بعد أن تمّ الإعلان رسميًا عن اتفاقية وقف إطلاق النار في قطاع غزة، يمكن لنا أن نتناول الأبعاد السياسية، والإستراتيجية، والإنسانية، والآفاق المستقبلية، ليس فقط من وراء الإعلان عن تلك الاتفاقية، لا بل وما حدث خلال فترة الحرب التي تلت حادثة السابع من أكتوبر/ تشرين الأول، وحتى الإعلان عن اتفاقية وقف إطلاق النار تلك منتصف شهر يناير/ كانون الثاني من العام الجاري.
ولا بد أن أُشير هنا إلى صدق توقعاتي السابقة بأن تلك الحرب لن تتوقف قبل نهاية العام 2024؛ لأسباب أوردتها في مقالات سابقة بإسهاب.
إن هدف الحكومة الإسرائيلية من وراء إطالة أمد تلك الحرب كان تحقيق أهداف سياسية داخلية وخارجية، منها المحافظة على بقاء الحكومة اليمينية في إسرائيل لأطول فترة ممكنة، ما يعني ضمان عدم انعقاد الانتخابات قبل موعدها
من الواضح أن التوقيع على تلك الاتفاقية، التي ترتكز على مبادرة الرئيس الأميركي بايدن التي قدمها في شهر مايو/ أيار من العام 2024، إنما جاء نتيجة ضغوط كبيرة قام بها الرئيس الأميركي المنتخب ترامب، الذي ككل رجال الأعمال في العالم لا يحب الحروب، والذي يود التفرغ لملفات داخلية وخارجية أكثر أهمية بالنسبة له، إضافة إلى جهود حثيثة قام بها الوسطاء العرب والدوليون.
ومن خلال دراسة الأبعاد السياسية، والإستراتيجية، والإنسانية لما حدث خلال فترة الحرب تلك يمكن القول إن نتائجها على مستوى البعد الإنساني كانت كارثية على الفلسطينيين والفلسطينيات المقيمين والمقيمات في قطاع غزة الحبيب، وفي الضفة الغربية وشرقي القدس كذلك.
ليس فقط بسبب عدد الضحايا الكبير في قطاع غزة الحبيب الذي وصل إلى 50 ألف إنسان، و110 آلاف جريح، وعشرات الآلاف ربما من المفقودين الذين اختفت آثارهم، أو تحللت أجسادهم، مع عدم قدرة طواقم الإسعاف والإنقاذ على الوصول إليهم تحت الأنقاض، وإنما أيضًا بسبب اعتقال 7 آلاف شخص من قطاع غزة، والضفة الغربية، وشرقي القدس، وفقًا للتقارير الإعلامية ذات العلاقة.
ناهيك عن نزوح معظم سكان القطاع من أماكن سكناهم إلى أماكن أخرى اعتقادًا منهم أنها أكثر أمنًا وأمانًا، وخروج معظم مستشفيات قطاع غزة من الخدمة، وضياع عامين دراسيين من أعمار طلاب وطالبات قطاع غزة، ما أدى إلى تجهيل أبناء وبنات الشعب الفلسطيني في قطاع غزة المشهود لهم بالذكاء، وحب العلم، والرغبة في التعلم.
إضافة إلى تدمير أو تضرر معظم البنايات والمنازل والمساجد والكنائس والمدارس والجامعات في قطاع غزة. ولا يفوتنا الإشارة هنا إلى انتشار المجاعة في قطاع غزة نتيجة تلك الحرب المجنونة، غير محسوبة العواقب الإنسانية.
من ناحية البعد الإستراتيجي، كان الهدف توظيف تلك الحرب من أجل تحقيق أهداف بعيدة المدى، ليس أقلها إعادة رسم خريطة الشرق الأوسط جغرافيًا، وسياسيًا، وعسكريًا
ومن ناحية البعد السياسي، نستطيع القول؛ إن هدف الحكومة الإسرائيلية من وراء إطالة أمد تلك الحرب كان تحقيق أهداف سياسية داخلية وخارجية، منها المحافظة على بقاء الحكومة اليمينية في إسرائيل لأطول فترة ممكنة، ما يعني ضمان عدم انعقاد الانتخابات قبل موعدها المقرر العام القادم، وتعزيز تماسك ما يسمى "الجبهة الداخلية" في مواجهة خصوم الداخل والخارج.
أما الأهداف السياسية الخارجية فيمكن القول إن أهمها يكمن في إضعاف دور إيران وحلفائها، وفرض معادلات وتوازنات قوة جديدة في المنطقة.
ومن ناحية البعد الإستراتيجي، كان الهدف توظيف تلك الحرب من أجل تحقيق أهداف بعيدة المدى، ليس أقلها إعادة رسم خريطة الشرق الأوسط جغرافيًا، وسياسيًا، وعسكريًا، ما قد يساهم في توسيع اتفاقات السلام الأبراهامية مع دول عربية، وغير عربية، أخرى.
ولا بد من الإشارة إلى أن الاتفاقية المذكورة، وإن كانت تؤدي إلى إنهاء الحرب بضمانة إقليمية ودولية، إلا أنها تتناول مسائل أولية، على أهميتها، مثل وقف الاعتداءات وانسحاب القوات الإسرائيلية من قطاع غزة على مراحل، والسماح بعودة المواطنين والمواطنات إلى شمال قطاع غزة وفق آلية مراقبة معينة متفق عليها، وإدخال مزيد من المساعدات الإنسانية.
ولا تتناول القضايا السياسية الرئيسة كإقامة دولة فلسطينية مستقلة، ما يشمل المسائل الخلافية ذات العلاقة بالقدس، واللاجئين، والحدود، وغيرها.
وسوف تكون الفرصة مواتية الآن أكثر من أي وقت مضى لإنهاء الانقسام البغيض، تمهيدًا لإجراء انتخابات رئاسية وتشريعية في الأراضي الفلسطينية المحتلة، أي الضفة الغربية، وقطاع غزة، وشرقي القدس، ما قد يُشَكّل لَبِنَة أساسية في بناء الدولة الفلسطينية المنشودة وعاصمتها القدس الشريف.
وربما يؤدي ذلك إلى امتداد تجربة الحكم في قطاع غزة إلى الضفة الغربية نتيجة حالة التعاطف الشعبي مع قطاع غزة خلال الفترة الماضية، ونتيجة عدم قدرة المواطنين والمواطنات في قطاع غزة على ممارسة حقهم في الانتخاب؛ بسبب الأوضاع المأساوية التي يعيشونها ويعايشونها.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.