إننا مقبلون على أيام معقدة..
أجل إنها معقدة حقًا، لقد صدقنا وهو كذوب!
إنها معقدة حتى يغدو الحليم معها حيرانَ، لا يملك بوصلة تساعده ليبصر معنى أن يضطر المرء إلى تمني انتصار عدوه على أخيه من حرقة الخذلان!
إنها معقدة حتى تتلفت حولك فلا تجد إلا أعداء محدقين بك، ثم تعود إلى نفسك التي بين جنبيك، فلا تجد فيها ملاذًا تؤوي إليه، بل هي أيضًا عدو لم يتربَّ ليكون قويًا في مواقف البأساء، ولم يعد ليتلمس الطريق في صحراء التيه والضلال والتعقيد، ولم يتعلم ليعرف السنة والطريق فيمضي بلا زيغ ولا خلل، بل هي تائهة حائرة غائرة في غيابات الترندات، وسحر الريلز، وعجائب التيك توك!. ولكن، قف..
تمر بك هذه الحرب في زحمة مشاهداتك المتسلسلة بلا انقطاع، تستوقفك، تبكيك، تكوي فؤادك.. ولكن، أتراك استفقت من رقادك العجيب؟!
بينما تتصفح الإنستغرام بمتعة الريلز القصير، الذي يختصر المعاني كلها إلى اللامعنى، ويختزلها حتى تغدو عدمًا أو تكاد، ويُحضرها جميعَها إليك في ساعة واحدة، فلا تكاد تميز بين معنى وآخر، ثم تُدخلها جميعًا دفعة واحدة إلى عقلك، فيعجز عن التعامل معها، ويرميها في مهملات الفِكَر التي فاضت، حتى صرت تحمل عقلًا محملًا بالمهملات، مثقلًا بالتفاهات..
قف، هناك حرب في مدينة قريبة، حرب تطحن النفوس طحنًا، وتعجن الأطفال عجنًا، حرب في مدينة صغيرة جميلة مؤمنة، حرب لم تنقم من أهلها إلا أن قالوا ربنا الله..
تمر بك هذه الحرب في زحمة مشاهداتك المتسلسلة بلا انقطاع، تستوقفك، تبكيك، تكوي فؤادك.. ولكن، أتراك استفقت من رقادك العجيب؟!
كلا، لقد عادت مشاهد هذه الحرب طبيعية؛ لتمثل جزءًا من حياتك اليومية منذ عام، في كل يوم تأكل ولا يأكلون، تشرب ولا يشربون، تنام ولا ينامون، تتمتع بكل تفاصيل حياتك، ويعانون في كل تفاصيل ما تبقى من حياتهم، تحيا ويموتون، غير أنك لا تدرك ويدركون.. أجل إنك لا تدرك ويدركون..
لقد علمتهم الحرب، علمتهم ما لم تعلمك إياه الدعة وما لم يعلمك إياه الترف، وما لم تستطع الفيديوهات نقله إليك، علمتهم كيف يمكن أن تكون وحيدًا في العالم ولديك إخوة في جميع مناحي الأرض، علمتهم كيف يمكن أن تكون قليلًا وأنت تنتمي إلى أمة تعدادها ملياران غير أنهم غثاء، علمتهم معنى الغثاء!
معقدة فماذا أعددت لها؟ هل أعددت لها يقينًا بالله لا يزول، أو قلبًا صابرًا ثابتًا لا يهتز، أو عقلًا عارفًا مميِّزًا يعرف الحق ويميز الحقيقة، أوصحبة صالحة تثق بها وتعينك على الطريق
قف مرة أخرى، ثمة حرب جديدة تحمل الملامح ذاتها على مدن أخرى وبلدات أخريات، لقد امتدت الحرب واقتربت أكثر منك، أضاءت ملامح الأيام المعقدة القادمة، ووضعتك أمامها وجهًا لوجه.
إنها معقدة حقًا، لكن عقدها لم تُصنع اليوم، لقد نُفثت فيها منذ مئة عام، منذ رحيل آخر رجل يعني وجوده فيما يعنيه الوحدة، فانفرط عقد الأمة، وانعقدت العقدة الأولى التي مازال أعداؤنا ينفثون فيها ويعقدون، حتى باتت معقدة حد اللغط والهرج والمرج والاختلاط، والتبس الحق بالباطل أو كاد..
معقدة فماذا أعددت لها؟ هل أعددت لها يقينًا بالله لا يزول، أو قلبًا صابرًا ثابتًا لا يهتز، أو عقلًا عارفًا مميِّزًا يعرف الحق ويميز الحقيقة، أوصحبة صالحة تثق بها وتعينك على الطريق، أو صرخة في أذن شباب الأمة أن: قفوا.. لا تضيعوا أنفسكم، حطموا قيد التفاهة، واخرجوا؟
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.