شعار قسم مدونات

فن تقدير الجهود

مشروع النهضة يتوج طالبات بعمرة كهدايا تشجيعية على حفظ القرآن (الجزيرة)
التقدير يدفع نحو التقدم إنتاجًا وإبداعًا، ويرسي دعائم السعادة والرضا (الجزيرة)

إن غياب التقدير أضحى هاجسًا يتحدث عنه كثير من الناس في مختلف الميادين، فلماذا نفتقد فن "قوة الشكر"؟

الملاحظ في أحسن الأحوال يقتصر على تمرير ثلاثة حروف يتيمة مزينة بالتنوين، هي كلمة "شكرًا"!

نغفل ما للتقدير من سحر، نغفل أنه الطريق الأقصر لبناء علاقات ناجحة، وأنه مفتاح مؤثر يجعل الحياة في وضع أفضل. إن دنيانا مليئة بالتحديات، فكيف نتخطى الحواجز لنبلغ النجاح؟ إذا لم نمتلك تماسك روح الفريق فلا نجاح مرتقبًا، وخير وسيلة لكسب القلوب تعلم فن التقدير.

يروي المؤلف الأميركي الشهير ديل كارنيجي أن السيد (سي) امتلك سيارة فارهة بسبب التقدير، فلا تستهن بهذه المعجزة الفريدة التي أضحت عملة نادرة في كثير من خنادق أعمالنا، فلماذا يغيب التقدير؟

اكتشف قوة التقدير، لتبني جسور القلوب بينك وبين الآخرين، وتحقق الاستقرار والثقة. إن التقدير يدفع نحو التقدم إنتاجًا وإبداعًا، ويرسي دعائم السعادة والرضا، إنّ للتقدير سحرًا على القلوب، لذا ننصح باستثمار هذه القوة الناعمة لنتمتع بصلات أعمق وأقرب

إن للتقدير عصا سحرية تصنع المستحيلات، وكثيرًا ما يُفتقد رغم كونه حجر الزاوية في بناء صروح العلاقات الإنسانية المتينة!. ماذا يحدث لو مارسنا التقدير؟ بالتأكيد ستهتز القلوب، وتنبت من كل زوج بهيج.. فلماذا تفتقر الأسر إليه؟ لماذا يتبخر من مقرات العمل؟ وينزوي عن صفوف علاقاتنا الإنسانية؟

والآن، لنطرح السؤال الأهم، وهو: لماذا نحتاج لتبني ثقافة التقدير؟

ببساطة، هناك العديد من الدواعي والأسباب منها تحقيق النجاح، وإظهار الامتنان، وتحفيز الآخرين، وتعزيز العلاقات، ونشر الإيجابية.. فبعد رحلة يومية مليئة بالضغوط والمتاعب، نحتاج لمن يسلط الضوء على هذه الإسهامات والمنجزات؛ وهنا يأتي دور وردة التقدير، فربّ هدية بسيطة متواضعة تولد في العمق الإلهام، وتعزز الشعور بالإنجاز، وتفتح مناجم السعادة، وتبني جسور الثقة والاحترام، وتدفع بالنجاح قدمًا لمراتب سامقة.

إعلان

قبل أن تنتظر التقدير من الغير، كن مدشنًا ومبادرًا لإرساء دعائمه، وإليك أهم قواعده:

  • التقدير لفظًا: أقل ما يقال في التقدير كلمة "شكرًا"، فلنتعود على بثها!. يروى أنّ معلمًا قدم كلمة الشكر لطالب يعاني نقص الثقة، فأصبح الأخير طبيبًا حاذقًا، وقال بعد مضي سنوات: "كلماتك كانت نقطة التحول في حياتي"، فهل تتعجب من هذا المفعول؟
  • تقدير المنجزات: المنجز الصغير بذرة لمشروع كبير، فلماذا لا نحفّز الآخرين بالتشجيع؟

يروى أن سيدة اسمها "أنجيلا"، رغم فقرها حققت حلمها الكبير، وأصبحت رائدة أعمال؛ بسبب تقدير منجزاتها الصغيرة، فماذا ستصنع مع من هم حولك؟

إشهار التقدير: التقدير العلني له مفعول ساحر على القلوب!

يُنقل أن أحد رؤساء الأعمال خلق الحماسة في صفوف موظفي شركته حين مارس التقدير العلني، وانتقلت شرارة النشاط إلى بقية أعضاء الفريق، فلماذا لا نجرّب هذا المصباح السحري؟

  • وقود التعاطف: هل جرّبت النظر بعيون الغير؟ لماذا لا نبصر تضحيات من حولنا ونقدرها؟ يروى أن سيدة تدعى "ماريا" كانت تعتني بصحة والدها المريض، وعندما أظهر الجيران تقديرهم لها ارتفعت معنوياتها، وانتابتها طاقة إيجابية كبيرة، جعلتها تتفانى في رعاية هذا الوالد المريض، فلماذا نستحقر التقدير؟
  • الاحتفال بالنجاحات: هل جرّبت مشاطرة الآخرين فرحة منجزاتهم؟ لماذا لا نتبادل التهاني؟ إن الاحتفال بإنجازات المحيطين بنا يقوّي روح الفريق. ومما قرأت أنّه ارتفعت أرباح شركة صغيرة حينما تم تقدير إنجازات موظفيها، فهذا الشعور يحفّز الجميع على التميز، وهي لمسة حضارية تستحق الاحتذاء.
  • التقدير يرجع لصاحبه: ثقافة الأجداد تقول إن الخير يعود لأهله، فلماذا لا نجرّب هذه القاعدة؟

إذا كانت الدنيا سوداء كئيبة كالحة، فلنكن نحن الوهج المنير، والإشعاع الذي لا ينطفئ.. إن مجاملتنا للآخرين هي نصف عقل ودليل ذوق، فلم لا نزاول هذا الدرب؟

يُقال إن أحدهم كان شابًّا فقيرًا فاته قطار التعلم، فلما علّمه أحد الجيران عاد بعد سنوات ليبني مدرسة مجانية لأطفال الحي، وهكذا استفاد الجميع من هذه الجهود، لهذا أصاب من قال: "افعل الخير وألقه في البحر"؛ فربما عاد إليك بالمنفعة ذات يوم.

إعلان
  • توقيت التقدير: حين يَدْلَهم الليل يكون للشمعة معنى، بلا شك كلنا نحتاج للتقدير، ويتأكد هذا التقدير في أوقات خاصّة بعينها، منها: عندما يعزّ التقدير ويندر، أو حينما يكون الفرد في وقت عصيب، أو بحاجة ماسة لمقدِّر كحاجة العطشان لجرعة ماء، فلا تنسَ اغتنام الفرص!
  • التقدير بالإنصات: إن مجرد الإنصات لمحدثك لون من ألوان التقدير، ومن خلال مطالعاتي وجدت أن أحدهم استطاع أن يخلص صاحبه من أزمة نفسية عن طريق الإنصات إليه، فإذا برعنا في إتقان مهارة الإنصات الجيد، حينها سندرك أنّ لهذا الفن مكاسب ثمينة وباهرة، فلمَ لا نتأكد؟

إن الكتّاب تركوا لنا أرثًا عظيمًا، وهناك كتب كثيرة تؤكد على أهمية التقدير، وأثره البالغ على تحسين العلاقات الإنسانية، نذكر منها على سبيل المثال: كتاب "فن التحفيز"، وكتاب "قيادة بلا سلطة"، وكتاب "قوة الامتنان"، وكتاب "الذكاء العاطفي"، وكتاب "كيف تكسب الأصدقاء وتؤثر في الناس؟"، وكتاب "سحر الكلمة"، وسواها.

إن لتقدير الآخرين مذاقًا شهيًّا في نفوس المبدعين؛ فهو فن يرسم لك أصبعًا تشير إليك بأنك "مهم"، إنّ أصفى ما في القلب كلمات الشكر والامتنان، فهل شاهدت أثر كلمة "شكرًا" على وجوه المتألقين؟ هذا الطريق يسحب إليك القلوب، وهو تاج من تيجان السعادة.

والسؤال: لماذا يجحد البعض صنائع الخير والإحسان، ويتجاهلها وكأنه لا يرى ولا يسمع؟ لماذا لا نحمل شعلة النور للقلوب ونكوّن قطرات الندى للأزهار الزاهية؟ إن كلمة "شكرًا" لها عبقة عطرية، ونغمة خالدة يتردد صداها عبر الزمن، فلماذا لا نلوّح بالقبعات وننحني احترامًا للمنجزات التي تستحق؟ المقدرون يملكون بلسمًا للأرواح، ومشتلًا يزرعون فيه الآمال، فهل عدمنا التقدير حقًا في ديارنا؟

هل جرّبت تقديرَ أحدهم؟ ارمق الأسارير والآثار التي تخلفها مشاعرك الصادقة نحوه، بعدها قرر: أتستمر على الطريق أم تنزوي وتتراجع؟ هل تعلم مقدار الأتعاب والآلام التي يتكبدها المستحقون؟ اجعل من ثنائك طوق نجاة وقارب إنقاذ، إن لم تكن مبدعًا فشارك الجمال بالمدح والإشادة، ولتكن نهرَ الصفاء!. البعض يبخل بالمشاعر ويشحّ بالشكر، لماذا لا نعتاد عوائد الخير والإحسان؟

إعلان

اكتشف قوة التقدير، لتبني جسور القلوب بينك وبين الآخرين، وتحقق الاستقرار والثقة. إن التقدير يدفع نحو التقدم إنتاجًا وإبداعًا، ويرسي دعائم السعادة والرضا، إنّ للتقدير سحرًا على القلوب، لذا ننصح باستثمار هذه القوة الناعمة لنتمتع بصلات أعمق وأقرب.

فإذا كانت الدنيا سوداء كئيبة كالحة، فلنكن نحن الوهج المنير، والإشعاع الذي لا ينطفئ… إن مجاملتنا للآخرين هي نصف عقل ودليل ذوق، فلم لا نزاول هذا الدرب؟

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.


إعلان