كثير من العادات الاجتماعية والتقاليد تتغيّر بسبب تغير الظروف الزمانية والمكانية؛ وعندما نتحدث عن العادات الاجتماعية، نقصد بها تلك التي شاعت بين الناس واعتادوا عليها، وسكتت عنها الشريعة الإسلامية، سواء في القبول أو الرفض.
لذلك، توجد عندنا جملة كبيرة من العادات والتقاليد التي لم تتدخل الشريعة الإسلامية فيها قبولًا أو رفضًا، وإنما تركتها تبعًا للذوق والرأي المجتمعي العام في القبول والرفض، منها عادات اللباس والطعام، والمظهر الخارجي للإنسان، والحياة اليومية.. وقد اكتفت الشريعة الإسلامية بوضع ضوابط عامة لها، حتى لا تتحول هذه العادات إلى أمور مخلّة بالآداب والحياء.
لباس الناس يحكمه الذوق العام، فاللباس ولونه بالنسبة للنساء والرجال يخضعان للذوق العام المجتمعي، فلون السواد -مثلًا- الذي تراه مقبولًا في مجتمع، ستراه مرفوضًا في مجتمع آخر لا يلبس السواد، طبعًا مع مراعاة الضوابط العامة للشريعة
ولذلك، فإن هذه العادات يحكمها الذوق العام المجتمعي، الذي يتكون في المجتمع عبر عشرات السنوات، وهو يتشكل من خلال اعتياد الناس على شكل أو عادة ما، دون أن يكون هناك مبرر لذلك الاعتياد، ومن هنا سميت العادة عادة، وهذا الذوق العام المجتمعي يحكم عليها بالقبول أو الرفض. وبالمناسبة، كثير من هذه العادات لا تخضع لمعايير القياس والقواعد العامة، لذلك فإن ما تراه مقبولًا في مجتمع من المجتمعات قد تراه مرفوضًا في مجتمع آخر، وما يراه مجتمع من المجتمعات جميلًا قد يراه مجتمع آخر قبيحًا، وسأضرب لذلك بعض الأمثلة.
لباس الناس يحكمه الذوق العام، فاللباس ولونه بالنسبة للنساء والرجال يخضعان للذوق العام المجتمعي، فلون السواد -مثلًا- الذي تراه مقبولًا في مجتمع، ستراه مرفوضًا في مجتمع آخر لا يلبس السواد، طبعًا مع مراعاة الضوابط العامة للشريعة، فهذه الضوابط لا تختلف.. وكذلك من العادات -مثلًا- إمساك المسبحة باليد، هي عادة ستكون مقبولة في مجتمع ومرفوضة في مجتمع آخر، وكذلك وضع السماعات على الأذن في الشوارع. وكثير من العادات لو نظرنا إليها وقارنا فيها بين مجتمع وآخر، فسنجدها تخضع لموضوع الذوق المجتمعي العام، الذي يختلف من مكان لآخر، بل من مدينة لأخرى.
وكذلك يخضع هذا الذوق العام لتغييرات الزمان؛ فما هو مقبول في زمن من الأزمان سيكون مرفوضًا في زمن آخر، لخضوعه لهذه التغييرات الذوقية، وسأضرب مثالًا على ذلك الشعر الطويل للرجال؛ فبينما كان متعارفًا عليه في زمن من الأزمان، وكان عادة أهل التقوى، أصبح مرفوضًا في زمن آخر، وكنت قد خبرت ذلك في مدينتي، حيث كانوا ينظرون إلى من يطيل شعره نظرة استنكار!
وكذلك وضع القبعة على الرأس؛ فقد كان علامة على المروءة والعدالة في زمن من الأزمان، بل كان لا يؤخذ الحديث ممن هو حاسر الرأس، ثم تغير الزمان ولم تعد تلك العادة منتشرة في المجتمعات، بل أصبح وضع القبعة على الرأس أمرًا مستغربًا. وكذلك عادة الأكل في الشوارع، كانت مرفوضة في زمان، ثم أصبحت مقبولة في المجتمع ذاته بعد عشرات السنوات.
أمرتنا الشريعة الإسلامية بالالتزام بها ما لم تكن مخالفة للآداب العامة الخادشة للحياء، والتي جاءت الشريعة بتنظيمها
وهكذا كثير من العادات والتقاليد التي تخضع للاعتبارات الذوقية والمجتمعية العامة؛ وهذا ما يفسر قلة النصوص الشرعية المتعلقة بهذه المواضيع، وإنما اكتفت الشريعة بوضع القواعد العامة من ناحية الآداب واللباس والمظهر الخارجي في باب الحظر والإباحة، ثم أحالت جملة كبيرة من الأمور إلى الذوق المجتمعي العام. فقد قال تعالى: {خُذِ العَفو وَأۡمُر بِالعُرفِ وَأَعرِض عَن الجاهلِین} [سورة الأعراف:199]. فالعرف يحكم كثيرًا من الأمور المجتمعية ويعطيها حكم القبول أو الرفض.
المشكلة اليوم عندما يقوم كثير من الدعاة والناس ببحث عن هذه الأمور التفصيلية وحكمها في الشريعة الإسلامية، بالرغم أنّ الشريعة سكتت عن هذه الأمور، وأحالت الحكم عليها للمجتمع من حيث القبول أو الرفض؛ لذلك يستحسن ألا نسأل عن هذه الأمور كثيرًا في الشريعة، وإحالتها للعرف العام في المجتمع، والذوق العام، وهذا الذوق يتغير تبعًا لتغير المجتمعات والأزمنة والأمكنة.
وعليه، فإنّ تسويق هذه الأذواق على أنها من الشريعة وحكمها، وأن من يخالفها فاعل للمنكر، هو من الخطأ الكبير.. علمًا أنه لا بد من مراعاة الأذواق والأعراف العامة في المجتمعات، فقد أمرتنا الشريعة الإسلامية بالالتزام بها ما لم تكن مخالفة للآداب العامة الخادشة للحياء، والتي جاءت الشريعة بتنظيمها.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.