شعار قسم مدونات

العفو عن مزارعي القنب الهندي.. مصالحة مع الأرض

المغرب/ الرباط/ سناء القويطي/ سد الوحدة شمال المغرب/ مصدر الصورة: سناء القويطي
العفو الملكي هو بمثابة ضخّ دماء جديدة في اقتصاد المنطقة ووضع إطار منظم ومهيكل لزراعة القنب الهندي (الجزيرة)

خلّف العفو الملكي عن أشخاص مدانين أو متابعين أو مبحوث عنهم في قضايا متعلقة بزراعة القنب الهندي، بمناسبة ذكرى ثورة الملك والشعب، ارتياحًا واسعًا لدى الرأي العام المغربي، خصوصًا أنه يأتي بعد أيام قليلة من العفو الملكي عن صحفيين بمناسبة عيد العرش.

الخطوة الملكية هي نوع من المصالحة مع هذه الأرض التي لا تنتج غير هذه الزراعة، وأمل للساكنة المحلية ببناء اقتصاد عادل ومهيكَل، وتحقيق ثورة إنمائيّة تراعي خصوصيات المنطقة، وتحقق العدالة المجالية والاجتماعية. كما تشكل هذه الخطوة بداية لمرحلة جديدة تأتي في سياق تقنين الزراعة المشروعة للقنب الهندي، لأغراض صناعية وصيدلانية وطبية، تجعل المملكة تطمح لتكون ضمن الدول الرائدة عالميًا في هذا المجال.

أثار العفو عن هؤلاء المزارعين نقاشًا واسعًا في مواقع التواصل الاجتماعي، في الوقت الذي ينتظر فيه الجميع العفو عن معتقلي حراك الريف، بعد الخطوة الملكية بالعفو عن الصحفيين والمدونين بمناسبة عيد العرش

تقنين زراعة القنب الهندي، والعفو عن مزارعيه، سيعززان انخراطهم في مشروع إنتاج القنب الهندي بشكل قانوني، ويسهّلان اندماجهم من خلال تحقيق دخل محترم، يضمن الكرامة ولقمة العيش.

المغرب كان دائمًا متصالحًا مع نفسه، ولا يجد أي إحراج في توجيه النقد لنفسه، وإن كان أحيانًا يبدو قاسيًا. وهنا نستحضر تجربة هيئة الإنصاف والمصالحة التي تصالح فيها المغرب مع ماضيه ومع سنوات الرصاص؛ بهدف المضي قدمًا في بناء دولة الحق والقانون، وإن كانت تعترضها أحيانًا رياح قوية. وتبقى تجربة هيئة الإنصاف والمصالحة خير مثال على أن المغرب بلد لا يقف عند عثراته، وإنما يسعى إلى استخلاص الدروس من أجل تصحيح المسار ومواصلة الطريق.

وقد أثار العفو عن هؤلاء المزارعين نقاشًا واسعًا في مواقع التواصل الاجتماعي، في الوقت الذي ينتظر فيه الجميع العفو عن معتقلي حراك الريف، بعد الخطوة الملكية بالعفو عن الصحفيين والمدونين بمناسبة عيد العرش، وهي قفزة نوعية في المسار الحقوقي في مغرب ما بعد 2011، الذي شهد مجموعة من التراجعات على مستوى حريات التعبير.

غير أنّ تقنين زراعة القنب الهندي هو موضوع آخر، نال حقه من النقاش الواسع -وأحيانًا الحاد- بين الرافض لفكرة تقنينه والمدافع عن إخراج قانون ينظم زراعته لحماية صغار المزارعين -الحلقة الأضعف- من العواقب القانونية. كما أن تقنين هذه الزراعة سيكون له دور كبير في إحداث قطيعة مع اقتصاد الريع، وحماية الفلاح الصغير، الذي يجني إيرادات مالية بسيطة، رغم أنه هو الموجود في فوهة البركان، والمعرض للملاحقات القضائية، التي تصل حد المتابعات الجنائية، ما يؤدي إلى الحكم عليه وحرمانه من حريته.. كما أن التقنين يأتي لمحاصرة الإنتاج والاستغلال غير المشروع للقنب الهندي.

نأمل أن تطوي الدولة ملف معتقلي حراك الريف نهائيًا، وتفرج عمن تبقى من نشطائه، من أجل خلق مناخ داخلي يسوده التفاؤل والارتياح

لقد شكّل الموضوع مطلبًا ملحًا رفعته بعض الشخصيات السياسية، ودعت إلى ضرورة التقنين والزراعة في إطار القانون، ليأتي العفو عن المزارعين الصغار في سياق التفاعل مع الدينامية التي عرفتها زراعة القنب الهندي، بانتقالها من إطار الممنوعات إلى زراعة مؤطرة بالقانون، خرجت من دائرة اقتصاد الريع إلى الاقتصاد المهيكل.

إنّ العفو الملكي هو بمثابة ضخّ دماء جديدة في اقتصاد المنطقة، ووضع إطار منظم ومهيكل لهذه الزراعة، ومصالحة مع الأرض. وإنّ الدينامية التي يعرفها المغرب هذه السنة على مستوى حقوق الإنسان تثبت بما لا يدع مجالًا للشك أن الدولة لا تتعامل بمنطق صغير وضيق وانتقامي، بقدر ما تستوعب المعارضين لها، وتحاول أن تبني هامشًا كبيرًا من الحرية رغم المطبات والأمواج العاتية أحيانًا.

وفي الأخير، نأمل أن تطوي الدولة ملف معتقلي حراك الريف نهائيًا، وتفرج عمن تبقى من نشطائه، من أجل خلق مناخ داخلي يسوده التفاؤل والارتياح، وبناء جبهة داخلية قوية.

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.


إعلان