عند وقوع هجوم في مكان ما في أوروبا – وهنا نتحدث تحديدًا عن ألمانيا – فإننا نرى ردود فعل متفاوتة عند الناس، تعتمد على الصورة النمطية التي تكوّنت في ذهن المتلقي في السنوات الماضية، لمن يقوم بهجمات عنف وإرهاب.
يعود سبب ذلك إلى أحد أمرين: أولهما تجربة مباشرة عاشها ذلك الشخص مع مجموعة معينة من الناس تختلف عنه في الثقافة والدين، وربما أيضًا المظهر الخارجي، وثانيهما قد يكون حالة تراكمية؛ بسبب تصريحات أو ندوات عامة لسياسيين وصنّاع رأي، تكرس تلك الصورة النمطية من خلال إطلاق الأحكام المسبقة، بل واستغلال أحداث وقعت بالفعل وإسقاطها على ما قد يحصل مستقبلًا.
تتوالى نظريات مختلفة عن أسباب ودوافع مرتكب الجريمة، فمنها التي لا تصدق فعلًا أنه يكره الإسلام وأنه ضد المهاجرين، وترى أنه يمارس مبدأ التقية، ومنها التي ترى أنه تربى على هذا النوع من العنف
وهنا يكتمل القالب فيصبح جاهزًا لاستقبال أي حدث قد يحصل، بغض النظر عن دوافع مرتكبيه أو معطياته، ليستنفر غرائز الإنسان المتلقي باحثًا عن مسؤولٍ عما حدث، ليتخلص من الخوف الذي يعتريه أو الكره الذي يحمله معه.
ولا يختلف بعض السياسيين في ذلك عن العامة، إلا أنهم قد يضطرون لإطلاق تصريحات سريعة، لإعطاء انطباع لناخبيهم بأنهم يسيطرون على الأمور، وهذا يؤدي في كثير من الأحيان إلى تبني تلك الصورة النمطية عن الإسلام والمسلمين اعتمادًا على أحداث سابقة، وأيضًا – بالطبع- زيادة الخوف والتوجس من كل ما له علاقة بالإسلام.
تحديدًا رأينا ذلك في كيفية تعامل رئيس وزراء الولاية التي حدثت فيها جريمة الدهس مؤخرًا، الذي ذكر من مكان الحدث بعد وقت قصير من حدوثه أنه سعودي الجنسية، وكأن الجنسية عامل مهم في دوافع هذا العمل الشنيع، ولعله عرف أن مرتكب هذه الجريمة هو إنسان كاره للإسلام والمسلمين، وهو ضد المهاجرين ومن أنصار الحزب اليميني المتطرف "البديل الألماني".
تتوالى فيما بعد نظريات مختلفة عن أسباب ودوافع مرتكب الجريمة، فمنها التي لا تصدق فعلًا أنه يكره الإسلام وأنه ضد المهاجرين، وترى أنه يمارس مبدأ التقية، ومنها التي ترى أنه تربى على هذا النوع من العنف لكونه نشأ في بلد مسلم، وفي كلتا الحالتين تتوجه أصابع الاتهام إلى الإسلام والمسلمين، إلا من بعض عقلاء المجتمع الألماني، الذين يرون إمكانية كونه مريضًا نفسيًا.
ولكن في كل الحالات لم يتم وصم هذه الجريمة بالعمل الإرهابي، وكأن هذه الصفة حكر على من يرتبط في التصور العام بالجناة المسلمين، أو الذين يعتنقون الإسلام، أو يُنظر إليهم على هذا النحو.
الخوف من الدين – وتحديدًا الإسلاموفوبيا -، والشك في نوايا المتدينين، موجود كذلك في أذهان بعض المهاجرين وأبنائهم
من الأهمية بمكان أن نعلم أن كل شرائح المجتمع يمكن أن تتأثر بذلك، وليست فئات من المهاجرين في الدول الأوروبية بمنأى عن ذلك لاختلاف المعتقدات الدينية أو الانتماءات الثقافية والعرقية؛ فنرى أن الخوف من الدين – وتحديدًا الإسلاموفوبيا-، والشك في نوايا المتدينين، موجود كذلك في أذهان بعض المهاجرين وأبنائهم.
عندما ننظر إلى مجتمعاتنا الشرقية، وخاصة العربية منها، نرى أيضًا مدى تنوعها في النظر إلى الموضوعات المختلفة ومنها الدين، وتحديدًا الإسلام، بل نرى كذلك الإسلاموفوبيا التي تم استيراد بعضها من خلال تبني المصطلحات الغربية في وسائل إعلامنا العربية، أو إبراز ذلك الخوف من الدين وما قد يجره التشدد من ويلات على المجتمع، مع أن التشدد في كل النواحي سياسيًا ودينيًا وثقافيًا يمكن أن يخلق مصاعب جمة في حياة الناس.
وهذه النظرة كرسها مثلًا النظام الدكتاتوري البائد في سوريا، إما من خلال دعم جماعات متطرفة، أو حتى التخطيط لإحداثها وتنفيذها لبث الخوف والرعب في المجتمع السوري، وهذه الحقيقة لا تنفي وجود فكر متطرف وجماعات متشددة تؤمن بالعنف وسيلة وحيدة للتغيير.
هذه النظرة بطبيعة الحال تخدم كل الأيديولوجيات أو التوجهات السياسية، التي ترى فيما تسميه "الإسلام السياسي" خطرذًا عليها، لأنها تؤصل للرفض لكل مجموعة أو حزب يمكن أن يوصف بأنه من مروجي الإسلام السياسي، للاستفادة من ذلك في الانتخابات أو حتى قمع من يمكن أن ينافس على مناصب سياسية، وهنا يبدأ الإقصاء الذي لا يتناسب مع دولة ديمقراطية عليها أن تستوعب كل التوجهات السياسية الشعبية.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.