الأدب أحد أشكال تعبير الإنسان عما يجول في قريحته من أفكار وخواطر بأرقى الأساليب من شعر ونثر. ومن الأنواع الأدبية التي لقيت رواجًا كبيرًا "أدب السجون"، الذي يُطلق على أي عمل أدبي، يسرد قصة شخص- فردًا أو ضمن جماعة – قضاها في مكان مضاد لإرادته، دون أدنى اعتبار لزمن الكتابة.
حيث تكتب على شكل يوميات أثناء الاعتقال، أو تحرر بعد مغادرة المعتقل زنزانته ومعانقته الحرية، ما دامت ملتزمة الشرط الموضوعي للتصنيف، المرتبط بتصوير مناحي الحياة خلف القضبان، وجميع الأحداث البشعة داخل السجن، وأصناف الظلم والبطش والمعاناة؛ مادية كانت أم معنوية، التي كان النزلاء يتعرضون لها خلال فترة الاعتقال.
يوجد الكثير من المؤلفات التي تحدثت عن أدب السجون، منها ما تحدث عن وحشية ما حصل في السجون السورية، وشهادات بعض من قضوا خلف قضبانها أسوأ أيامهم، وعندما خرجوا بقيت لهم عقد في حياتهم لا يستطيعون نسيانها
تعرفه الناقدة «رضوى عاشور» بقولها: "كتابات السجن رافد هام من روافد الأدب العربي الحديث… وتشمل هذه الكتابات، فضلًا عن اليوميات والسير الذاتية والروايات والقصائد والمسرحيات، شهادات الحصر ومقابلات وشذرات".
ومن بين الأنواع الأدبية المختلفة، تظل الرواية الجنس الأدبي الأكثر تناولًا لأدب السجون، وذلك لما تتميز به من خصائص وتقنيات لا تتوفر في باقي الأجناس، ويظل التعذيب والمعاناة السمةَ المشتركة بين روايات أدب السجون في العالم العربي.
يوجد الكثير من المؤلفات التي تحدثت عن أدب السجون، منها ما تحدث عن وحشية ما حصل في السجون السورية، وشهادات بعض من قضوا خلف قضبانها أسوأ أيامهم، وعندما خرجوا بقيت لهم عقد في حياتهم لا يستطيعون نسيانها؛ كمؤلفات الدكتور أيمن العتوم، وأحمد خيري العمري.
1- رواية "يسمعون حسيسها" لأيمن العتوم:
تحمل هذه الرواية في طياتها حزنًا ورعبًا كبيرين، حيث استطاع الكاتب أن ينقل لنا معاناة مجموعة من الشبان في السجن، إحساسهم بالإهانة والظلم أفقدهم إنسانيتهم وكرامتهم بلا سبب.
تتحدث الرواية عن الطبيب إياد أسعد، الذي قضى في السجن 17 سنة كاملة مع حفلات التعذيب، في سجن تَدْمُر الذي يقع في صحراء قاحلة، حيث لا نجدة ولا عونَ. كان سجن تدمر جهنم في الأرض، وسجانوه هم الزبانية، وكان أيضًا مقبرة جماعية يُدفن فيها كل من يلقى مصرعه تحت حرب التعذيب.
تحتوي الرواية على مشاهد مرعبة ومفزعة؛ من تعذيب بشع للمساجين، وإهانة كرامتهم واحتقار إنسانيتهم، على يد مخلوقات خرجت من دائرة الإنسانية إلى نطاق الوحشية والحيوانية، تحت ما يسمى بـ "النظام"، نظام الفساد والظلم وشريعة الغاب.
أما عن تأويل العنوان "يسمعون حسيسها"، فربما يريد أنهم يسمعون صوت الحرية أو الكرامة أو الإنسانية، أو يسمعون صوت العذاب في آذانهم، أو يسمعون صوت الإهانات وتحقير الكرامة وطمس الهوية؛ فقد قضى المساجين حياتهم مطأطئي الرؤوس لا يجرؤون على رفعها، وإذا رفعوها تلقوا الإهانات والسبّ.
كُتبت روايات كثيرة في إطار أدب السجون في العالم العربي، وسوف تُكتب أخرى بحبر الدم والذل والمعاناة واللارحمة التي عايشها المعتقلون في غياهب السجون العربية، لتبقى وصمة عار يخلدها التاريخ
2- رواية "بيت خالتي" لأحمد خيري العمري:
بعض الروايات لا يجب أن تتخللها قصة حب (أنس ونور)، من أجل تغطية فظاعة مشاهدها، بعضها يجب أن يكون صفعة لقارئها لعله يستفيق من سذاجته وغفلته عن أنه يعيش مع وحوش بشرية.. إنني أتحدث عن رواية "بيت خالتي"!
كان يجب أن تكون قصة وحيدة تتحدث عن معاناة المعتقلين في السجون السورية؛ ليتناولها القارئ على طبق الجمر والآهات، ليحس بلسعة الحروف وجلدات الكلمات والسطور. تنتمي الرواية لأدب السجون، كتبت بلغة بسيطة عفوية لتصل الرسالة بسهولة، وهي تتحدث عن يزن، الشاب السوري الذي هاجر إلى ألمانيا، بعد أن تمكن من الفرار من نظام الأسد، فقام بتصوير فيلم عن السجون السورية وما يحصل فيها من انتهاكات، مستدلًا على ذلك بشهادات حية وحقيقية لمعتقلين، كانوا قد قضوا بين قضبانها أبشع ما يمكن تصوره من تعذيب على يد من ليس في قلبهم أدنى ذرة من الرحمة.
ينتحر يزن في ظروف غامضة، فتكمل نور إعداد الفيلم، وتقوم بنشره على اليوتيوب. ويشاهد أنس -ابن خالة يزن – الفيلم، فيشعر بالصدمة، وهو الطبيب النفسي الذي يعالج الناس من صدماتهم، لم يستطع تجاوز فظاعة ما شاهده من مشاهد بشعة!. فقام بالبحث واكتشف أن ما تطبقه مخابرات الأسد من تعذيب وانتهاك للإنسانية مستوحى من النظام الألماني النازي المسمى بالشتازي.
العنوان "بيت خالتي" يوحي للوهلة الأولى بالهدوء والاستقرار، مكان دافئ يشعر صاحبه بالطمأنينة والراحة، لكن ما كان هنا عكس ذلك.. مكان يوحي بالوحشة والخوف، إنه السجن!. اللقب أطلقه السوريون على هذا الأخير، ليقصدوا به بيت الرعب والخوف، بيت القيود، بيت الجوع والوسخ، بيت الإهانات والعذابات، بيت اللارحمة واللاإنسانية، بيت…
تقدم هاتان الروايتان جانبًا من أبشع الصور التي جسدتها السجون السورية، ولكن عندما سقط نظام الأسد، وكُشف المستور وفُتحت أبواب وخنادق المعتقلات، وجد العالم نفسه أمام سيل من المشاهد المرعبة والفظيعة، التي لم تستطع الحروف ولا الكلمات إيصالها بشكل دقيق وحي.
كُتبت روايات كثيرة في إطار أدب السجون في العالم العربي، وسوف تُكتب أخرى بحبر الدم والذل والمعاناة واللارحمة التي عايشها المعتقلون في غياهب السجون العربية، لتبقى وصمة عار يخلدها التاريخ.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.