شعار قسم مدونات

حسني الزعيم من الرئاسة إلى الإعدام في بضعة أشهر!

انقلاب الزعيم لاقى ترحيبًا ليس فقط من أفراد الشعب والناس العاديين بل أيضًا من عدد لا بأس به من الساسة (مواقع التواصل)
  • هل كانت الولايات المتحدة وراء أول انقلاب عسكري عربي؟

على الرغم من قصر المدة الزمنية التي ظهر فيها حسني الزعيم على مسرح الأحداث، من ضابط مسرَّح من الخدمة إلى قائد للجيش السوري، ومدبّر لأول انقلاب عسكري عرفته المنطقة العربية، وصولًا إلى تعيين نفسه رئيسًا للبلاد، وانتهاء بمقتله دون محاكمة في ذلك الصيف الملتهب من عام 1949، وبعد ما يقلّ عن خمسة أشهر قضاها في سدة الحكم، فقد قدِّر لتلك الفترة القصيرة أن تكون مفصلية، ليس في تاريخ سوريا المعاصر فقط، بل في التاريخ السياسي للمنطقة عمومًا.

فحسني الزعيم -كما أسلفنا- صاحب أول انقلاب عسكري عرفته المنطقة، انقلاب كان فاتحة انقلابات عسكرية توالت في دمشق وبغداد والقاهرة وصنعاء والخرطوم وطرابلس والجزائر وسواها، وهو كان أوّل ضابط يجعل من نفسه حاكمًا مطلقًا، لتصبح ظاهرة الضباط الحكام -ومِن ورائهم المؤسسات العسكرية- سمة الحكم في تلك العواصم.

أُطلق الزعيم من سجنه بعد سنتين، ليجد نفسه بعد خروج الفرنسيين خارج الجيش، وعاطلًا عن العمل، لكنه وجد طريقه للعودة إلى الجيش، وعيَّن في دير الزور بعيدًا عن العاصمة، وهو وضع لا يُرضي طموحه ونزعته نحو السلطة والمناصب

وُلد حسني الزعيم عام 1889 في مدينة حلب السورية لرجل دين أُسندت له مهمة الإفتاء في أحد تشكيلات الجيش العثماني، كما كانت العادة المتبعة في الجيش العثماني حينها. ولعل وظيفة والده تلك مهّدت الطريق أمامه للالتحاق بالمدرسة العسكرية في إسطنبول، ليتخرج فيها ضابطًا، وليلتحق بقوات الشريف حسين بعد قيام ما يعرف بالثورة العربية الكبرى، التي كان هدفها المعلن الانفصال عن الدولة العثمانية، وإقامة دولة تضم عرب الشام والعراق بدايةً، ضمن حلم الدولة العربية الكبرى، ذلك الحلم الذي كانت معاهدة سايكس – بيكو له بالمرصاد.

وحين دخلت القوات الفرنسية سوريا، إثر تصفية المملكة السورية التي لم تعمّر طويلًا تحت حكم الملك فيصل، انضم الزعيم إلى القوات الفرنسية وبقي يعمل معها، بل إنه اشترك مع قوات فيشي في حربها، بمواجهة قوات فرنسا الحرة التي سيطرت على البلاد، ليجد الزعيم نفسه في مواجهة المحكمة العسكرية، التي حكمت عليه بالسجن لما قيل عن تصرفه بالأموال العائدة للوحدة العسكرية، التي كان يقودها ضمن قوات فيشي، بعد هزيمة هذه القوات أمام جيش فرنسا الحرة (أو الديغوليين، كما يطلق عليهم، نسبة للجنرال ديغول).

أُطلق الزعيم من سجنه بعد سنتين، ليجد نفسه بعد خروج الفرنسيين خارج الجيش، وعاطلًا عن العمل، لكنه وجد طريقه للعودة إلى الجيش، وعيَّن في دير الزور بعيدًا عن العاصمة، وهو وضع لا يُرضي طموحه ونزعته نحو السلطة والمناصب. وبطريقة ما، يُهيَّأ له من يساعده للعودة إلى العاصمة قائدًا لسلاح الدرك، وبعدها بقليل قائدًا للجيش، ولعل السؤال الذي لم يجد جوابًا إلى اليوم: كيف تم إقناع الرئيس القوتلي بإسناد منصب قيادة الجيش لحسني الزعيم، وهو العارف بشخصيته المغامرة والتوّاقة إلى السلطة، ورغم تنبيه كثيرين له إلى خطورة ذلك الشخص، ومنهم رئيس الوزراء السياسي المتمكن خالد العظم؟!

حسني الزعيم ربما كان مدركًا بإحساسه أن فترة حكمه ستكون قصيرة؛ بسبب تقدمه النسبي بالعمر، ولمرض السكر الذي كان يعاني منه، أو لمعرفته بالتقلبات السياسية حينها، والتي قد لا تترك له مجالًا زمنيًا طويلًا

على كل حال، لم يتأخر الزعيم بترتيب انقلابه في ظروف هزيمة حرب فلسطين وتقاذف المسؤولية عن نتائجها بين الضباط من جهة، وبين الساسة المدنيين من جهة أخرى، ومنهم رئيس الوزراء خالد العظم، الذي كان يعامل الزعيم بفوقية وازدراء حسب روايات شهود تلك المرحلة. ثم جاءت قضية الأسلحة التي اشتريت من فرنسا ولم تصل إلى الجيش السوري، بل ربما وجدت الشحنة طريقها إلى يد القوات الإسرائيلية، وتم حينها توجيه الاتهام لوزير الدفاع أحمد الشراباتي، الذي أُجبر على الاستقالة.

فإذا أضفنا إلى ذلك التهجم اللاذع، الذي كان يشنه النائب فيصل العسلي في البرلمان على الجيش وقيادته، أدركنا الجو السياسي المشحون الذي كانت تعيشه دمشق وقتها، ومع الأخذ بالاعتبار شخصية حسني الزعيم المتهورة والتواقة للسلطة والنفوذ، نتصور الظروف التي أحاطت بالانقلاب العسكري الذي أطلقه الزعيم بعد منتصف ليلة الأربعاء، في الثلاثين من  مارس/ آذار عام 1949 والذي كان انقلابًا أبيض لم تُرق فيه قطرة من الدم.

المفاجأة أن انقلاب الزعيم لاقى ترحيبًا ليس فقط من أفراد الشعب والناس العاديين، بل أيضًا من عدد لا بأس به من الساسة، ومنهم فارس الخوري ومحسن البرازي، الذي شغل منصب رئيس الوزراء تحت حكم الزعيم، والأمير عادل أرسلان، الذي شغل منصب وزير الخارجية.

والواقع أنّ حسني الزعيم ربما كان مدركًا بإحساسه أن فترة حكمه ستكون قصيرة؛ بسبب تقدمه النسبي بالعمر، ولمرض السكر الذي كان يعاني منه، أو لمعرفته بالتقلبات السياسية حينها، والتي قد لا تترك له مجالًا زمنيًا طويلًا. ورغم أنه لم يكن صاحب رؤية أو مشروع إصلاحي ونهضوي، فإنه عمل مباشرة -وعلى طريقة كمال أتاتورك، الذي كان محل إعجاب الزعيم- على إحداث تغييرات هامة.

كان من تلك التغييرات إقرار القانون المدني خلال أسابيع، والتخلص من الأنظمة والقوانين العثمانية بجهود بذلت من قبل المحامي والقانوني السوري أسعد الكوراني، الذي تولى وزارة العدل مع الزعيم، وكذلك فرْض أنواع من اللباس الغربي على الطريقة الأتاتوركية، ومدّ الجسور نحو القاهرة والرياض، مبتعدًا عن العراق والأسرة الهاشمية، والسعي لتحديث الجيش وتأمين أسلحة حديثة.. إلا أن الزمن لم يسعفه في ذلك، وربما كانت الخطيئة التي ساهمت بنهاية حكمه هي تسليم أنطوان سعادة للسلطات اللبنانية، بعد أن وعده بالأمان، لتقوم السلطات اللبنانية بإعدام سعادة بعد ذلك بفترة قصيرة.

انقلاب الزعيم وفترة حكمه التي اقتصرت على 137 يومًا، وانتهت بمقتله مع رئيس وزرائه محسن البرازي، في ليلة صيفية حارة من أيام شهر أغسطس/ آب من عام 1949، كان حدثًا مفصليًا مؤثرًا، ليس على تاريخ سوريا المعاصر فقط، بل على تاريخ المنطقة بشكل عام

هل كانت الولايات المتحدة وراء انقلاب حسني الزعيم؟

الجواب على مستوى الشارع والرأي العام السوري: نعم.. وبالتأكيد. والشاهد عندهم هو ما أورده رجل المخابرات الأميركي مايلز كوبلاند في مؤلفه الشهير "لعبة الأمم"، حيث يقول إن انقلاب الزعيم كان من تخطيطنا وتنفيذنا، وإن كان المؤلف نفسه قد تراجع عن كلامه بعد أربعين عامًا في مذكراته حيث يقول حرفيًا: "يجب الاعتراف الآن – وبعد أربعين عامًا- أن دورنا بانقلاب الزعيم كان مجرد العلم المسبق، والوعد بالاعتراف بالحكم الجديد في سوريا في حال نجاح الانقلاب".

ويستند القائلون بوقوف أميركا وراء الانقلاب إلى رأي مفاده أن الولايات المتحدة أرادت إجهاض مشروع حكم ديمقراطي كان قائمًا في سوريا قبل الانقلاب، وإن كانت المماحكات السياسية والخلافات القائمة لم تكن توحي بنجاح هذه التجربة. كما يستند هذا الرأي إلى واقعتين اثنتين، أولاهما موافقة الزعيم على اتفاقية ما يعرف بـ"خطوط التابلاين"، التي تنقل النفط السعودي عبر الأردن وسوريا وصولًا إلى ميناء بانياس على البحر المتوسط، والثانية توقيع معاهدة الهدنة مع إسرائيل.. وكلتاهما تمثّلان مصلحة أميركية.

لكن التدقيق في الحالتين يوصلنا إلى نتيجة، مفادها أن كلتا القضيتين كانتا موضع قبول وموافقة من الرئيس القوتلي وحكومة خالد العظم قبيل الانقلاب، وإن كان إقرارهما تأخر نتيجة المماحكات والصراعات السياسية، التي كانت قائمة بين الأحزاب والقوى السياسية حينها. يضاف إلى ذلك الشهادة الموضوعية التي أوردها خالد العظم في مذكراته عن الانقلاب -رغم عداوته السابقة لحسني الزعيم- بقوله إنه بالرغم من كثرة الأقاويل عن دور أميركا الأساسي في انقلاب حسني الزعيم فإنه ليس لدينا ما يؤكد ذلك من خلال الوثائق أو الأدلة المتاحة.

وبالنتيجة، وككثير من القضايا السياسية التي تبقى خلافية لسنوات طويلة، فإن وقوف الولايات المتحدة بشكل مباشر وراء انقلاب حسني الزعيم هو من هذه القضايا، ولكن الذي لا خلاف فيه هو أن انقلاب الزعيم وفترة حكمه التي اقتصرت على 137 يومًا، وانتهت بمقتله مع رئيس وزرائه محسن البرازي، في ليلة صيفية حارة من أيام شهر أغسطس/ آب من عام 1949، كان حدثًا مفصليًا مؤثرًا، ليس على تاريخ سوريا المعاصر فقط، بل على تاريخ المنطقة بشكل عام.

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.


إعلان