شعار قسم مدونات

ميلاد رسول وابتعاث أمة (1)

قبر الرسول محمد صلى الله عليه وسلم Muslims stand and pray in front of the tomb of Prophet Mohammad (L) at Al-Masjid al-Nabawi, or "The Mosque of Prophet Mohammad", in the holy city of Medinah January 8, 2013. Picture taken January 8, 2013. REUTERS/Amr Abdallah Dalsh (SAUDI ARABIA - Tags: RELIGION) المصدر: رويترز
قبر الرسول محمد صلى الله عليه وسلم (رويترز)

لقد كان ميلاد رسول الله – ﷺ – علامة فارقة في تاريخ الإنسانية، وفي حديث جعفر بن أبي طالب إلى النجاشي ما يلخص حال الناس قبل الإسلام، حيث قال: أيها الملك.. كنا قومًا أهل جاهلية، نعبد الأصنام، ونأكل الميتة، ونأتي الفواحش، ونقطع الأرحام، ونسيء الجوار، ويأكل القوي منا الضعيف، فكنا على ذلك، حتى بعث الله إلينا رسولًا منا نعرف نسبه وصدقه، وأمانته وعفافه، فدعانا إلى الله لنوحده ونعبده، ونخلع ما كنا نحن نعبد وآباؤنا من دونه من الحجارة والأوثان، وأمرنا بصدق الحديث، وأداء الأمانة، وصلة الرحم، وحسن الجوار، والكف عن المحارم والدماء، ونهانا عن الفواحش وقول الزور، وأكل مال اليتيم، وقذف المحصنات، وأمرنا أن نعبد الله وحده لا نشرك به شيئًا، وأمرنا بالصلاة والزكاة والصيام.. وعدّد عليه أمور الإسلام.

عن حذيفة – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله – ﷺ -: "كلكم بنو آدم، وآدم خلق من تراب، لينتهين قوم يفخرون بآبائهم أو ليكونن أهون على الله من الجعلان"

ترى الرجل من أهل الشرك فتهابه، فإذا به يخرج من جيبه صنمًا من عجوة يتعبده ويتقرب إليه، فإذا جاع أكله!والرجل يقتل ولده مخافة أن يطعم معه، ويئد ابنته حية مخافة أن يعير بها. والرجل الفخيم يرسل امرأته لتستبضع من رجل آخر رجاء نجابة الولد. العصبية ونعرات الجاهلية والطعن في الأنساب سمة من سمات الجاهلية الأولى.

جاء ميلاد النبي – ﷺ – عام الفيل، الذي أرسل الله فيه طيرًا أبابيل على أبرهة وجيش الظالمين، ترميهم بحجارة من سجيل، فجعلتهم كعصف مأكول، إيذانًا ببدء عهد جديد وميلاد نبي كريم، وابتعاث أمة الإسلام.

وفي مسند البزار عن حذيفة – رضي الله – عنه قال: قال رسول الله – ﷺ -: "كلكم بنو آدم، وآدم خلق من تراب، لينتهين قوم يفخرون بآبائهم أو ليكونن أهون على الله من الجعلان".

وفي إعلانه العام لحقوق الإنسان، والذي سبق فيه الدنيا بأسرها يقول: أيها الناس، إن دماءكم وأعراضكم حرام عليكم إلى أن تلقوا ربكم كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا.

إعلان

أيها الناس، إن ربكم واحد وإن أباكم واحد، كلكم لآدم وآدم من تراب، أكرمكم عند الله أتقاكم، وليس لعربي على عجمي فضل إلا بالتقوى.. ألا هل بلغت؟ اللهم فاشهد.. قالوا: نعم. قال: فليبلغ الشاهد الغائب.

نحن معنيون بإقامة دين الله – سبحانه وتعالى – هذا الدين الشامل الكامل الذي ارتضاه لخلقه، وإن ربنا خاطب نبينا فقال: {أن أقيموا الدين} [الشورى: 13]

المعالم الرئيسة التي ميزت دعوة الإسلام

سنتناول بمشيئة الله خمسة معالم رئيسة ميزت دعوة الإسلام: الوحدانية، الربانية، الإحاطة والشمول، العالمية، العدل.. وإلى تفصيل ما سبق:

  • الوحدانية

فالله إله واحد أحد فرد صمد، لا شريك له ولا شبيه، ولا نظير له ولا ولد، فالله أحق أن يعبد، خلق الخلق ليعبدوه. قال تعالى: {وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون ما أريد منهم من رزقٖ وما أريد أن يطعمون إن الله هو الرزاق ذو القوة المتين} [الذاريات: 56- 58].

  • الربانية

فالله هو الوجهة والمقصد والغاية.. لا الملك ولا الرئاسة ولا الجاه ولا المال.

قام عتبة بن ربيعة حتى جلس إلى رسول الله – ﷺ – فقال: يا بن أخي، إنك منا حيث قد علمت من السِّطة في العشيرة، والمكان في النسب، وإنك قد أتيت قومك بأمر عظيم فرقت به جماعتهم، وسفهت به أحلامهم وعبت به آلهتهم ودينهم، وكفرت به من مضى من آبائهم، فاسمع مني أعرض عليك أمورًا تنظر فيها لعلك تقبل منها بعضها.

قال: فقال له رسول الله ﷺ: قل يا أبا الوليد، أسمع؛ قال: يا بن أخي، إن كنت إنما تريد بما جئت به من هذا الأمر مالًا جمعنا لك من أموالنا حتى تكون أكثرنا مالًا، وإن كنت تريد به شرفًا سودناك علينا، حتى لا نقطع أمرًا دونك، وإن كنت تريد به ملكًا ملكناك علينا؛ وإن كان هذا الذي يأتيك رئيًا تراه لا تستطيع رده عن نفسك، طلبنا لك الطب، وبذلنا فيه أموالنا حتى نبرئك منه، فإنه ربما غلب التابع على الرجل حتى يداوى منه.

ثم دعا كبار قريش محمدًا إليهم، وعرضوا عليه هذه الأمور مرة أخرى، فقال لهم الرسول – عليه السلام -: "ما بي ما تقولون، ما جئت بما جئتكم به أطلب أموالكم، ولا الشرف فيكم، ولا الملك عليكم، ولكن الله بعثني إليكم رسولًا، وأنزل علي كتابًا، وأمرني أن أكون لكم بشيرًا ونذيرًا، فبلغتكم رسالات ربي، ونصحت لكم، فإن تقبلوا مني ما جئتكم به، فهو حظكم في الدنيا والآخرة، وإن تردوه علي أصبر لأمر الله حتى يحكم الله بيني وبينكم".

والربانية إفراد الله بالحكم والتشريع.. أخرج الطبري عن عدي بن حاتم، قال: أتيت رسول الله – ﷺ – وفي عنقي صليب من ذهب، فقال: يا عدي، اطرح هذا الوثن من عنقك! قال: فطرحته، وانتهيت إليه وهو يقرأ في "سورة براءة"، فقرأ هذه الآية: {اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابًا من دون الله}. قال: قلت: يا رسول الله، إنا لسنا نعبدهم! فقال: أليس يحرمون ما أحل الله فتحرمونه، ويحلون ما حرم الله فتحلونه؟ قال: قلت: بلى! قال: فتلك عبادتهم.

نبينا ﷺ لم يقبل نصف إسلام ولا نصف إيمان ولا دينًا مجزأ، قال: "والله ما أسأتم الرد إذ أفصحتم بالصدق، إنه لا يقوم بدين الله إلا من حاطه من جميع جوانبه"

  • الشمول والإحاطة

فنحن معنيون بإقامة دين الله – سبحانه وتعالى – هذا الدين الشامل الكامل الذي ارتضاه لخلقه، وإن ربنا خاطب نبينا فقال: {أن أقيموا الدين} [الشورى: 13].

ذهب رسول الله – ﷺ – إلى قبيلة بني شيبان يعرض عليهم الإسلام، فقال: من يحملني إلى قومه فأبلغ كلمة ربي وله الجنة؟ فقالوا: نحن نزلنا بين أنهار كسرى، ومياه العرب، فأما ما كان من أنهار كسرى، فذنب صاحبه غير مغفور، وعذره غير مقبول، وإنا إنما نزلنا على عهد أخذه علينا كسرى، ألا نحدث حدثًا ولا نؤوي محدثًا، وإنا نرى هذا الأمر الذي تدعونا إليه يا أخا قريش مما تكره الملوك، فإن أحببت أن نؤويك وننصرك مما يلي مياه العرب، فعلنا.

إعلان

ولأن نبينا – ﷺ – لم يقبل نصف إسلام ولا نصف إيمان ولا دينًا مجزأ، قال: "والله ما أسأتم الرد إذ أفصحتم بالصدق، إنه لا يقوم بدين الله إلا من حاطه من جميع جوانبه".. عرض بنو شيبان المنعة والأرض، ولكن أين القلوب وأين الولاء الكامل وأين التجرد لدين الله؟!. قال ابن كثير في البداية والنهاية: "هذا حديث غريب جدًا، كتبناه لما فيه من دلائل النبوة ومحاسن الأخلاق ومكارم الشيم وفصاحة العرب".

إن دين الله يقوم أول ما يقوم في قلوب الناس وتصوراتهم وأفكارهم وعقولهم ومشاعرهم.

ولقد اقتفى الإمام البنا أثر رسول الله – ﷺ – في تأسيسه دعوة الإخوان المسلمين، فجعلها تحوط دين الله من جميع جوانبه، فارتضته دينًا ينتظم مظاهر الحياة جميعًا، أعادته إلى حياة المسلمين وأعادت المسلمين إليه. فهو "دين ووطن أو حكومة وأمة، وهو خلق وقوة أو رحمة وعدالة، وهو ثقافة وقانون أو علم وقضاء، وهو مادة وثروة أو كسب وغنى، وهو جهاد ودعوة أو جيش وفكرة، كما هو عقيدة صادقة وعبادة صحيحة سواء بسواء".

وقد قال الله – تعالى – : {ما فرطنا في الكتاب من شيء} [الأنعام:38].. ما فرطنا في شيء بكم إليه حاجة إلا وبيناه في الكتاب، إما نصًا، وإما مجملًا، وإما دلالة، كقوله تعالى: {ونزلنا عليك الكتاب تبيانًا لكل شيء}، أي: لكل شيء يحتاج إليه في أمر الدين.

القرآن يتحدث عن الصراع بين القوتين العالميتين الكبريين -الفرس والروم- وانتصار الفرس على الروم، وكيف سيتحقق انتصار الروم على الفرس في بضع سنين. وقد تحقق ما أخبر به القرآن

  • العالمية.. عالمية الحدث والزمان والمكان

فالله رب العالمين، رب الناس أجمعين، أنزل على رسوله الأمين وهو في مكة، لا يجد النصير المعين {وما أرسلنك إلا رحمةٗ للعلمين} [الأنبياء: 107].

فالإسلام دعوة تهتم بالعالم وأحداثه.. قال تعالى: {الم  غلبت الروم في أدنى الأرض وهم من بعد غلبهم سيغلبون في بضع سنين لله الأمر من قبل ومن بعد ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله ينصر من يشاء وهو العزيز الرحيم} [الروم: 1- 5].

فالقرآن يتحدث عن الصراع بين القوتين العالميتين الكبريين – الفرس والروم – وانتصار الفرس على الروم، وكيف سيتحقق انتصار الروم على الفرس في بضع سنين. وقد تحقق ما أخبر به القرآن.

إنها عالمية الزمان والمكان التي فهمناها من حديث أبي النعمان عن أبيه (من بني سعد هذيم)، قال: قدمت على رسول الله – ﷺ – وافدًا في نفر من قومي، فنزلنا ناحية من المدينة، ثم خرجنا نؤم المسجد حتى انتهينا إلى بابه، فنجد رسول الله – ﷺ – يصلي على جنازة في المسجد، فقمنا ناحية، ولم ندخل مع الناس في صلاتهم حتى نلقى رسول الله – ﷺ – ونبايعه، ثم انصرف رسول الله – ﷺ – فنظر إلينا فدعا بنا، فقال: "من أنتم؟" فقلنا: من بني سعد هذيم. فقال: "أمسلمون أنتم؟"؛ قلنا: نعم. قال: فهلا صليتم على أخيكم؟ قلنا: يا رسول الله، ظننا أن ذلك لا يجوز لنا حتى نبايعك، فقال رسول الله – ﷺ- : أينما أسلمتم فأنتم مسلمون.

إنها عالمية الزمان والمكان، التي تمثلت في حديث عمران بن حصين، أن رسول الله – ﷺ – قال: إن أخاكم النجاشي قد مات، فقوموا فصلوا عليه، قال فقمنا فصففنا عليه كما يصف على الميت، وصلينا عليه كما يصلى على الميت. رواه أحمد والنسائي والترمذي وصححه.

وفي حديث جابر أن النبي – ﷺ – قال: قد توفي اليوم رجل صالح من الحبش فهلموا فصلوا عليه، فصلى رسول الله – ﷺ – فصففنا ونحن صفوف. متفق عليه.

إنما هلك الذين من قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحق، وأيم الله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها

  • حديث شريف للرسول صلى الله عليه وسلم
  • العدل

قال ﷺ: "إنما هلك الذين من قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحق، وأيم الله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها".

عن ابن عباس: أن نفرًا من الأنصار غزوا مع رسول الله – ﷺ – في بعض غزواته، فسرقت درع لأحدهم، فأظن بها رجل من الأنصار، فأتى صاحب الدرع رسول الله – ﷺ – فقال: إن طعمة بن أبيرق سرق درعي. فلما رأى السارق ذلك عمد إليها فألقاها في بيت رجل بريء، وقال لنفر من عشيرته: إني غيبت الدرع وألقيتها في بيت فلان، وستوجد عنده.

إعلان

فانطلقوا إلى نبي الله – ﷺ – ليلًا فقالوا: يا نبي الله، إن صاحبنا بريء، وإن صاحب الدرع فلان، وقد أحطنا بذلك علمًا، فاعذر صاحبنا على رؤوس الناس، وجادل عنه، فإنه إن لم يعصمه الله بك يهلك. فقام رسول الله – ﷺ – فبرأه وعذره على رؤوس الناس، فأنزل الله: {إنا أنزلنا إليك الكتب بالحق لتحكم بين الناس بما آراءك الله ولا تكن للخائنين خصيمًا واستغفر الله إن الله كان غفورًا رحيمًا ولا تجدل عن الذين يختانون أنفسهم إن الله لا يحب من كان خوانًا أثيمًا} [النساء: 105- 107].

كانت هذه هي المعالم الرئيسة التي ميزت دعوة الإسلام.. ولكن ما هي سبل إعداد النبي – ﷺ – لأصحابه لحمل أعباء الدعوة الجديدة؟. ذلك موضوع الجزء المتمم للمقالة.

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.


إعلان