شعار قسم مدونات

تصريحات ترامب عن التهجير وتهديد القضية الفلسطينية

FILE PHOTO: Republican then-presidential candidate and former U.S. President Donald Trump gestures during a campaign event at Dorton Arena, in Raleigh, North Carolina, U.S. November 4, 2024. REUTERS/Jonathan Drake/File Photo
الرئيس الأميركي دونالد ترامب (رويترز)

في فترته الرئاسية الأولى، شهدت المنطقة العديد من الخطوات التي عزّزت من هيمنة إسرائيل على الأراضي الفلسطينية، مثل الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، ونقل السفارة الأميركية إليها، فضلًا عن دعم مشروع ضم غور الأردن.

هذه القرارات لم تقتصر فقط على استفزاز مشاعر الفلسطينيين، بل كانت بمثابة اعتداء صارخ على حقوقهم التاريخية؛ فمسألة نقل السفارة الأميركية إلى القدس واعتراف ترامب بالقدس عاصمة لإسرائيل، لم تكن مجرّد تغيير في السياسات الدبلوماسية، بل خطوة في اتجاه قضم حق الفلسطينيين في مدينتهم المقدسة.

تلك القرارات ساهمت في تكريس الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية، وجعلت السلام والتسوية السياسية أكثر تعقيدًا؛ فقد أغلق هذا القرار أي أفق لحل عادل ينصف الفلسطينيين ويعيد لهم حقوقهم، بل وأدّى إلى تعميق الانقسام في المنطقة، وصعّد سياسة الاستقواء الإسرائيلية على الفلسطيني.

سياسات ترامب، التي تشمل دعم ضم غور الأردن والاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، تفتح الطريق أمام مشاريع استيطانية جديدة في الضفة الغربية، وهو ما يعتبره العديد من المسؤولين الإسرائيليين خطوة هامة لتقوية الأمن الإسرائيلي وفرض واقع جديد

 كارثة إضافية على الشعب الفلسطيني

أدّى دونالد ترامب اليمين كرئيس للولايات المتحدة في حفل أقيم داخل مبنى الكابيتول، مؤكّدًا في خطابه أنّ "العصر الذهبي بدأ الآن، وزمن الانهيار الأميركي قد ولّى"، وقضية الرهائن الإسرائيليين لدى حماس كانت في باكورة خطابه.

سياسة ترامب السابقة في دعم إسرائيل على حساب حقوق الفلسطينيين تؤكّد تجاهل حقوق الفلسطينيين في مدينتهم المقدّسة، وتبنيه المواقف الإسرائيلية التي تزيد من تعقيد القضية الفلسطينية. إضافة إلى ذلك، دعمه لمشروع ضم غور الأردن كان بمثابة الضوء الأخضر لإسرائيل لتوسيع سيطرتها الاستيطانية، ومواصلة سياستها الاستيطانية في الضفة الغربية.

إذا استمر ترامب في سياساته المعهودة، فإن تحقيق العدالة وتوفير حل سياسي عادل سيبدو أكثر صعوبة من أي وقت مضى، خاصّة أن الوضع السياسي العربي والإسلامي في تراجع وتباين، ما يسهّل على إسرائيل تنفيذ سياساتها التوسّعية على الأرض. وبذلك تصبح التحديات التي يواجهها الفلسطينيون في سبيل الحفاظ على حقوقهم التاريخية في القدس والضفة الغربية أكثر تعقيدًا وخطورة من أي وقت مضى.

إعلان

خبير الشؤون الشرق- أوسطية "مايكل هاينز" أشار إلى أن سياسات ترامب لم تُقم أي مسار حقيقي للسلام في المنطقة، بل ساعدت على تأجيج الصراع، خصوصًا مع توقيع صفقات دعم الاستيطان الإسرائيلي. وأضاف: "إن فوز ترامب قد يُعتبر أرضًا خصبة لبيئة أكثر عدائية تجاه الشعب الفلسطيني، ما يؤدّي إلى مضاعفة الصراع وزيادة في العنف".

تعزيز الهيمنة وفرض الأمر الواقع

في إسرائيل، يُعتبر فوز ترامب فرصة لمواصلة الهيمنة الاستيطانية على الأراضي الفلسطينية، فقد رحّب العديد من القادة الإسرائيليين بسياسات ترامب، معتبرين أنّه "أفضل رئيس لإسرائيل"، وكان رئيس الوزراء الإسرائيلي "بنيامين نتنياهو" من أبرز المستفيدين من دعم ترامب، حيث وصف فوزه في الانتخابات الأخيرة بـ "أعظم عودة في التاريخ".

هذا التصريح يعكس العلاقة الوثيقة بين الرجلين، وبين السياستين الإسرائيلية والأميركية، ويعبّر عن استبشار المسؤولين الإسرائيليين بفوز ترامب، حيث يتوقّعون المزيد من الدعم الأميركي لمشاريعهم الاستيطانية.

"نتنياهو" ليس وحده في هذا الرأي؛ فقد أعرب العديد من المسؤولين الإسرائيليين عن استبشارهم بفوز ترامب، معتبرين أن ذلك سيسمح لهم بتوسيع سيطرتهم على الأراضي الفلسطينية.

سياسات ترامب، التي تشمل دعم ضم غور الأردن والاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، تفتح الطريق أمام مشاريع استيطانية جديدة في الضفة الغربية، وهو ما يعتبره العديد من المسؤولين الإسرائيليين خطوة هامة لتقوية الأمن الإسرائيلي وفرض واقع جديد.

من أبرز المشاريع التي دعمها ترامب مشروع ضم غور الأردن، الذي يعد من أكثر المناطق إستراتيجية في الضفة الغربية. هذا المشروع، الذي يعارضه المجتمع الدولي والفلسطينيون، يعتبر خطوة في طريق تكريس الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية بشكل دائم.

وتشير التصريحات الإسرائيلية إلى أن ترامب قد قدّم لإسرائيل فرصة تاريخية لفرض السيادة على المزيد من الأراضي الفلسطينية؛ دون معارضة حقيقية من الولايات المتحدة.

في الوقت الذي كان فيه المجتمع الدولي ينادي بإنهاء الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية، بما في ذلك القدس الشرقية، جاء إعلان ترامب "القدس عاصمة إسرائيل" ليُصعّد الوضع المأساوي الذي يواجهه الفلسطينيون

 تهديد للحق الفلسطيني 

إجمالًا، فإنّ فوز ترامب يشكّل تهديدًا حقيقيًا للشرق الأوسط وللقضية الفلسطينية؛ فدعم ترامب الثابت لإسرائيل، سواء عبر الاعتراف بالقدس عاصمة لها، أو دعم مشاريع الاستيطان وضم الأراضي، الذي لا يقابله أي إسناد عربي لفلسطين، يُضاعف من فقدان الفلسطينيين لحقوقهم في أرضهم.

وبينما يحقق ترامب مزيدًا من النجاحات على الصعيدين السياسي والدبلوماسي، يبقى تأثير سياساته على الفلسطينيين سلبيًا، حيث تزداد احتمالات ضياع حقوقهم أكثر من أي وقت مضى.

على الصعيد الأميركي، يُعمّق فوز ترامب الانقسام الداخلي، ويزيد من الاستقطاب بين مختلف فئات المجتمع الأميركي. ما يُعرّض الولايات المتحدة لمزيد من الاضطرابات الاجتماعية والسياسية.

في نهاية المطاف، فإن فوز ترامب قد يكون القشّة التي ستكسر ظهر الشرق الأوسط، وتضع القضية الفلسطينية أمام تحديات أكبر من أي وقت مضى.

داخل الولايات المتحدة، يُعتبر فوز ترامب تهديدًا حقيقيًا للديمقراطية الأميركية؛ فعلى الرغم من أن فوزه قد يُعتبر نجاحًا سياسيًا على المستوى الدولي، فإنه يوطّد الانقسامات الداخلية في المجتمع الأميركي. ويُعبّر العديد من المحللين الأميركيين عن قلقهم من أن ترامب يقوض المؤسسات الديمقراطية، ويُغذّي الاستقطاب الاجتماعي.

إعلان

الصحفي الأميركي "توماس فريدمان" يرى أن فوز ترامب بمثابة تذكير بمخاطر الانقسام الداخلي المتزايد في الولايات المتحدة، ويشير "فريدمان" إلى أن سياسة ترامب الشعبوية، وتعاملاته مع القضايا الاجتماعية، تُساهم في تعميق الشقاق بين الأميركيين.

أما المحلل السياسي "ديفيد بروكس" فيرى أن ترامب يمثّل تهديدًا لأسس التعددية في المجتمع الأميركي، ويعتقد أن سياساته تزيد من الانقسامات الحزبية، ويضيف أن ترامب قد يُسهم في تصعيد العنف في الولايات المتحدة، حيث إن خطابه السياسي يُعمّق الفجوة بين الفئات المختلفة في المجتمع الأميركي.

دعم غير مشروط لإسرائيل واستمرار الأزمة الفلسطينية

في الوقت الذي كان فيه المجتمع الدولي ينادي بإنهاء الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية، بما في ذلك القدس الشرقية، جاء إعلان ترامب "القدس عاصمة إسرائيل" ليُصعّد الوضع المأساوي الذي يواجهه الفلسطينيون.

وعلى الرغم من الضغوط التي مارسها الرئيس الأميركي المُنتخب مُجدّدًا، دونالد ترامب، الذي كان له دور محوري في دفع إسرائيل نحو قبول صفقة تبادل الأسرى ووقف إطلاق النار، من خلال مبعوثه الخاص إلى الشرق الأوسط، ستيفن ويتكوف، فإن صعوده كرجل أول مرّة أخرى يفتح المجال أمام المزيد من التوترات في المنطقة. فمنذ فترته الأولى، عمل الأخير على تعزيز موقف إسرائيل في النزاع الفلسطيني الإسرائيلي، ما انعكس بشكل سلبي على الوضع في غزّة.

إنّ فوز ترامب يدفع بالمنطقة إلى حالة من التأزّم المستمر، مع إغلاق أي أفق للسلام والحل العادل، ذلك أنّ فوزه يزيد من التعقيد السياسي، ويغلق الباب أمام أي حلول واقعية لإنهاء الاحتلال، في الوقت الذي تتعرّض فيه غزّة لإبادة على مرأى ومسمع من المجتمع الدولي، موثّقة بالصوت والصورة، تزامنًا مع النداءات التي تروّجها الدول الأوروبية والغربية لحقوق الفئران والجرذان.

ولكن بمعزل عن سياسة القادة أو رؤساء الوزراء الأميركيين، تظلّ السياسة الأميركية واحدة، وهي قائمة على دعم إسرائيل غير المشروط، فبغض النظر عن أسلوب دونالد ترامب الفظ والصريح في دعم إسرائيل، وتنفيذ أجندة قد تحتاج إلى فترة أطول لو كانت "كامالا هاريس" مكانه، وهي التي تنتهج أسلوب المراوغة والمفاوضات لإنهاء الحرب.

في النهاية تظلّ النتيجة واحدة؛ فسواء كان الرئيس ديمقراطيًا أو جمهوريًا، سواء كان ترامب أو هاريس، فإنّ السياسة الأميركية قائمة على تهميش الحق الفلسطيني، ودعم توسّع "إسرائيل" في حربها ضد الفلسطينيين.

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.


إعلان