صاحب رسول الله، صلى الله عليه وسلم، العابد المجتهد، وأحد الأئمة الثلاثة في خلافة عمر، أوَّل من أسرج السراج في المساجد، وأوّل من قصّ فيها، وهو أحد علماء الصحابة الذين جمعوا القرآن على عهد رسول الله، وممن حفظوه، ومن قرائه المشهورين، والنصراني الذي أسلم.. إنه الصحابي الجليل تميم بن أوس الداري، رضي الله عنه وأرضاه.
أصبح تميم من مشاهير الصحابة وكبارهم، وبلغ هذه المكانة الرفيعة لمناقبه العديدة والتي كان من أبرزها أنه الشخص الوحيد الذي روى عنه النبي صلى الله عليه وسلم، وهو حديث الجساسة وما يتعلق بالدجال
اسمه ونسبه وكنيته
هو تميم بن أوس بن حارثة – وقيل خارجة – بن الدار بن هانئ بن حبيب بن نمارة بن مالك بن عدي – وهو لخم – بن الحارث بن مرة بن أدد، بن يشجب بن يعرب، بن زيد بن كهلان بن سبأ، ويكنى بـ"أبو رقية"، ورقية ابنته، لم ينجب غيرها، ونسبته الداري إلى الدار، أحد أجداده، وكان تميم قد تولى إمارة بيت المقدس لمدة (شراب، تميم بن أوس الداري، ص55).
إسلامه
وأما قصة إسلامه وتحوله من النصرانية، فقد ابتدأت في العهد المكي؛ حيث علم تميم من أحد الرهبان بمبعث رسول الله، صلى الله عليه وسلم. أورد ابن عساكر قول أبي هند الداري، أخي تميم: "قدمنا على رسول اللهِ صلى الله عليه وسلم بمكة ونحن ستة نفر: تميم بن أوس ونعيم بن أوس أخوه، ويزيد بن قيس، وأبو هند بن عبد الله وأخوه الطيب بن عبد الله، فسماه رسول اللهِ صلى الله عليه وسلم عبد الرحمن، وفاكِه بن النعمان، فأسلمنا.. ثم قال: انصرفوا حتى تسمعوا بي قد هاجرت، قال أبو هند: فانصرفنا، فلما هاجر رسول اللهِ صلى الله عليه وسلم إلى المدينة قدمنا عليه".
وفي رواية تميم، رضي الله عنه، أنه لما قدم المدينة طلب من رسول، الله صلى الله عليه وسلم، أن يعطيه أرضًا من الشام إذا أعطاه الله الأرض، فطلب الرسول، صلى الله عليه وسلم، منه أن يأتيه بمن يستطيع من قومه، وبالأخص أن قومه مع هرقل هم وباقي اللخميين وجذام والغساسنة، وكانوا يجتمعون في البلقاء على مسافة ليست ببعيدة من تبوك، (التميمي، الصحابي المجاهد تميم بن أوس الداري، الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين).
هو أول أمير على بيت المقدس التي فتحت في السنة الخامسة عشرة من الهجرة في عهد أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وامتدت إمارته منذ عام 35 حتى عام 40 من الهجرة النبوية
مناقبه وفضائله
أصبح تميم من مشاهير الصحابة وكبارهم، وبلغ هذه المكانة الرفيعة لمناقبه العديدة والتي كان من أبرزها أنه الشخص الوحيد الذي روى عنه النبي، صلى الله عليه وسلم، وهو حديث الجساسة وما يتعلق بالمسيح الدجال، وأول راهب مسيحي يتحول من المسيحية إلى الإسلام طوعًا، وأول من أهدى الرسول، عليه الصلاة والسلام، فرسًا أصيلًا، كما يعد من الصحابة الخبراء في الشحن البحري والسفن والسفر، حيث كانت له تجارة مع الحبشة، لذلك شارك في الجهاد البحري وشارك في فتح الإسكندرية، بالإضافة إلى أنه أول صحابي يختم القرآن في سبع ليالٍ في الكعبة، (موقع المعرفة، تميم الداري، 2023م).
كما أنه من المجاهدين؛ فقد لازم تميم الداري، رضي الله عنه، رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وجاهد معه ومع الخلفاء من بعده، وشارك في فتح مصر، وكان ممن نزلوا بها من الصحابة. قال عنه موسى بن نصير رحمه الله: "كان تميم الداري في البحر غازيًا، فكان يرسل إليَّ لأرسل إليه بالأسارى من الروم، فيتصدق عليهم ويأمر بهم، فيغسلوا ويدهنوا ويمشطوا".
ومن صور جهاد تميم، رضي الله عنه، أن رَوْحًَا بنَ زنباع قال: "دخلتُ على تميم الداري وهو أمير على بيت المقدس، وهو ينقّي لفرسه شعيرًا فقلت: أيها الأمير أما كان لك من يكفيك هذا؟ فقال إني سمعت رسول الله، صلى الله عليه وسلم يقول: من نقى لفرسه شعيرًا في سبيل الله ثم قام به حتى يعلّقه عليه كتب الله، عز وجل، له بكل شعيرة حسنة". رواه ابن ماجه، وفي رواية أخرى لتميم: "من ارتبط فرسًا في سبيل اللَّه ثم عالج عَلَفَهُ بيده كان له بكل حبة حسنة" رواه ابن ماجه.
وهو أول من أسرج المساجد: قال أبو سعيد الخدري رضي الله عنه "أول من أسرج في المساجد تميم الداري". رواه ابن ماجه، وتفصيل الرواية ذكرها ابن عبد البر مؤلف كتاب "الاستيعاب" في ترجمة حياة سراج مولى تميم، فقال: "قدمنا على النبي، صلى الله عليه وسلم، ونحن خمسة غلمان لتميم الداري، فأمرني فأسرجتُ المسجد بقنديل فيه زيت، وكانوا لا يسرجون إلا بسعف النخل، فقال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: من أوقد مسجدنا؟ فقال تميم: غلامي هذا، فقال: ما اسمه؟ فقال فتح، فقال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: بل اسمه سراج، فسماني رسول الله صلى الله عليه وسلم سراجًا".
وهو أول من أشار ببناء المنبر، قال ابن عمر، رضي الله عنهما: "إن النبي صلى الله عليه وسلم لما بدن قال له تميم الداري: ألا أتخذ لك منبرًا يا رسول اللَّه يجمع أو يحمل عظامك؟ قال بلى، فاتخذ له منبرًا مرقاتين" رواه أحمد، ومعنى بدن أي ثقل جسمه، والمرقاة هي الدرجة.
وهو أول قاصٍّ في الإسلام، فقد أورد الذهبي في كتاب تاريخ الإسلام: "استأذن تميم عمرَ في القصص سنين ويأبى عليه، فلما أكثر عليه قال ما تقول؟ قال أقرأ عليهم القرآن وآمرهم بالخير وأنهاهم عن الشر.. قال عمر: عِظْ قبل أن أخرجَ للجمعة، فكان يفعل ذلك، فلما كان عثمان استزاده فزاده يومًا آخر. وهو أول أمير على بيت المقدس التي فتحت في السنة الخامسة عشرة من الهجرة في عهد أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وامتدت إمارته منذ عام 35 حتى عام 40 من الهجرة النبوية (التميمي، سابق، موقع الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين).
كان أريبًا أديبًا في الجاهلية، فلما أسلم صقل ثقافته وصفاها، واهتم اهتمامًا بالغًا بما جاء في القرآن الكريم والذكر الحكيم، والسنة المشرفة، وغدا من علماء الصحابة وحفاظهم لكتاب الله تعالى، وقد نهل واستفاد رضي الله عنه من مجالس التعليم النبوية
عِلمه وعِبادته
مما لاريب فيه أن سيدنا تميمًا عُدّ من جمّاع القرآن الكريم ومن حفاظه، بل ومن قرائه المشهورين، وهذا ما ذكره ابن سيرين، فقال: "جمع القرآن على عهد رسول الله: أُبيّ وعثمان وزيد وتميم الداري"، يضاف إلى ذلك أن الله، عز وجل، قد حبا تميمًا صوتًا شجيًا في قراءة القرآن تهفو له القلوب، وتنشط من حاله النفوس، وتتأثر به الألباب.. كان رضي الله عنه مِن أقرأ الناس، وانداهم صوتًا وأدقهم قراءة، وكان رضي الله عنه جلدًا على القراءة صبورًا على العبادة، حصيفًا حكيمًا يجيب السائلين من أصحابه على قدر ما يعلمون، ويعلّمهم ما لا يعلمون، ويفقههم بما ينفعهم في حياتهم ومعادهم. فعن مسروق قال: "إن تميمًا الداري ردد هذه الآية حتى أصبح: {إن تعذبهم فإنّهم عبادك وإن تغفر لهم فإنّك أنت العزيز الحكيم".
تبين لنا من خلال سيرة سيدنا تميم الداري أنه من كبار العلماء العاملين الذين حملوا ألوان المعارف المتنوعة، كما عُرفوا بالورع والزهد والتواضع وبعد النظر والحصافة والذكاء، وكان أريبًا أديبًا في الجاهلية، فلما أسلم صقل ثقافته وصفاها، واهتم اهتمامًا بالغًا بما جاء في القرآن الكريم والذكر الحكيم، والسنة المشرفة، وغدا من علماء الصحابة وحفاظهم لكتاب الله تعالى، وقد نهل واستفاد رضي الله عنه من مجالس التعليم النبوية، واغتنم كل سانحة فيها، وسأل وتعلم ما شاء له أن يتعلم، حتى امتلك ناصية فن الموعظة المؤثرة والقصة الهادفة، المستوحاة من الذكر الحكيم، ولهذا جعله سيدنا عمر رضي الله عنه قاصًّا يعظ الناس في المسجد ضمن الحدود الشرعية في هذا المضمار الخصب، وكان تميم مجتهدًا في العبادة، ذكروا أنه نام ليلة لم يقم يتهجد فيها حتى أصبح، فقام سنة لم ينم فيها عقوبة للذي صنع (جمعة، علماء الصحابة، ص 905).
وفاته: توفى رضي الله عنه بالشام سنة 40 هـ، ودفن في بيت جبرين في فلسطين (الأنساب، م2، ص442).
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.