شعار قسم مدونات

الأيام دول: تأملات من غرناطة إلى الحاضر

لا غالب إلا الله مواقع التواصل إسبانيا
نقوش لعبارة "لا غالب إلا الله" على جدران قصر الحمراء في مدينة غرناطة الإسبانية (الجزيرة)

منذ فترة قريبة تجولت في شوارع غرناطة، وألقيت نظرة على قصر الحمراء الذي كان يومًا تاج حضارتنا الإسلامية، وذروة الفن المعماري الإسلامي.. شعرت بثقل الزمن وتبدل الأحوال؛ غرناطة التي كانت حاضرة العلم والجمال، وتركت لنا إرثًا شاهدًا على مجد عظيم، شابه الإهمال لعقود طويلة خلال الحقبة المظلمة التي طالتها، فكيف يسمحون ببقاء مَعلم شاخص يذكّر "الفرنجة" بالمسلمين وحضارتهم.

كيف أصبح الماضي الذي كنا نفخر به مجرد ذكرى، بينما يُحتفى بالحاضر الذي قد يكون معيبًا في مضمونه وقيمه؟ الإجابة تكمن ربما في إهمالنا لذاتنا، وتفريطنا في إرثنا الثقافي والحضاري

هذه المشاهد أثارت عندي الكثير من الخواطر حول دوران الأيام وتحولات الأزمان؛ فـ"الأيام دول؛ يوم لك ويوم عليك، ولو دامت لغيرك لما وصلت إليك".. حكمة تلخص كيف تتبدل القوى والحضارات، وتتقلب الحظوظ والأقدار وفق سنن كونية لا محيد عنها. يقول الحق جلّ وعلا: {وإن تتولَّوا يستبدل قومًا غيركم}؛ فعندما تفقد الأمّة وعيها بحقيقة دورها وطبيعة رسالتها وقيمتها يكون زوالها.

رأيت مؤخرًا كيف استُقبل وزير من الكيان الصهيوني بحفاوة كبيرة في إحدى الدول العربية، وكيف كان العلم الصهيوني حاضرًا يرفرف في المكان. وفي المقابل، عندما استُقبل وزير سوري غاب العلم السوري كأنه جزء من هوية منسية!. سوريا ذات التاريخ العريق ومهد الحضارات لا يُحتفى بها كما يجب.. هذه المفارقة لا تعكس فقط التغيير في المواقف السياسية، بل تعبر عن أزمات أعمق تتعلق بالهوية والقيم.

إعلان

كيف وصلنا إلى هنا؟ كيف أصبح الماضي الذي كنا نفخر به مجرد ذكرى، بينما يُحتفى بالحاضر الذي قد يكون معيبًا في مضمونه وقيمه؟ الإجابة تكمن ربما في إهمالنا لذاتنا، وتفريطنا في إرثنا الثقافي والحضاري، وهو ما حدث لمسلمي الأندلس حين سقطت غرناطة، ويحدث الآن في تفاصيل الحاضر.

الأمل موجود دائمًا، فكما استعاد قصر الحمراء بعضًا من بريقه بعد سنين طويلة، يمكن لأمتنا أن تستعيد قيمتها إذا عادت إلى مبادئها الراسخة وأحيت الروابط الحقيقية التي تجمعها

دروس من الماضي للحاضر

قصر الحمراء لم يسقط في يوم وليلة، بل كان سقوطه نتيجة عقود من الانقسامات والإهمال، تمامًا كما أن التغيرات التي نراها اليوم لم تأتِ فجأة.. إنها نتيجة تراكمات من التنازل عن القيم والمبادئ في مقابل المصالح.

لكن الأمل موجود دائمًا، فكما استعاد قصر الحمراء بعضًا من بريقه بعد سنين طويلة، يمكن لأمتنا أن تستعيد قيمتها إذا عادت إلى مبادئها الراسخة وأحيت الروابط الحقيقية التي تجمعها، وكانت أمة علم وعمل، أمة نخوة وعزة وكرامة، أمة نصرة للمظلوم وإغاثة للملهوف.

ختامًا، الأيام دول، ونحن في زمن لا تُسمع فيه إلا كلمة القوي، وبين الحفاوة التي تُمنح للأقوياء اليوم وبين استعادة الماضي المجيد، تكمن مسؤوليتنا في صنع حاضر نفخر به.

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.


إعلان