شعار قسم مدونات

سوريا الثورة: مستقبل مليء بالفرص

لقاء جمع القائد أحمد الشرع مع الفصائل العسكرية نوقش فيه شكل المؤسسة العسكرية في سوريا الجديدة - ادارة العمليات العسكرية عبر تلغرام
القائد أحمد الشرع مع الفصائل العسكرية السورية (مواقع التواصل)

لا نعرف ما الذي قد يحدث غدًا في سوريا، ولكننا نعرف ما حدث وما يحدث الآن، أو نعرف جزءًا منه على الأقل، ونعرف بالتأكيد ما يريده أغلب الشعب السوري، وهو الحرية.

إن السنوات الثلاث عشرة الماضية، التي دفع السوريون خلالها ثمن التخلص من الطغيان، كانت مليئة بالمعاناة الهائلة والصمود، والالتزام الثابت بطموحاتهم، وبالتالي يجب ألا تخان. ولتحقيق التطلعات، لا بد من أن يستفيد الشعب السوري من الدروس الماضية، وأن يتمسك بالتحولات التي حدثت، والتي لا تزال تحدث، حتى لا ينهار السقف فوق رؤوس الجميع.

لضمان مكاسب الثورة وجعلها تشمل الكل من السوريين، يجب توزيع السلطة بطريقة تُطمئن جميع فئات المجتمع. إذ يمكن مثلًا أن يستلهم الشعب نموذجًا حكوميًّا جديدًا من الأنظمة السياسية في لبنان والعراق

التعلم من الثورات السابقة

تعد الدروس المستفادة من الثورات السابقة في الربيع العربي حاسمة للسوريين وهم يعبرون من هذا المشهد الضبابي؛ فعلى عكس الانتفاضات الأخرى، التي شهدتها دول الربيع العربي، والتي وقعت لاحقًا في أخطاء عدة، من الهام للسوريين تجنب تكرار ما جرى في تلك الدول.

توزيع السلطة من أجل الاستقرار

ولضمان مكاسب الثورة وجعلها تشمل الكل من السوريين، يجب توزيع السلطة بطريقة تُطمئن جميع فئات المجتمع. إذ يمكن مثلًا أن يستلهم الشعب نموذجًا حكوميًّا جديدًا من الأنظمة السياسية في لبنان والعراق، بحيث تُجند نقاط القوة في كلا النظامين لإنشاء نظام حكم فريد لسوريا، بحيث يكون هناك فرضًا دولة رئيسها درزي ونائبه مسيحي، ورئيس برلمانها علوي أو شيعي، ورئيس وزرائها سني ونائبه كردي. إن مثل هذا التوزيع لن يعكس النسيج السوري الغني بالأعراق والطوائف فحسب، بل سيعزز أيضًا شعور الأمان بين جميع الفئات. سيسمح هذا النهج الشامل بإدارة فعالة، حيث يكون لكل صوت وزن، فيرى كل مجتمع نفسه منعكسًا في الدولة.

إعلان

كما سيكون الحوار بين المجموعات المتنوعة أمرًا أساسيًّا لبناء الثقة وتعزيز التعاون. يجب أن تعطي الحكومة السورية الجديدة الأولوية لجهود المصالحة التي تعالج الشكاوى، لتخفيف التوترات الطائفية مع تعزيز الهوية الوطنية المشتركة على حساب الانتماءات المختلفة، خاصة أن الحوار لن يعزز التماسك الداخلي فحسب، بل سيعزز أيضًا مكانة سوريا على الساحة الدولية كدولة ملتزمة بالمبادئ الديمقراطية.

تفتح رغبة الولايات المتحدة في حل القضايا العالقة عالميًّا -خاصة في الشرق الأوسط وأوكرانيا- نافذة لإعطاء الأولوية للاستقرار في سوريا

دور القوى الإقليمية والدولية

تتقاطع عدة عوامل إقليمية ودولية لخلق بيئة مواتية لازدهار سوريا واستقرارها على المدى الطويل؛ إذ تدرك قطر وتركيا، كلاعبين محوريين في سوريا الجديدة والإقليم، الإخفاقات السابقة في دول الربيع العربي، وهما مصممتان على عدم تكرار تلك الخسائر الإستراتيجية؛ فترى كلتا الدولتين قيمة في الحفاظ على سوريا موحدة، حيث يعزز ذلك موطئ قدمهما السياسي في المنطقة.

علاوة على ذلك، فإن الشركات القطرية والتركية حريصة على الاستثمار في مختلف القطاعات داخل سوريا، وقد يتوازى ذلك مع اهتمام قوي من قبل الشركات العربية والغربية التي تبحث عن فرص وسط جهود إعادة الإعمار. ولذا، قد يرى المجتمع الدولي ضرورة لدعم هذه الجهود القطرية التركية؛ لضمان عدم انزلاق سوريا مرة أخرى إلى الفوضى.

وتفتح رغبة الولايات المتحدة في حل القضايا العالقة عالميًّا -خاصة في الشرق الأوسط وأوكرانيا – نافذة لإعطاء الأولوية للاستقرار في سوريا. فمع تحول واشنطن نحو مواجهة الصعود الاقتصادي للصين، تدرك أن سوريا المستقرة يمكن أن تخفف من التوترات الإقليمية الأوسع، بينما تسمح لها بالتركيز على الأولويات الإستراتيجية في أماكن أخرى.

كما أن التزام المجتمع الدولي بتنفيذ القرار 1701- المصمم للاستقرار في لبنان بعد النزاع الأخير- يؤكد أيضًا الحاجة إلى الاستقرار على حدوده مع سوريا. وبالتالي، يمكن أن تُعرض أي اضطرابات داخل سوريا بنود هذا القرار للخطر، وهو أمر ستعارضه أميركا بشكل جذري في سعيها لتحقيق التوازن الإقليمي.

إعلان

من دون أن ننسى دولًا غربية عدة، بدأت في تجميد طلبات اللجوء، بينما تستعد لعودة السوريين إلى "المناطق الآمنة" داخل وطنهم. كل هذه التحولات تشير إلى عدم الرغبة في تكرار أزمات اللجوء السابقة، ما يبرز مصلحة كبيرة في الحفاظ على الاستقرار داخل سوريا نفسها.

إن مستقبل سوريا مليء بالتحديات ولكنه مليء أيضًا بفرص التجديد. ولذا يجب على الشعب أن يتوحد لبناء هيكل حكومي يعكس هوياتهم، ما يضمن الاستقرار والسلام والحرية لكل المواطنين. وعلى هذا الأساس يجب أن يستفيد السوريون من تجارب الماضي.

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.


إعلان