عن ماذا سأكتب هل سأكتب عن حرية سوريا بعد خمس وخمسين سنة، أم سأكتب عن اليومين الأسودين اللذين سبقا هذه الحرية؟
سمعنا كثيرًا عن حركة التحرير التي سبقتنا بأسبوع، وبدأت من إدلب وحلب وصولًا إلى حماة، كنا نترقب متى سيصل التحرير إلينا نتخوف من أن يكون ثمنه غاليًا ونطمئن أنفسنا في الوقت نفسه بأن هذه الأعجوبة التي جاءت على غير ميعاد لم تكلّف السوريين كثيرًا، ومعظم البلدات والمناطق كانت في استقبال المحررين، وكأنهم كانوا ينتظرونهم منذ سنوات.
لم نكن ندرك حجم الكُره الذي يحمله السوريون للنظام السابق على اختلاف طوائفهم ومللهم، نعم تحررت سوريا في أحد عشر يومًا بعد خمسين عامًا من الاضطهاد، وبعد ثورة بدأت عام 2011، وذهب ضحيتها ملايين السوريين ما بين شهيد وجريح ومشرد ومغترب.
لكن هل سيكتب التاريخ بدقة عن الذي حصل في ريف حمص الشمالي وبلداته قبل أن نصل إلى فجر الحرية في يوم الأحد الثامن من الشهر الثاني عشر للعام 2024، الموافق للسابع من الشهر السادس للعام 1446هـ؟
هل سيحفظ التاريخ أسماء الشهداء الذين قضوا في تلبيسة وتيرمعلة والغنطو والرستن؟.. هل سيحصي التاريخ البيوت التي دمرها الطيران الغاشم والقذائف الحاقدة؟.. هل سيعيد أحد للنفوس التي تهالكت والقلوب التي تلوعت والأجساد التي أنهكت ما فقدته؟.. هل سيدون التاريخ ما حفر في ذاكرة كل ابن من أبناء هذا الريف من ذكريات وآلام وترقب ورعب وخوف؟..
يجب أن يكون هناك نوع جديد لدرجات الخوف يتجاوز الرعب يسمى "أفلام معاناة السوريين من واقعهم الأليم في سبيل الخلاص والحرية"، حتى وإن كان الاسم المستنسخ أطول من ذلك لا بأس فما حصل ويحصل وسيحصل يحتمل الكثير، يحتمل آلاف التدوينات والأفلام والوثائقيات، يحتمل أن يعمم على دول العالم لتدرك حجم الفظائع التي حصلت.
مهما كتبنا فنحن مقصرون، لن أكتب عن العقد الماضي الذي حفر في ذاكرة كل سوري والذي نتجت عنه آلاف القصص ويحتمل إنتاج المزيد، سأكتب عن يومين فقط من ذاكرة بلدة صغيرة تدعى "تيرمعلة" بلدة مسالمة أهلها طيبون، كان لها النصيب الوافر من الحقد للثورة بين عامي 2015 و2019، والتي كانت مفتاح التحرير وكبش فدائه دون أن يعلم كثيرون ذلك، أكتب ليدرك من لا يعلم من خلال كلمات قليلة أن فجر الحرية تحقق بسبب العديد من التضحيات على امتداد الأرض السورية، ومنها ما حصل في "تيرمعلة" من آلام ودمار.
لم نكن نعلم إن كان الله سيكتب لنا عمرًا جديدًا بعد انقضاء الحرب، كنا آمنين مطمئنين راضين بمصيرنا، ولكنّ شعاعًا من تفاؤل وبارقة من نور كانا يومضان في أعمق أعماق القلب تمد روحنا بالأمل والطمع بالنجاة
أكتب من وجهة نظر فتاة واحدة من البلدة كانت شاهدة على ما حصل:
بدأ الترقب والخوف في الخامس من ديسمبر/ كانون الأول واشتدا في السادس منه، وحصل ما فاق الحسبان في اليوم السابع، تصل إلى مسامعنا أصوات القذائف التي تلقي بها المدفعيات تارة، وراجمات الصواريخ تارة أخرى، ولكن عندما يهدر صوت الطائرة في السماء يقفز قلبنا من مكانه، ونتتبع صداها حتى ترمي بحقدها، ونحن نتضرع إلى الله ألا يؤذي أحدًا، أبي أمي وأنا قضينا يومين ونحن متكورون على أنفسنا ننظر في وجوه بعضنا البعض، وكأن أحدنا يودع الآخر، لا ندري في أية لحظة سننال نصيبنا من إحدى الشظايا أو من إحدى القذائف أو من إحدى الغارات.
كل منا يحمل في قلبه ثقل العالم من الخوف، ويمكن أن ينهار جسده الضعيف في أية لحظة في تلك الغرفة الصغيرة، لكن الله منحنا القوة والعزيمة لنشد أزر بعضنا، أتشجع أنا مرة لأحضر القهوة، وتتشجع أمي مرة أخرى لتحضر لنا وجبة صغيرة نتقوت بها، ويتشجع أبي في حين آخر ليحضر لنا "الزهورات".
ننام ونحن مستيقظون ونستيقظ ونحن نتوهم أننا نمنا نترقب الأصوات من حولنا بأعصاب منهارة، ما يقوينا هو الإيمان والأمل بالانتصار، كانت الكهرباء مؤنسة لنا وكذلك الاتصالات التي كنا نحن من يتحكم بها في هذه الساعات، عندما نسأل عن حالنا نقول الحمد لله، الذي أسعدنا وكان سببًا في سلواننا أيضًا وصول الكثير من الشباب الذين هجروا، وكنا نظن أن غيابهم سيطول أكثر.
كل هذه المعركة وكل هذا التحرير كان معجزة، وتوالت بعده المعجزات، فالله لا يعجزه شيء ومثل ما قرع أولاد عمتي "حسام" و"ميسر" بابنا، سيأتي يوم ويقرعه "سعد الدين" و"محمد نور"، الله لا ينسى عباده ويضاعف قوتهم في الأزمات، كل صلاة صليتها في هذه الفترة كانت أعظم صلاة، كل ركعة وسجدة بعد منتصف الليل كانت من أعظم اللحظات، نور الإيمان تسلل إلى نفوسنا الضعيفة وآنسها.
لم نكن نعلم إن كان الله سيكتب لنا عمرًا جديدًا بعد انقضاء الحرب، كنا آمنين مطمئنين راضين بمصيرنا، ولكن شعاعًا من تفاؤل وبارقة من نور كانا يومضان في أعمق أعماق القلب تمد روحنا بالأمل والطمع بالنجاة.
عندما هربنا من البيت دون أن ننظر إليه نظرة الوداع ضعنا في شوارع البلدة التي ألفناها منذ عقود، بيوت مهدمة وشوارع يملؤها الحطام كانت "ديستوبيا" حقيقية، أعمدة الكهرباء على الأرض والماء يسيل في الشوارع من الخزانات
يوم السبت بعد ظهر السابع من ديسمبر/ كانون الأول اشتدت الأصوات، علمنا أن المعركة صارت في منتصف البلدة سلمنا روحنا لله – تعالى – وقوينا أنفسنا بالدعاء، الضربات الأولى قطعت الكهرباء، علمنا أننا أمام مصير غامض ولحظات من الرعب لا نعرف كم ستستمر وكيف ستكون نتيجتها.
المعارك بدأت، إنها معركة تحرير الفرقة 26 لينطلقوا منها إلى وسط مدينة حمص، دقائق وبدأت الغارات الغارة الأولى قطعت الاتصالات وتبعتها غارات وغارات، غارات لا أعرف إن كانت في مثل هذه القوة ومثل هذا الزخم في منطقة من المناطق منذ سنوات الثورة الأولى وحتى نهايتها.
لم نكن نستطيع التنفس لم نكن نستطيع الوصول إلى الغرفة الثانية التي تبعد أشبارًا لنأخذ ما يلزم من الأغراض، تقبل الطائرة الغاشمة بصوتها الخبيث فنضع ما نجده حولنا من وسائد وفراش فوق رؤوسنا، ونحن نظن أنها ستقينا بطش النار، كنا شاهدين على موتنا وفي أعماقنا تسليم أنه في الثانية وليس الدقيقة المقبلة ربما سنفارق الحياة، تحول النهار إلى ليل وزرقة السماء إلى سواد والبيوت الآمنة إلى حطام، لا ندري ما الذي يتساقط علينا هل هو زجاج أم شظايا؟ نسمع أصوات الاستغاثة من الخارج ونظن أننا نحن من نستغيث.. صوت يقول إسعاف.. إسعاف..
ولا ندري إن كان هناك سيارات في الطريق تحمل المصابين، لحظات من حرب حقيقية محتدمة، حرب على رؤوس العباد المدنيين المسالمين، حرب تحار من شدتها الألباب ما الذي فعله الأطفال ليذوقوا هذا الرعب؟ ما الذي فعلته الأمهات اللواتي تحترق أكبادهن خوفًا على ذويهن؟.. ما الذي فعله الرجال الذين كسروا من هول هذا الظلم، ومنهم أبي الذي انهار رغم كل محاولاته للصمود يتمنى لو أننا غير موجودين ولو كنا قد هربنا قبل أن نذوق هذا المصير، ولكنه في الوقت نفسه سعيد بوجودنا حوله نؤنّسه ونواسيه ونشاركه هذا القدر وهذا المصير؟ ما الذي كان سيحل به لو لم نكن معه؟، أحمد االله الذي شحذ والدتي بالقوة والصبر لا أدري إن كنت أتوهم ولكنها كانت أكثرنا رضا وتسليمًا حتى إنها كانت تستطيع أن تسرق من الليل سويعات ترتاح فيها وتنسى ما نحن فيه.
عندما هربنا من البيت دون أن ننظر إليه نظرة الوداع ضعنا في شوارع البلدة التي ألفناها منذ عقود، بيوت مهدمة وشوارع يملؤها الحطام كانت "ديستوبيا" حقيقية، أعمدة الكهرباء على الأرض والماء يسيل في الشوارع من الخزانات التي ثقبت بفعل القذائف وغيرها. بشر هائمون على وجوههم مثلنا لا يعرفون أين السبيل، وجوه فقدت ملامحها من الصدمة وحجم المصاب، حتى الدموع جفت والصرخات كتمت، كنت قد أنهيت قبل يومين رواية "الموت عمل شاق" لخالد خليفة، وتأثرت عندما فقدت فاطمة صوتها من هول ما عاشته، ولكن ما عايشناه أثبت لي أن لا شيء في سوريا مستحيل، ومهما حاول الأدباء التوثيق فسيبقون مقصرين، فكل منا وأنا أول الناس كنا مشروع أشخاص من الممكن أن يصيبهم البكم في أية لحظة.
استمررنا في المشي ونحن نداري أنفسنا من البطش في بيوت الطريق التي كانت أبوابها مفتوحة، وأهلها قد هربوا سألني أحدهم إن كنت أمتلك مهارات الإسعافات الأولية فقلت "يا ليت" مكثنا ساعة أو ساعتين لا أعرف على وجه الدقة في بيت قريب من "صالة هدى للمناسبات" تواصلنا مع "تامر" ابن خالي ليقلّنا لكن لم يستطع بسبب القصف المتواصل، تابعنا طريقنا وقرعنا أول بيت في بلدة "الغنطو" استطعنا الوصول إليه بعد نجاتنا من رصاصات القناصين والقصف الذي كنا ننظر وراءنا ونكتشف أنه يلاحقنا باستمرار.
سعادة "تيرمعلة" بعد أن أمضت الساعات بعد النصر في التكبير مزجت بحزن وشجن عميق على الشهداء الثمانية الذين قضوا قبل أن يشهدوا سوريا الجديدة بعد طغيان امتد لعقود ستة
استقبلنا أصحاب البيت جلسنا قرب الموقد نستمع معهم إلى الأخبار، بدأت تتناهى إلى مسامعنا بشائر النصر والتحرير، استمر القصف ساعات، ولكن لم نعد نكترث كنا في دائرته، ولكن كنا قد تعبنا من الخوف، كانت الساعة تقترب من الثانية بعد منتصف الليل عندما أخبرنا صاحب البيت أننا انتصرنا وما نسمعه من رصاص هو رصاص الفرح حمدنا الله وشكرناه.
عرفنا أننا انتصرنا قبل أن يخبرنا فقد توقف صوت المدفعية الذي كان يصدر من الكلية الحربية وأصم آذاننا في الأيام الأخيرة، صلينا شكرًا لله، تعالى، فرحنا فرحًا خجولًا، ارتحنا قليلًا من تعبنا، لكن لا أدري لماذا لم أستلطف أصوات الرصاص يبدو أن حالتي النفسية تعبت منه لم أعد أحتمل وأطيق كل هذا الرعب، أدنى صوت لآلة حربية يزعجني أما صوت الطائرة فيرعبني.
أنا هناء المعجبة بقوتها وشجاعتها انهرت، ما حصل كان أقوى مني بكثير.
عاد أبي إلى البلدة بعد ساعة التحرير وبقينا أنا وأمي حتى أشرقت الشمس لن أنسى أول نفس استنشقته من عبقات الحرية، من عبقات التحرير، من صباح النصر، من فجر سوريا الجديد كان نفسًا عميقًا مريحًا نقيًا لا تستطيع الكلمات التعبير عنه.
سعادة "تيرمعلة" بعد أن أمضت الساعات بعد النصر في التكبير مزجت بحزن وشجن عميق على الشهداء الثمانية الذين قضوا قبل أن يشهدوا سوريا الجديدة بعد طغيان امتد لعقود ستة.
وصلت إلى حارتنا وسمعت صوت "أم ثائر" تنعى ولدها الشهيد "محمود"، أخبرني والدي عن وفاة والد صديقاتي وقريبنا "عبد الحكيم الإبراهيم أبو بسام" نزلت من عيوني دمعة خجولة لن أستطيع مواساتهم مهما فعلت، جرحهم كبير جدًا لن يندمل، أسأل الله الصبر والسلوان لهم ولغيرهم، والرحمة لفقيدهم وللجميع.
ساعات العمل التي أمضيناها أنا وأمي وأبي ننظف البيت مما أصابه من تخريب كانت أكثر الساعات سعادة وأكثرها حقيقة وكأن كل ما عشناه كابوس رهيب، لم نعبأ بالزجاج الذي أصابنا بالندوب والجروح، مهما حمدنا الله لأنه أعادنا إلى بيوتنا سالمين معافين فلا يكفي، الأيام التي أمضيناها دون كهرباء أو اتصالات هانت بعد ما حصل.
روح الإنسان شفافة جدًا أي أثر كفيل بانكسارها لكنها صامدة أيضًا تحمي من تسكنه إلى أبعد الحدود، الجراح تنهشها شيئًا فشيئًا.. لكن هذه الروح تحاول الثبات حتى اللحظات الأخيرة قبل الموت
لا بأس بما عشناه من أيام بعد الانتصار بسبب خوفنا بتجدد ما حصل، لا بأس عندما كانت تؤرقنا أصوات رصاص المحررين، الدعاء كان يريحنا في ليالينا التي تجرأ الطيران الإسرائيلي على انتزاع حرمتها وسكينتها، لا بأس، كل شيء يهون في سبيل أن يكون بلدنا على الطريق السليم وألا يذوق شعبه ما ذاقه من مرارة في سبيل التحرير، وأن يزدهر وأن نتخلص من براثن الحقد والطائفية والحروب الأهلية، وأن نعيش بسلام يا لهذه الكلمة "سلام"! بسيطة جدًا لكنها مطلب وحلم كل إنسان.
يوم واحد لا بل ساعات معدودة كانت كفيلة بتغيير حياة عشرات العائلات رأسًا على عقب.
نرى الناس في الشارع، نتعانق، تدمع عيوننا نقول "الحمد لله على سلامتكم" الحمد لله على سلامة الناس التي كانت قاب قوسين أو أدنى من الفناء في غضون ساعات معدودة بألف سنة.
أبينا الخروج من منزلنا نمني النفس بفرحة عارمة دون أن ينالنا شيء من الأذى، في أعماقنا يدق ناقوس الخطر، لكن أملنا بأن ما حصل في الماضي من أهوال لن يتجدد دفعنا للبقاء، خوفنا من التشتت دفعنا للبقاء، رغبتنا في أن نبقى ثلاثتنا في مكان واحد يواسي أحدنا الآخر ويسليه ويروح عنه دفعنا للبقاء، لكن في الحقيقة أمر الله، تعالى، ما كتبه لنا في كتابنا ومشيئته سبحانه أن ننال هذا القدر، هو ما دفعنا للبقاء.
ذاكرة رهيبة مليئة بالآلام سرقت الفرح، أنا على يقين اليوم أن الإنسان يتغير كثيرًا ويتبدل وروحه لا تبقى كما هي بفعل حوادث كهذه، الحادثة تستثير شعور الخوف في نفسه وتضاعفه وتترك أثرًا عميقًا وتسرق جزءًا من روحه.
روح الإنسان شفافة جدًا أي أثر كفيل بانكسارها لكنها صامدة أيضًا تحمي من تسكنه إلى أبعد الحدود، الجراح تنهشها شيئًا فشيئًا.. لكن هذه الروح تحاول الثبات حتى اللحظات الأخيرة قبل الموت، وإلا لرأيت الكثيرين يفرطون بها قبل الأوان بسبب الأهوال والحوادث التي يشهدونها، إلا أنني أجدد أن جرح السوريين فريد يأبى أن يندمل، يتجدد ويتقرح متحديًا صمودهم، يستهزئ بثباتهم ويتعجب من قدرتهم على التحمل.
سوريا الجديدة أمل ملون كل منا يتخيله بأبهى حلة، ربما إن عوضنا الله عما عشناه بسوريا المستقبل الجميلة فسنشعر بأن كل التضحيات التي بذلت من دمعة واحدة إلى مئات آلاف الشهداء لم تضع هباء
كل أزمة متجددة هي ولادة جديدة، أستطيع أن أجزم اليوم أن الأزمة تغير الإنسان، لا تبقيه على حاله تسرق لمعة من لمعات عيونه وبهجة من بهجات حياته وشعلة من شعلات حماسه ونبضة من نبضات قلبه، تمس قلبه بلمسة من الحزن الذي يدميه وينزف قطرة فقطرة نزيفًا داخليًا لا يبدو للعيان، كل شيء يبدو رفاهية له بعد أن يتجاوز الأزمة، أنا عندما أكتب أكون في رفاهية لأني أستطيع تفريغ همي من خلال الكلمات التي كتبت بمداد تجربتي المريرة، أما غيري من يعيش عزاءه على فقيده فلا يستطيع الكتابة، ويعيش وسط قوقعته الخاصة وأنفاسه الخانقة.
سوريا الجديدة أمل ملون كل منا يتخيله بأبهى حلة، ربما إن عوضنا الله عما عشناه بسوريا المستقبل الجميلة فسنشعر بأن كل التضحيات التي بذلت من دمعة واحدة إلى مئات آلاف الشهداء لم تضع هباء، يا الله نستودعك بلدنا بعيدًا عن أيدي الطامعين، ندعوك أن تحميه من الغادرين لأجل أبنائه الطيبين وسلوى لأهالي الشهداء الغالين، والمعتقلين الذين عانوا وعانوا في براثن الحقد والأغلال التي قيدهم بها المعتدون.
اللهم هيئ لنا من ينهض بسوريا وشعبها النهضة التي يستحقونها ليردوا لهم كرامتهم التي سلبت لسنين وسنين، اللهم عجل بالفرج وأكرمنا بأن نكون من الشاهدين ومن المعمرين، أكرمنا ببلد آمن وشعب طيب وحياة كريمة، أكرمنا بيوم نتحدث فيه للأجيال القادمة عن سوريا الحكاية التي فاقت حكايتها حكايات ألف ليلة وليلة مجتمعة.
عن سوريا الجميلة التي استردت عافيتها بفضل الله، تعالى، ثم أبنائها وتضحيات كل بيت سوري، استردت عافيتها بقوة الدعاء، هذا الدعاء الذي لهجت به ألسنة ملايين السوريين، استردت عافيتها باليقين بالإجابة، استردت عافيتها لأنك اللهم أجبت دعاء المتضرعين، استردت عافيتها بالثبات على المبادئ وعدم التوقف عن المطالبة بالحقوق المستحقة التي سلبت عنوة وتحولت إلى أحلام سعينا لنعيدها حقيقة حية.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.