مع تسارع الأحداث السياسية في المنطقة، برزت ملامح تشكّل محور جديد يضم تركيا، وقطر، وسوريا الجديدة، مع آمال بانضمام المملكة العربية السعودية بثقلها الجغرافي والإسلامي والاقتصادي.
هذا المحور الناشئ يمكن أن يشكل دعامة إستراتيجية لإعادة التوازن في مواجهة محاور أخرى تقودها إيران وأذرعها الشيعية، مثل حزب الله في لبنان والحشد الشعبي في العراق، بالإضافة إلى المحور الصهيوني الذي يضم إسرائيل، ودولًا إقليمية.
يجب أن تركز القيادة السورية الجديدة على العدالة الانتقالية، والتي تُعد أساس أي تحول ديمقراطي ناجح
إعادة تشكيل الخرائط السياسية للمنطقة
مع الإرهاق الروسي الناجم عن الحرب الأوكرانية، ورغبة موسكو المتزايدة في تعزيز التعاون مع تركيا، إلى جانب الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين، يبدو أن الشرق الأوسط يقف على أعتاب عملية إعادة ترتيب واسعة.
سوريا، التي عانت على مدار أكثر من عقد من حرب أهلية طاحنة، أمام فرصة تاريخية لإعادة الإعمار، وإعادة الانخراط في المنظومة الإقليمية والدولية.
لكن نجاح هذا المشروع الكبير يتطلب رؤية إستراتيجية تتجاوز الحسابات السياسية الضيقة.
يجب أن تركز القيادة السورية الجديدة على العدالة الانتقالية، والتي تُعد أساس أي تحول ديمقراطي ناجح. هذا يتطلب محاسبة الجناة الذين تورطوا في قتل وتعذيب السوريين، وتحقيق مصالحة وطنية تعيد اللحمة الاجتماعية إلى بلد مزقته الحروب.
هناك حاجة لبناء نظام تعليمي يُعنى بالإبداع والابتكار التكنولوجي، لخلق جيل جديد قادر على قيادة عملية التنمية. وأيضًا تعزيز حرية التعبير وضمان حقوق الإنسان كركائز أساسية للاستقرار السياسي والاجتماعي
التنمية كنموذج للنهضة
إعادة الإعمار ليست مجرد مشروع اقتصادي؛ بل هي مشروع تنموي، شامل يعيد بناء المجتمع السوري على أسس مستدامة. يمكن لسوريا أن تستلهم من نماذج ناجحة مثل تجربة فيتنام، التي تحولت من دمار الحرب إلى أحد أسرع الاقتصادات نموًا في العالم.
ركائز الخطة التنموية:
1- إعادة بناء القطاعات الإنتاجية
- الزراعة: الاستثمار في القطاع الزراعي لاستعادة مكانة سوريا كواحدة من السلال الغذائية في المنطقة، ودعم صغار المزارعين لتحفيز الإنتاج المحلي.
- الصناعة: إعادة تشغيل المصانع المتوقفة، وتشجيع الصناعات الصغيرة والمتوسطة التي تُعد عصب الاقتصاد المحلي، بالإضافة إلى فتح المجال أمام الاستثمارات الأجنبية.
2- البنية التحتية والبيئة
- إعادة بناء البنية التحتية، مع التركيز على المدن التي تعرَّضت لأكبر نسبة من الدمار.
- وضع خطط للتنمية المستدامة، تشمل مشاريع للطاقة النظيفة والمياه الصالحة للشرب.
3- التعليم والإبداع: بناء نظام تعليمي يُعنى بالإبداع والابتكار التكنولوجي، لخلق جيل جديد قادر على قيادة عملية التنمية. تعزيز حرية التعبير وضمان حقوق الإنسان كركائز أساسية للاستقرار السياسي والاجتماعي.
4- تعزيز التعاون الإقليمي: يمكن لتركيا وقطر تقديم الدعم المالي والتقني لإعادة الإعمار. كما يمكن للسعودية أن تكون شريكًا رئيسيًّا، ليس فقط لدوافع إنسانية، ولكن أيضًا لتعزيز نفوذها الإقليمي.
5- دور القطاع الخاص: تشجيع القطاع الخاص المحلي والإقليمي على الاستثمار في إعادة الإعمار، من خلال حوافز اقتصادية وتشريعات مرنة تسهّل بيئة الأعمال.
6- السياحة والتنمية الثقافية: دعم القطاع السياحي كجزء من الاقتصاد، مع التركيز على إعادة تأهيل المواقع التاريخية والتراثية لجذب الزوار وتعزيز الدخل القومي.
رغم هذه الرؤية الطموحة، يواجه هذا المشروع تحديات حقيقية من محاور الثورة المضادة، التي تقودها أنظمة ترى في التحول الديمقراطي تهديدًا وجوديًا لمصالحها وبقائها
أهمية الانحياز لسوريا الجديدة
الانحياز لبناء سوريا الجديدة يمثل خيارًا إستراتيجيًّا يخدم الاستقرار والتنمية في المنطقة. دعم هذا المشروع يعني:
- تقليل موجات الهجرة غير النظامية التي تثقل كاهل دول الجوار وأوروبا.
- القضاء على التنظيمات المتطرفة، مثل حزب العمال الكردستاني والجماعات الإرهابية الأخرى.
- تعزيز الاستقرار الإقليمي من خلال خلق نموذج سياسي ديمقراطي يعكس تطلعات الشعوب.
المكاسب المحتملة لدول المحور الجديد
انخراط دول المحور الجديد في هذا المشروع التنموي يمكن أن يحقق العديد من المكاسب:
- تعزيز الدور الإقليمي: يعيد لكل من تركيا وقطر والمملكة العربية السعودية القدرة على قيادة مشاريع تنموية كبرى.
- تعزيز الأمن الجماعي: مواجهة التحديات الأمنية مثل الإرهاب والنفوذ الإيراني في المنطقة.
- الاستفادة الاقتصادية: عبر مشروعات إعادة الإعمار والبنية التحتية التي تفتح أبواب الاستثمارات.
هل يمكن لدول المحور الجديد اغتنام هذه اللحظة التاريخية؟
مواجهة محاور الثورة المضادة
رغم هذه الرؤية الطموحة، يواجه هذا المشروع تحديات حقيقية من محاور الثورة المضادة، التي تقودها أنظمة ترى في التحول الديمقراطي تهديدًا وجوديًا لمصالحها وبقائها. يقود المحور الصهيوني الإقليمي، جهودًا مكثفة لإجهاض أي مشروع تنموي يُمكن أن يعيد صياغة توازن القوى في المنطقة.
على القيادة السورية الجديدة أن تستفيد من دروس الماضي، لتجنب المصير التقليدي السيئ، يجب على سوريا الجديدة أن تتبنى نهجًا إستراتيجيًّا يُركز على الوحدة الوطنية، والإنجاز الاقتصادي الفوري، وقطع الطريق أمام أي تدخل خارجي يسعى لإجهاض مسيرة التحول الديمقراطي والتنمية.
رؤية للمستقبل
المحور الجديد ليس مجرد تكتل سياسي أو عسكري؛ بل هو فرصة لإعادة صياغة مستقبل المنطقة على أسس التعاون والتنمية. نجاح هذا المحور يعني بناء نموذج تنموي يُخرج سوريا من أزمتها ويعيد التوازن للمنطقة.
إن دعم العدالة والحرية والتنمية لا يمثل فقط التزامًا أخلاقيًا، بل هو استثمار إستراتيجي طويل الأمد.. سوريا الجديدة يجب أن تكون رمزًا للأمل، والاستقرار، والإبداع، في منطقة عانت طويلًا من الصراعات.
التحدي الآن هو: هل يمكن لدول المحور الجديد اغتنام هذه اللحظة التاريخية؟
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.