقاله منذ نهاية العام 2023، خير شاهد على ذلك.

أفادني زميل حقوقي فاضل آخر أن معظم مدارس وجامعات القطاع تم تدميرها، إما بشكل كامل أو بشكل جزئي. ناهيك عن قيام المواطنين والمواطنات -خاصة النازحين منهم- بالسكن فيما تبقّى من المدارس

ويحتم الواجب الأخوي والإنساني والأخلاقي نقل شهادات حية وردت على ألسنتهم؛ تصف الواقع المرير المعيش في قطاع غزة منذ بداية شهر أكتوبر/ تشرين الأول من العام 2023، والذي ربما تنقل عدسات الكاميرات والتقارير الصحفية الجزء اليسير منه. ويمكن إجمال تلك الشهادات الحية على النحو التالي:

أفادني زميل حقوقي فاضل، أقام وأسرته في أحد مراكز الإيواء في مدينة رفح، عند زيارته محافظة خان يونس جنوب قطاع غزة، بعد انسحاب الاحتلال منها، أنه ذهل نتيجة ما شاهد من دمار يفوق الوصف والخيال، وأنه حتى أشد المتشائمين لم يكن يتوقع حجم الدمار الذي لحق بالمحافظة، وأن الأمر سوف يحتاج لسنوات لإزالة الركام في تلك المحافظة، وفي أماكن أخرى.

إعلان

هذا يعني أن عملية إعادة إعمار قطاع غزة سوف تستغرق عشر سنوات على الأقل، لأن المواد الخام اللازمة للبناء تحتاج سنوات لإدخالها باعتبار حجم الدمار الذي لحق بقطاع غزة، وذلك قبل الشروع بإعادة الإعمار، مع تأكيده على أن ما يزيد على 70% من المباني السكنية، وغير السكنية، تم تدميرها إما بشكل كامل أو بشكل جزئي حتى الآن.

ومعنى ذلك أن معظم أهل قطاع غزة سوف يسكنون في الخيام مع انتهاء الحرب، ما يشير إلى أن نكبة جديدة أشد وطأة حلّت بهم.

وأفادني زميل حقوقي فاضل آخر أن معظم مدارس وجامعات القطاع تم تدميرها، إما بشكل كامل أو بشكل جزئي. ناهيك عن قيام المواطنين والمواطنات -خاصة النازحين منهم- بالسكن فيما تبقّى من المدارس غير المدمرة، ما يعني أن العملية التعليمية لن تنتظم كالمعتاد حال انتهاء الحرب، وهو ما يؤدي إلى تحقيق أهداف الطرف الآخر غير المعلنة في تجهيل أبناء وبنات الشعب الفلسطيني في قطاع غزة الحبيب، المشهود لهم بالعلم، خاصة أن مجموعة من العلماء ولدوا وترعرعوا هناك، منهم الإمام الشافعي (رحمه الله).

يتمنى البعض أن يروا دجاجة، حيث يعتمدون في طعامهم على مواد غذائية مصنعة، هذا إن وجدت، وعلى ما يأتيهم أحيانًا من بعض أهل الخير، الذين يقومون بتوزيع الطعام على الناس

كما أشار الزميل الفاضل المذكور إلى الصعوبات الحياتية التي يعيشها ويعايشها النازحون في رفح وفي المناطق الوسطى، منها شح الموارد المالية، وتلوث مياه الشرب، وانتشار الأوبئة، والأمراض المعدية، وانعدام الرعاية الصحية، وانعدام الأمن الشخصي، ناهيك عن ارتفاع الأسعار بشكل كبير في ظل قيام بعض التجار من عديمي الضمير والمسؤولية باستغلال حاجة الناس للمواد الغذائية وزيادة الأسعار.

وأفادني زميل فاضل ثالث يعمل محاميًا بقيام إحدى شركات النقل العاملة في القطاع والتابعة لجهة عربية، بفرض رسوم قيمتها خمسة آلاف دولار على كل شخص بالغ يرغب في مغادرة قطاع غزة مؤقتًا إلى مصر، وألفان وخمسمائة دولار على كل طفل، ما يعني أنه يحتاج هو وأسرته الصغيرة إلى مبلغ يقترب من خمسة وعشرين ألف دولار للمغادرة، وهو ما لا يستطيع توفيره في ظل تلك الأوضاع الاستثنائية التي يعانون منها، وعدم وجود مصادر كافية للدخل منذ بداية الحرب المجنونة، وهو ما يثير الحنق والشفقة في آن؛ حيث تهتم تلك الشركة بجمع العملة الصعبة في وقت يكابد فيه الناس في قطاع غزة الحبيب أوضاعًا صعبة.

إعلان

وأشار الزميل المذكور إلى أن إعلان أحد المسؤولين المصريين عن استقبال ما يقرب من خمسة وثمانين ألف مواطن ومواطنة من قطاع غزة؛ خلال الأشهر الأولى من الحرب، لم يتضمن الإشارة إلى الرسوم المفروضة نظير المغادرة، والتي ترفد خزينة الدولة المصرية بعملة صعبة، في وقت يكابد فيه الناس في قطاع غزة أوضاعًا صعبة، كما أسلفنا.

المشروع النقيض وجد الفرصة والغطاء السياسي للقيام بتلك الحرب المجنونة، وتدمير البنية التحتية في قطاع غزة الحبيب، والاعتداء على البشر، والحجر، والشجر، ما يؤدي إلى تحقيق أهداف معلنة وغير معلنة من وراء تلك الحرب

وأفادني زميل حقوقي آخر ترك منزله مع أسرته في المغازي في المناطق الوسطى، وأقام في منزل شقيقته في قطاع غزة، أنه يتمنى أن يرى دجاجة، حيث يعتمدون في طعامهم على مواد غذائية مصنعة، هذا إن وجدت، وعلى ما يأتيهم أحيانًا من بعض أهل الخير، الذين يقومون بتوزيع الطعام على الناس. كما أفادني بانقطاع التيار الكهربائي بالكامل، واعتماد الناس على وسائل بدائية للإنارة، منها الشموع، وحرق أخشاب أعمدة الكهرباء، أو استخدام الطاقة الشمسية.

خلاصة القول: إن المشروع النقيض وجد الفرصة والغطاء السياسي للقيام بتلك الحرب المجنونة، وتدمير البنية التحتية في قطاع غزة الحبيب، والاعتداء على البشر، والحجر، والشجر، ما يؤدي إلى تحقيق أهداف معلنة وغير معلنة من وراء تلك الحرب، ومنها تجنيد الدعم الأميركي والغربي العسكري والسياسي والمالي، وتصدير أزماته السياسية الداخلية، ومحاولة إحداث تغيير في الجغرافيا والديمغرافيا الفلسطينية، خاصة أن معظم سكان قطاع غزة أصبحوا ضحايا لهذه الحرب المجنونة.

وكذلك محاولة إحياء مشاريع تهجير الشعب الفلسطيني خارج وطنه بجعل قطاع غزة منطقة غير صالحة للسكن، والقضاء على فكرة إقامة دولة فلسطينية مستقلة إلى الأبد، وانتهاز الفرصة للانقضاض على الضفة الغربية، توطئة لمصادرة مزيد من الأراضي وتعزيز الاستيطان، وربما تهجير سكانها مستقبلًا، وإحداث تغييرات سياسية وعسكرية وإستراتيجية في منطقة الشرق الأوسط، ما قد يساهم في تحقيق رغبته الجامحة في توسيع الاتفاقات الأبراهامية مستقبلًا.

إعلان

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.


إعلان