شعار قسم مدونات

المفاتيح السبع لفن التعليق على تدوينات فيسبوك

الكاتب: التعليق على التدوينات فن وذوق وحكمة فكم من تعليق أنقص من جمال تدوينة وبلاغتها (رويترز)

في إحدى المرات كتبت تدوينة، قارنت فيها بين الأغاني التي سمعتها في شبابي، وبين الأغاني التي يستمع إليها شباب اليوم، متسائلًا عن تأثيرها في تشكيل ذوق المراهقين والشباب، وطرق تفكيرهم ووعيهم إزاء العديد من القضايا؛ فجاءت التعليقات كما يلي:

  • مجموعة الداعمين: يهنئون ويشجعون، ويحتفون بالتدوينة (وبعضهم قد لا يكمل قراءتها)، هؤلاء أكارم يمنحون المرء طاقة إيجابية للبحث والاستمرار.
  • مجموعة المتفاعلين: من فهم موضوع التدوينة، فأضاف معلقًا أو تفاعل بما يفيد، أو تساءل مخالفًا بشأن فكرة ما، وهؤلاء متفاعلون يطمئن المرء بهم إلى أنه أفاد وأجاد، أو ينطلق من تعليقاتهم، فيحسن تدوينته ويدققها ويعدلها.
  • مجموعة المتعالمين: وهؤلاء تعودوا التفاعل مع كل تدوينة لإرضاء حاجتهم النفسية للظهور بمظهر المثقف الواعي، سواء استوعبوا التدوينة جيدًا أم لم يستوعبوها، يضيفون تعليقًا بعيدًا عن الموضوع، أو تفصيلًا مملًا، أو توسعًا في جزئية هامشية؛ وهؤلاء مفيدون أيضًا للمدون، إذ يساهمون في التسويق لتدوينته، لأن خوارزميات فيسبوك -لحسن الحظ- تهتم بالتفاعل وليس بمضمونه.
  • مجموعة الحاقدين: وهؤلاء أعجوبة، يتركون الفكرة المحورية ورسالة التدوينة، ويبحثون عن أبسط كلمة قابلة للتأويل فيحملونها على السوء، ويعلقون بنبرة هجومية لا مبرر لها سوى ما يعتمل في أنفسهم، بل قد يسيئون إلى المعلقين الآخرين بالردود الجارحة.. وقانا الله من هؤلاء وكفانا شرهم!
  • مجموعة بطيئي الفهم: وهؤلاء أيضًا فئة غريبة، يجمعون بين الطيبة -غالبًا- وشيء من السذاجة، إذ يتركون الموضوع الأصلي للتدوينة، ورسالتها الأساس، وينتقون جزئية هامشية وبعيدة عن الموضوع، فيعلقون عليها أو يتساءلون بشأنها، وحدث لي كثيرًا أن علق أحدهم موافقًا على تدوينتي ومؤيدًا لها، لكن بمضمون هو عكس ما ذهبت إليه! وهؤلاء لطيبتهم، نصبر عليهم.

ليس من الضروري أن يكون لك رأي في كل موضوع! وصدقًا، لن يفتقد أحد تعليقاتك إذا توقفت عن كتابتها في أحد الأيام.. لذا، فكر رجاء في تعليقك، هل فيه إضافة أو تشجيع؟

إن مواقع التواصل الاجتماعي تخلو من قواعد واضحة ومعلنة، تنظم عمليات التدوين والمشاركة والتفاعل والتعليق.. وهذه الفوضى مقصودة طبعًا، لأن الفاعلين الكبار باستطاعتهم فرض ما يشاؤون من قواعد منظِّمة، وجعلها سارية المفعول بالإكراه التقني.

إعلان

فهم يستطيعون ببساطة تفعيل تقنية منع نسخ أي تدوينة وإعادة مشاركتها، إلا بالإشارة إلى صاحبها الأصلي.. لكنهم يتعمدون إخلاء المجال من أي قواعد، لأن الفوضى الناتجة عن غيابها لها عائد تجاري أكبر. ويبقى على الباحثين المساهمة في اقتراح قواعد تنظيمية، تنتشر وتُعتمد مع الوقت.

لذا، أقترح عليكم سبع قواعد أساسية، قد تكون مفيدة في تجويد التعليقات وتنظيمها:

  • القاعدة الأولى: ليس من الضروري أن تعلق على كل تدوينة

إذ ليس من الضروري أن يكون لك رأي في كل موضوع! وصدقًا، لن يفتقد أحد تعليقاتك إذا توقفت عن كتابتها في أحد الأيام.. لذا، فكر رجاء في تعليقك، هل فيه إضافة أو تشجيع؟ وهل ينسجم مع القواعد التالية؟ إذا كانت الإجابة بنعم، فيمكنك حينها نشره.

  • القاعدة الثانية: احترم روح التدوينة!

لكل تدوينة رسالة معينة، ومغزى يريد المدون إيصاله.. حاول أن تفهم ذلك المغزى، وأن تتذوق روح التدوينة ورسالتها، وهذا ما ينبغي عليك التفاعل معه. أما التعليق على معلومات جزئية، فهو أشبه بالضحك بصوت عالٍ أو إصدار ضجيج أثناء محاضرة قيمة؛ مجرد تشويش يزعج صاحب التدوينة، ويمنع القراء من تذوقها كما ينبغي.

  • القاعدة الثالثة: لا تفضح خصوصيات المدون

إذا كنت تشترك مع المدون في ذكريات شخصية أو مهنية، فلا تتحدث عنها في تعليقاتك وتفاعلاتك؛ لأن الصفحة عامة، وقد لا يرغب المدون في أن يعرف الآخرون ذلك، لذا ستحرجه وقد تدفعه إلى حذف تدوينتك، أو الإبقاء عليها احترامًا لك، لكن مع شعوره هو بالانزعاج. ولمساعدتك، أقترح عليك قاعدة بسيطة: كل ما لم ينشره المدون بنفسه من معلوماته الشخصية أو العائلية أو المهنية، فلا حاجة لك في ذكره.

كن حريصًا على التأدب والتلطف مع ضيوف صاحب التدوينة، لأن حساب المستخدم عمومًا وتدويناته خصوصًا أشبه بمنزله الذي يستضيف فيه من يرتضيه من المعارف والأصدقاء

  • القاعدة الرابعة: استخدم لغة عامة متحفظة

قد تجمعك بالمدون علاقة خاصة، بأن يكون مثلًا قريبك أو صديقك أو زميلك في العمل، وأنت معتاد على رفع الكلفة معه في لقاءاتكم الاجتماعية. لكن مع ذلك، خاطبه بصيغة عادية، وكن حذرًا في المزاح معه في تعليقاتك، لأن العديد من أصدقائه على فيسبوك تجمعه بهم علاقة رسمية، فيحرجه اطلاعهم على تعليقك.. لذا، فأنت حينما ترفع الكلفة، تذكرني بزميل دراستي الابتدائية، الذي شاءت الصدف أن تدرسنا والدته -وكانت أستاذة- فكان يكسر هيبتها حينما ينسى ويناديها "ماما" بدل أستاذة!

إعلان
  • القاعدة الخامسة: لا تهن ضيوف صاحب البيت

كن حريصًا على التأدب والتلطف مع ضيوف صاحب التدوينة، لأن حساب المستخدم عمومًا وتدويناته خصوصًا أشبه بمنزله الذي يستضيف فيه من يرتضيه من المعارف والأصدقاء، لذا من غير اللطيف أن تعلق بشكل فظ أو جارح على تعليق آخر، فصاحب التدوينة هو الأحق بالتفاعل مع التعليقات.

  • القاعدة السادسة: لا تكن مصححًا من أصحاب الأقلام الحمراء!

من غير اللطيف أن تكتب تعليقات من قبيل: "لو كتبت عن كذا..، كان ينبغي عليك أن تشير أيضًا إلى كذا…"؛ حتى إن أحدهم كتب معلقًا على تدوينةٍ: "بالمجمل، مقال رائع وجزاك الله خيرًا، لكنني أختلف معك في عدة نقاط لا يمكنني ذكرها في الوقت الحالي.. تحياتي"، فحتى لو افترضنا أن المعلق تمنعه مخاوف مشروعة عن الإفصاح، فالأولى ألا يعلق أصلًا، لأن تعليقه يرسل رسالة واحدة فقط: لا تفرح ببلاغة تدوينتك، ففيها عيوب كثيرة، وليس من المهم أن يعرف أحد تلك العيوب، ولا أن أناقشها معك.. المهم أن يدرك الناس نقص تدوينتك، وأن أقلل من إعجابهم بها!

رسالتي إلى كل هؤلاء: الفيسبوك فسيح، اكتب أنت تدوينة بليغة، وتدارك فيها ما تعتبره نقصًا أو إغفالًا من الآخرين، فالمدون قد كتب ما يراه مناسبًا، ولا يمكن قول كل شيء في تدوينة واحدة يفترض أن تكون قصيرة.

  • القاعدة السابعة: لا تناقش ما لا تفهم فيه

ينبغي أولًا أن نميز بين ما نفهمه وما نفهم فيه؛ أقصد بالتعبير الأول كل تدوينة تقرؤها وتفهمها، بينما تدعو القاعدة السابعة إلى تجنب الجرأة على مناقشة ومعارضة موضوع تخصصي قد تفتقر إلى معرفة عميقة به؛ فبعض الحسابات تخص باحثين ومتخصصين في مجالات محددة، حينما يكتب أحد هؤلاء تدوينة في تخصصه، وتبدو لك غير منطقية، حاول تأملها أكثر أو البحث في الموضوع قبل المسارعة بكتابة تعليق مخالف؛ لأن المتخصص قد يختزل في تدوينته مسارًا طويلًا من القراءات المتخصصة والبحث الرصين، وهذا السياق يغيب عن القراء، وحيث إن خطاب التدوين يُفترض فيه التلميح والإيجاز، فسيكون من المتعب للمدون المتخصص أن يجيب عن التعليقات ببسط الأسباب، وعرض الاستدلال.

كثير من تدويناتي تحولت إلى مقالات ناجحة بفضل تفاعل الأصدقاء معها.. وهذا التفاعل الإيجابي هو ما أنشده من خلال ما اقترحته من مفاتيح

في الختام، إن التعليق على التدوينات فن وذوق وحكمة، فكم من تعليق أنقص من جمال تدوينة وبلاغتها، أو ناقض روحها وما ترمي إليه؛ وكم من تعليق جرح ضيوف مدون وأصدقاءه، وكم من تعليق -لقلة فهم صاحبه- جاء بعكس معنى التدوينة على سبيل الموافقة والتأييد!

إعلان

وحيث إن الأصل هو التفاعل البناء، والاختلاف الإيجابي؛ فإن كثيرًا من تدويناتي تحولت إلى مقالات ناجحة بفضل تفاعل الأصدقاء معها.. وهذا التفاعل الإيجابي هو ما أنشده من خلال ما اقترحته من مفاتيح، نضمن من خلالها أن تكون التعليقات -حتى المخالفة منها- مفيدة وبناءة.

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.


إعلان