شعار قسم مدونات

نتنياهو ليس وحده من يريد الحرب.. فهناك من يعيد تموضعه في العالم

رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو خلال زيارة لجنود الجيش في محور فيلادلفيا منصة اكس - @netanyahu
بنيامين نتنياهو خلال زيارة لجنود جيش الاحتلال في محور فيلادلفيا (مواقع التواصل)

قال مصدر قيادي في حركة حماس إن المقترح الأميركي الجديد يستجيب لشروط الاحتلال، ويتماهى معها، في حين اعتبر مسؤول أميركي أن محادثات الدوحة بشأن غزة من أكثر المحادثات البنّاءة.

لمن لا يعلم.. إنّ الاحتلال لا يريد اتّفاقًا، فهو يواصل المراوغة والتعطيل والتمسّك بإضافة شروط جديدة لعرقلة الاتّفاق! فقد نقلت صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية عن وثائق إسرائيلية أن "نتنياهو أضاف -سرًّا- شروطًا جديدة إلى مطالب تل أبيب في مفاوضات وقف إطلاق النار، وتبادل الأسرى، التي أُجريت في الدوحة في 15 و16 أغسطس/ آب الماضي، والتي حمل بيانها الختامي أن المحادثات كانت "جادّة وبنّاءة وأُجريت في أجواء إيجابية".

إعلان رئيس ساحل العاج الحسن واتارا عن تدشين قاعدة عسكرية أميركية شمال غرب البلاد بالقرب من منطقة أوديني، أتى على خلفية إخلاء قاعدتها أغاديز الجوية 201 شمال النيجر، بعد قرار المجلس العسكري طرد القوات الأميركية من البلاد

لا جدال في أنّ رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لا يريد التوصّل إلى إبرام التسويات، إذ نقلت صحيفة "وول ستريت جورنال" عن مصادر مطّلعة أن أعضاء في الفريق التفاوضي الإسرائيلي فكّروا في الاستقالة؛ بسبب مماطلة نتنياهو ومحاولته إفشال المفاوضات وتسريب تفاصيلها.

اعتبارات نتنياهو واضحة في رفضه أيّ تسوية، فهو الذي يريد إقحام القوات الأميركية في حربٍ مع إيران؛ إذ يعتبر نتنياهو أنها فرصته التاريخية التي لن تتكرّر، لأن الأميركي حشد في المنطقة حاملات طائراته وغواصاته، ردعًا لإيران وحلفائها من القيام بحربٍ واسعةٍ على إسرائيل. فهذه المشهدية بالنسبة إليه هي فرصة ثمينة، ستحقّق ما كان يطالب به منذ عام 2012، لتوجيه ضربة إلى إيران قبل الوصول إلى نقطة "لا ينفع الندم فيها"، وتكون طهران قد امتلكت القنبلة النووية.

فقدت الولايات المتحدة دورها كوسيطٍ في حلّ القضايا الدولية، وما يقال عن أنّ دورها على الساحة الدولية بدأ في التراجع، وأن هناك من يعمل على ملء الفراغ الأميركي في العالم، غير دقيق. فجلّ ما تفعله الإدارة الأميركية هو إعادة تموضعها في النقاط الساخنة في العالم؛ إذ إن إعلان رئيس ساحل العاج الحسن واتارا عن تدشين قاعدة عسكرية أميركية شمال غرب البلاد بالقرب من منطقة أوديني، أتى على خلفية إخلاء قاعدتها أغاديز الجوية 201 شمال النيجر، بعد قرار المجلس العسكري طرد القوات الأميركية من البلاد.

في ذات إعادة التموضع الأميركي، فقد وجد مراقبون في إعلان وزارة الخارجية العراقية، يوم الخميس 15 أغسطس/ آب، عن تأجيل إنهاء مهمة التحالف الدولي في البلاد "تواطؤًا حكوميًّا" مع واشنطن. هذا، وأعلن وزير الخارجية العراقي فؤاد حسين عن تأجيل موعد إعلان انتهاء مهمة التحالف الدولي بقيادة أميركا في البلاد؛ بسبب التطورات الأخيرة التي تشهدها المنطقة.

استمرار إسرائيل في ممارسة عدوانها على القطاع مرتبط بالمساعدات العسكرية اللامحدودة من قبل الإدارة الأميركية، وأن عرقلة تلك المساعدات قد تضع نتنياهو أمام تحدٍّ جدي للتفكير في وقف النار، لكن هذا لن يحصل

قد يظنّ البعض أنّ الأميركي يعمل على ضبط إيقاع الحرب بين إسرائيل وإيران، وهو يمنع توسّعها على نطاق واسع، إلا أنّ الواقع يُظهر عكس ذلك، فأميركا تعمل على منع هزيمة إسرائيل في هذه الحرب المفتوحة مع محور الممانعة، لهذا تسعى جاهدة لعرقلة الردّ الإيرانيّ وردّ حزب الله على عمليات الاغتيال، التي نفّذها الجيش الإسرائيلي في طهران وفي ضاحية بيروت الجنوبية.

غداة تقديم واشنطن مقترحًا جديدًا لهدنة بين إسرائيل وحركة حماس يوقف الحرب الإسرائيلية المستمرة على القطاع المحاصر منذ 10 أشهر، رأى القيادي في الحركة سامي أبو زهري أنّ الحديث الأميركي "ضرب من وهْم". كيف لا يكون وهمًا، وهي الداعمة بالمطلق لنتنياهو رغم كلّ إجرامه، لا بل وتعمل على عرقلة كافة القرارات الدولية التي تضمن إدانة إسرائيل في مجلس الأمن، وهي من لعبت دورًا مزدوجًا فيما يتعلّق بقرارات محكمة العدل الدولية؟. حيث رحّبت بما يتعلّق باعتقال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، في حين اعتبرت على لسان الرئيس جو بايدن أنّ القرار الظني بحقّ نتنياهو ووزير دفاعه يوآف غالانت لا قيمة له.

يعلم الجميع أنّ استمرار إسرائيل في ممارسة عدوانها على القطاع مرتبط بالمساعدات العسكرية اللامحدودة من قبل الإدارة الأميركية، وأن عرقلة تلك المساعدات قد تضع نتنياهو أمام تحدٍّ جدي للتفكير في وقف النار، لكن هذا ما لن يحصل، إذ إن موافقة إدارة بايدن الثلاثاء 13 أغسطس/ آب الماضي على صفقات أسلحة جديدة لإسرائيل، دليل واضح على تورّط أميركا في الحرب، رغم ضغوط تمارسها منظمات حقوقية تدعو لوقف إمداد إسرائيل بالأسلحة على خلفية ارتفاع حصيلة قتل المدنيين في غزة.

لا يريد نتنياهو وقف الحرب.. ليس من باب الخيار، بل على ما يبدو هو مجبر على خوض الحرب حتى تحقيق المصالح الأميركية في المنطقة، بما يتضمّن إحداث "خربطة" لخريطة الشرق الأوسط. فالولايات المتحدة في أكثر من مناسبة عبّرت عن رفضها خريطة سايكس – بيكو، وإن الإدارات التي توالت على إدارة البيت الأبيض طرحت على الطاولة في المكتب البيضاوي خريطة "الشرق الأوسط الجديد"، الذي بشّرت به إدارة الرئيس جورج بوش الابن، تحديدًا مع وزيرة خارجيته كونداليزا رايس من على درَج مجلس النواب اللبناني عام 2006، أثناء حرب يوليو/ تموز.

تقاطعت النوايا الأميركية تجاه المنطقة مع مصالح نتنياهو الشخصية، فأصبح لأميركا فولوديمير زيلينسكي (الرئيس الأوكراني) آخر في المنطقة، تستطيع السير بمشروعها القديم – الجديد من خلاله، عبر نشر الفوضى الخلاقة لإعادة ترتيبها

لا تتوانى الإدارة الأميركية عن إعادة رسم المنطقة بما يتناسب مع مصالحها، على رأس ذلك بناء قناة بن غوريون البديلة (بحسب زعمهم) عن قناة السويس، لتكريس الممرّ الاقتصادي الهندي الذي تمّ التوقيع عليه في نيودلهي، في 9 سبتمبر/ أيلول الماضي؛ لقطع الطريق على مبادرة "الحزام والطريق" الصينية التي تأخذ من منطقة الشرق الأوسط نقطة ارتكاز، ولتحقيق ذلك على إسرائيل التمسّك بمحورَي فيلادلفيا ونتساريم في شمال القطاع.. هذا ما يفسّر عدم الإتيان على ذكرِهما من قِبَل الوفد الأميركي المفاوض، مع إبقائهما خارج النقاش.

لم يكن مقنعًا الرصيف البحري الأميركي في القطاع الذي لم يبصر النور، ولم يُكتب له النجاح لتمرير المساعدات لأهالي قطاع غزة المنكوبين، فكان قرار الجيش الأميركي مفاجئًا في هذا الخصوص، لا سيما أنه كان قادرًا على بناء جسر جوي، أسهل وأسرع في تنفيذه، لكنّ إصرار إدارة بايدن على تشييده ترافق مع إطلاق سرديات أميركية حول تفكّكه نتيجة العوامل الطبيعية، أقنعت البعض، لكنّ البعض الآخر اعتبر أنها فرصة أميركا الرئيسية لتعزيز حضورها على البحر الأبيض المتوسط من بوابة القطاع.

تقاطعت النوايا الأميركية تجاه المنطقة مع مصالح نتنياهو الشخصية، فأصبح لأميركا فولوديمير زيلينسكي (الرئيس الأوكراني) آخر في المنطقة، تستطيع السير بمشروعها القديم – الجديد من خلاله، عبر نشر الفوضى الخلاقة لإعادة ترتيبها. لهذا لن يكون هناك انسحاب أميركي من النظام العالمي، ولن تسمح بتغييره أو استبداله بآخر متعدّد الأقطاب، بل جلّ ما تريده هو تفعيل الحروب لاحتواء العدو واستنزافه، لهذا باتت المنطقة مفتوحةً على كافة الاحتمالات، على رأسها الحرب الكبرى المنتظرة.

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.


إعلان