شعار قسم مدونات

الأردنيون والشأن الخارجي: ظاهرة تستحق التوقف عندها

الأردنيون يحتشدون بالأغوار غد الجمعة دعما للشعب الفلسطيني ومقاومته
الأردنيون يحتشدون دعما للشعب الفلسطيني ومقاومته (الجزيرة)

عند تصفح وسائل التواصل الاجتماعي في الأردن، لن يحتاج المرء إلى الكثير من الوقت ليلاحظ حجم التفاعل الكبير للأردنيين مع الأحداث في الدول المجاورة.

ليس مجرد تفاعل عابر أو اهتمام عادي، بل يبدو أحيانًا وكأن الأردنيين- مثلًا- معنيون بالشأن الداخلي لتركيا أكثر من الأتراك أنفسهم، وبالسياسة السورية أكثر من السوريين، وبما يحدث في فلسطين، والعراق، وكأنها شؤونهم الخاصة.

هذا التفاعل يتجاوز أحيانًا حدود الاهتمام ليصل إلى تقديم النصائح، والتحليل السياسي، وأحيانًا إلى اقتراح "من يجب أن يحكم"، أو كيف تُدار أمور هذه الدول.

في المقابل، إذا ما نظرنا إلى شعوب تلك الدول، نجد أن اهتمامهم بالشأن الأردني يكاد يكون معدومًا، بل وحتى اهتمامهم بشؤونهم الداخلية لا يظهر بنفس الحدة والزخم الذي يبديه الأردنيون.

هذا التباين يطرح سؤالًا مشروعًا: لماذا يهتم الأردنيون بالشأن الخارجي بهذا الشكل الكبير؟ وما الذي يجعلهم ينشغلون بقضايا الآخرين أكثر من قضاياهم؟

تاريخيًا، ارتبط الأردن بقضايا الأمة العربية، هذا البعد لا يزال حاضرًا، لكنه أصبح أحيانًا ينحرف عن التضامن النبيل ليصل إلى التدخل في شؤون الغير

لماذا هذا الاهتمام؟

الأردن، بحكم موقعه الجغرافي والسياسي، وجد نفسه دائمًا في قلب الأحداث الإقليمية، ومن الطبيعي أن يتأثر الأردنيون بما يجري حولهم.. القضية الفلسطينية، على سبيل المثال، ليست مجرد قضية جيران، بل هي جزء من الوجدان الأردني. ومع ذلك، هناك عوامل أخرى تجعل الأردنيين يتخطون حدود التضامن المشروع إلى التفاعل المكثف مع شؤون الآخرين:

إعلان
  • غياب التفاعل المحلي الجاد: ضعف الحضور السياسي المحلي، وغياب النقاشات المؤثرة حول القضايا الداخلية، يدفع البعض للبحث عن بدائل؛ فيجدون في الشأن الخارجي مساحة أوسع للتعبير عن الرأي والنقد والتحليل.
  • الهروب من الواقع الداخلي: التحديات الاقتصادية والاجتماعية التي يعيشها المواطن الأردني قد تدفعه إلى الانشغال بقضايا خارجية، كنوع من الهروب من مواجهة الواقع المحلي.
  • وسائل التواصل الاجتماعي: منصات التواصل أعطت الجميع فرصة للتعبير عن آرائهم في كل القضايا.. البعض يجد في التعليق على شؤون الآخرين فرصة لاستعراض قدراته التحليلية أو جذب الانتباه.
  • الانتماء العروبي: تاريخيًا، ارتبط الأردن بقضايا الأمة العربية، هذا البعد لا يزال حاضرًا، لكنه أصبح أحيانًا ينحرف عن التضامن النبيل ليصل إلى التدخل في شؤون الغير.

هل من سلبيات؟

رغم أن الاهتمام بما يجري في محيطنا الإقليمي أمر مفهوم ومشروع، فإن الإفراط فيه له آثار سلبية واضحة:

  • إهمال القضايا المحلية: الانشغال بما يحدث في سوريا أو تركيا لن يحل المشكلات الاقتصادية والمعيشية داخل الأردن.
  • التوتر المجتمعي: التفاعل الزائد مع شؤون الآخرين قد يقسم المجتمع الأردني نفسه بين مؤيد ومعارض.
  • الصورة النمطية: يظهر الأردنيون في بعض الأحيان وكأنهم "ناقدون دائمون" لشؤون غيرهم، وهذا قد يترك انطباعًا سلبيًّا.

الأردنيون شعب واعٍ ومثقف، لكن الانشغال الزائد بالشأن الخارجي قد يضر أكثر مما ينفع.. لا بأس أن نهتم بما يجري في جوارنا، لكن علينا أن نتذكر دائمًا أن الأردن أولى بجهودنا وأفكارنا

كيف نعيد البوصلة نحو الداخل؟

الحل لا يكمن في الانغلاق عن العالم الخارجي، بل في إعادة ترتيب الأولويات. الأردن بحاجة إلى أن يولي مواطنوه قضاياهم المحلية الاهتمام الأكبر، دون أن يفقدوا التضامن مع أشقائهم.

  • تعزيز الوعي المحلي: مؤسسات الإعلام والمجتمع المدني مطالبة بتسليط الضوء على القضايا المحلية التي تحتاج إلى نقاش وحلول.
  • إعادة الثقة في العمل السياسي: عندما يشعر المواطن بأن لصوته تأثيرًا في الداخل، سيتحول تلقائيًا إلى الاهتمام بشؤون بلده.
  • خطاب متوازن على منصات التواصل: يجب أن يتبنى الأردنيون خطابًا موضوعيًّا يعكس التضامن لا التدخل، والنقاش لا الفرض.
إعلان

الأردنيون شعب واعٍ ومثقف، لكن الانشغال الزائد بالشأن الخارجي قد يضر أكثر مما ينفع.. لا بأس أن نهتم بما يجري في جوارنا، لكن علينا أن نتذكر دائمًا أن الأردن أولى بجهودنا وأفكارنا. إن إعادة البوصلة نحو الداخل تعني أن نصبح أكثر قدرة على التأثير إيجابيًّا في محيطنا من منطلق قوة وتماسك داخلي.

فالاهتمام بما يحدث في العالم يجب ألا يكون على حساب قضايا الوطن؛ فالوطن بحاجة إلى كل كلمة، وكل جهد، وكل فكرة.

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.


إعلان