كم مرة تردّدت على مسامعك عبارة "الذكاء الاصطناعي"؟ لا شك أنها مرّت عليك بعض المرات، إن لم تكن قد أصبحت جزءًا من محادثاتك اليومية!
في ظل التسارع الشديد لهيمنة تفكير الآلة، نجد أنفسنا في حالة من الحَيرة.. أيكون الذكاء الاصطناعي بالفعل أداة قوية لتحسين حياتنا اليومية وزيادة الإنتاجية، أم أنه خطر يهدد مستقبل البشرية ويقوض أسس خصوصيتنا وحريتنا؟
بالرغم من "طوفان الذكاء الاصطناعي" والإقبال الجنوني عليه، فإن بعض التقارير الأخيرة سلطت الضوء على تراجع استخدام الذكاء الاصطناعي في بعض الأوساط
بين الحماسة لتبني هذه التقنية في كل مناحي الحياة، والإحساس بالخوف من تداعياتها، يجد عديدون صعوبة في تكوين رأي حاسم حول الذكاء الاصطناعي؛ فمن جهة يُفتتن البعض بالقدرات الفائقة لهذا الذكاء الاستثنائي، الذي يتمكن بسرعة فائقة من حل مشكلات معقدة بدقة متناهية، وتفوُّقه في مجالات عدة على رأسها العلوم، ومن جهة أخرى تتزايد المخاوف من أن تصبح هذه الأدوات خارجة عن السيطرة، أو أن تؤثر سلبًا على طريقة تفاعلنا مع العالم من حولنا.
ولأن الخوف هو عدوّ الإنسان الأول، فإن هذا التردد يعكس صراعًا بين الرغبة في الاستفادة من الابتكارات الحديثة، والقلق من تأثيراتها الجانبية غير المتوقعة.
وبالرغم من "طوفان الذكاء الاصطناعي" والإقبال الجنوني عليه، فإن بعض التقارير الأخيرة سلطت الضوء على تراجع استخدام الذكاء الاصطناعي في بعض الأوساط. ووفقًا لمسح حديث أجرته منصة Arize AI، فإن أكثر من نصف الشركات الأميركية الكبرى (56%) تعتبر الذكاء الاصطناعي تهديدًا محتملاً. وهناك دراسة أخرى أجرتها Nikkei Research أفادت بأن أكثر من 40% من الشركات اليابانية لا تنوي استخدام الذكاء الاصطناعي؛ بسبب التكاليف الباهظة المرتبطة به.
وتأتي هذه المخاوف بسبب التحديات المتعلقة بالتنافسية والتكاليف المالية الباهظة، ولكن على الرغم من ذلك فإن بعض الشركات الأخرى ترى أن الذكاء الاصطناعي يمكن أن يقدم فرصًا لتحسين الكفاءة وخفض التكاليف.
حسنًا، إذا استطعنا التعامل مع تحديات التنافسية والتكاليف الباهظة، فيما وراء الذكاء الاصطناعي، فماذا عن الخصوصية؟
الأمر ببساطة أن التطبيقات والخدمات التي تعتمد على الذكاء الاصطناعي تجمع كمية هائلة من البيانات الشخصية، لتقديم تجربة مخصصة للمستخدمين، ولكنْ هل هناك ضامن لحماية هذه البيانات والمعلومات الحساسة من الاختراق، أو الاستغلال غير القانوني لها؟ الإجابة غالبًا: "لا".
يجب على كل من يعيش على هذه "البسيطة" أن يدرك أن بياناته ليست مجرد معلومات، بل هي سلعة ثمينة يجب تأمينها والحفاظ عليها؛ لأنها قد تتعرض للسرقة أو التلاعب
جمْع هذه البيانات الهائلة له دور في تعزيز التمييز والتحيز، أو قد يكون السبب في سرقة هويتك واستخدامها في عمليات النصب والاحتيال. وقد تصل خطورة هذه البيانات الهائلة إلى حد الاغتيالات، واستهداف المطلوبين من خلال تحليل عدد هائل من البيانات، مهما حاولوا التخفي أو التمويه!. حتى إن هناك انتقادات واسعة لاستخدام الذكاء الاصطناعي في العدوان على غزة، واستهداف المدنيين.
ومع إدراك تلك المخاطر سمعنا مؤخرًا عن قانون الذكاء الاصطناعي الذي أقرّته أوروبا، وهو القانون الأول من نوعه في تنظيم استخدامات هذا الذكاء.. يحظر القانون أنظمة الذكاء الاصطناعي ذات المخاطر غير المقبولة، ويحظر أيضًا استخدام تقنيات التعرف على البيانات البيومترية في الأماكن العامة، مثل بصمات الأصابع والصوت، وكذلك التعرف على الوجه، وحتى أنماط المشي!
وبشكل عام، يجب على كل من يعيش على هذه "البسيطة" أن يدرك أن بياناته ليست مجرد معلومات، بل هي سلعة ثمينة يجب تأمينها والحفاظ عليها؛ لأنها قد تتعرض للسرقة أو التلاعب.
وكل مستخدم للإنترنت الآن لديه "بصمة رقمية"، وهي تشير إلى مجموعة البيانات التي يتم جمعها عنك أثناء استخدامك للإنترنت. هذه البيانات يمكن أن تشمل معلومات مثل المواقع التي تزورها، والرسائل التي ترسلها، والتطبيقات التي تستخدمها؛ فالبصمة الرقمية هي "الأثر" الذي تتركه خلفك عند استخدامك الأجهزةَ المتصلة بالإنترنت، وهذا الأثر- لو تعلمون- عظيم!
وبين تلك الإيجابيات والتحسينات التي أدخلها الذكاء الاصطناعي، وبين المخاطر والتحديات باحتمالية خروج الأمور عن السيطرة، نقف بين طريقين: أنلحق بقطار الإبداع والتطور السريع، أم نقف مُكتفين بالرغبة في الحفاظ على ذات البشرية من أخطار لم تأتِ في الحسبان؟
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.