لكلّ مستبدّ نهاية، وقد تختلف النهايات من مستبدّ إلى آخر، لكن الحقّ ينتصر مهما طال الزمن؛ فهذا وعد الله جلّ جلاله.
ولنا في العالم أمثلة عديدة، ولأننا نعيش في بقعة جغرافية مليئة بالصراعات السياسية المعقدة، لا بد لنا من التذكير بسقوط بعض الأنظمة العربية، مثل: صدام حسين، ومعمر القذافي، وعمر البشير، الذين مارسوا أبشع أنواع القمع والتنكيل بشعوبهم لعقود من الزمن، لكنهم في النهاية رحلوا تاركين وراءهم قصصًا مأساوية خلدها التاريخ في صفحاتهم المليئة بالدم.
سقط طاغية العصر ونظامه الدموي الذي جلب جميع شذاذ الآفاق، وجلب لبلاده الأنظمة القمعية الأسوأ صيتًا، فقط لأننا تفوهنا بالمطالبة بالحرية، وجعلَنا مهجرين في كل بقاع الأرض
شعوبهم التي ذاقت الويلات من بطشهم كانت وما تزال تأمل أن ترى المستقبل بحُلة جديدة، يسودها العدل والحرية بعد التخلص من المستبدين، بل صارت تلك الشعوب تتحسر على الماضي المرير، لأن الواقع الذي تعيشه أصبح مجهولًا يسوده الخوف في أوطان مزّقتها الحروب والطائفية، لدرجة أن الأمان أصبح حلمًا يصعب التكهن به.
وإذا نظرنا إلى السبب الحقيقي وراء آلام هذه الشعوب، نجد أن من قادوا سفن التغيير في هذه البلدان لم يقلبوا صفحات الماضي، بل عاشوا بعقليته ليكونوا أدوات تتحكم بها دول إقليمية ودول كبرى، توجّههم حسب مصالحها؛ فالتغيير وبناء الدولة المدنية بحاجة إلى عقول وطنية، تنشر ثقافة التسامح والتعايش بين جميع مكونات الشعب أولًا.
لكن، ولأننا شعوب تغلب عليها العاطفة القومية والمذهبية التي زرعها المستبدون لعقود طويلة في عقولنا، بسياستهم الوحشية التي تتلخص في "فرق تسد"، جعلونا نفتقد الإحساس بالوطنية، أو – بعبارة أصح- لا نعرف معنى الوطن.
ولأنّ هذه العقلية الرجعية جعلت من تلك الدول مسرحًا دمويًا لصراعات داخلية بأيادٍ خارجية هدفها تحقيق مصالحها ومشاريعها، فإنه يتوجب علينا نحن – السوريين – بجميع مكوناتنا وطوائفنا أن ننشر ثقافة الحوار والتسامح فيما بيننا، لنبدأ معًا ببناء مستقبل مشرق لوطن جريح مزقته الحرب لسنوات طويلة مضت.
إن لم نطوِ صفحة الماضي، ولم نتحلَّ بالعقلانية والمحبة، فسوف نسلك طريق المجهول مجددًا، وقد نجعل شعبنا يتحسر ندمًا على رحيل الطاغية ويتباكى عليه، وحينها تصبح سوريا الجريحة أكثر تمزقًا
نعم، سقط طاغية العصر ونظامه الدموي الذي جلب جميع شذاذ الآفاق، وجلب لبلاده الأنظمة القمعية الأسوأ صيتًا (إيران وروسيا وزبانيتهما) فقط لأننا تفوهنا بالمطالبة بالحرية، وجعلَنا مهجرين في كل بقاع الأرض، علاوة عن قتل العباد وتدمير البلاد وتفتيتها بكل وحشية وعُنجهية، ولم يبقَ نوع من أنواع التعذيب والتنكيل إلا ومارسه بحق شعبه، من براميل متفجرة وأسلحة محرمة دوليًا.
والكلمات وحدها لا تكفي لتعبر عن آلام ومآسي شعبنا، وبالرغم من كل تلك المآسي، لا بد لنا من ألا ننجرّ إلى الانتقام والثأر ممن لم تتلطخ يداه بالدماء، ومن تلطخت يداه بدماء شعبنا فيحاكم بالقانون وينال جزاءه العادل.
لنجعل من ثورتنا مثالًا يحتذى به أمام العالم أجمع، ولنبتعد عن إطلاق التهم والتحريض على القتل وسفك الدماء لمجرد أن شخصًا ما ينتمي إلى طائفة أو مذهب أو قومية معينة، أو لمجرد أن آراءه تختلف عن آرائنا، ولنحذر الانسياق وراء خلق العداوات مع دول عربية أو أجنبية بحجة أنها كانت تقف في صف النظام البائد؛ فالسياسة لا تبنى بالعواطف، بل بتحدي الواقع وتصحيح المسار، ووضع مصلحة الوطن والمواطن في المقدمة.
وها قد عمّ الفرح أرجاء سوريا بسقوط نظام المجرم الأسد وعائلته، الذي امتد لأكثر من خمسين سنة.. فانشروا الطمأنينة في قلوب من كان يختلف معكم فكرًا، لأنهم إن نالوا الحرية فأنتم لكم الشرف بنيل الحرية والكرامة معًا.
لكن إن لم نطوِ صفحة الماضي، ولم نتحلَّ بالعقلانية والمحبة، فسوف نسلك طريق المجهول مجددًا، وقد نجعل شعبنا يتحسر ندمًا على رحيل الطاغية ويتباكى عليه، وحينها تصبح سوريا الجريحة أكثر تمزقًا.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.