يقول مارتن لوثر كينغ: إذا فقدت الأمل، فإنك بطريقة ما تفقد تلك الحيوية التي تجعل الحياة تستمرّ، تفقد الشجاعة للوجود، تلك الخاصية التي تساعدك على المضي قدمًا بغض النظر عن ذلك.
يعرّف الأمل في اللغة بالرجاء، وهو شعور عاطفي يتفاءل به الإنسان، ويرجو فيه نتائج إيجابية لحوادث الدهر وتقلباته، حتى وإن كانت النتائج الإيجابية صعبة أو مستحيلة الحدوث. فهو إذًا ميل أو نزوع نحو النظر إلى الجانب الأفضل للأحداث أو الأحوال، وتوقع أفضل النتائج. أو هو وجهة نظر في الحياة، تبقي الشخص ينظر إلى العالم بإيجابية.
لقد قيل إن بإمكان المرء أن يحيا أربعين يومًا بلا طعام، وأربعة أيام من دون مياه، وأربع دقائق من دون هواء، لكنه لا يمكن أن يحيا إلا أربع ثوانٍ من دون أمل !
مع التفاؤل والأمل توظف الطاقات والإمكانات والفرص، وتبتدع وسائل السير نحو الأهداف بأقصى درجات الفاعلية، من خلال بث روح العزم والتصميم في النفس، والمثابرة وبذل الجهد، وصولًا إلى التغلب على الصعاب
في كتابه "كرامة الاختلاف"، كتب جوناثان ساكس: "أحد أهم الفوارق التي تعلمتها طوال فترة دراستي للتاريخ هو الفارق بين التفاؤل والأمل؛ التفاؤل هو الاعتقاد بأنّ الأمور ستتحسن، أمّا الأمل فهو الإيمان بأننا معًا قادرون على جعل الأمور أفضل.. التفاؤل فضيلة سلبية، أما الأمل فإيجابيّة فعّالة!. لا يتطلب التفاؤل من المرء شجاعة، لكن التحلّي بالأمل يستلزم قدرًا كبيرًا منها".. إنه يساعدنا على تخطّي مصاعب الحياة، ويخلق فينا الحماس للمستقبل، إنه يمنحنا أسبابًا لنحيا.
الأمل والتفاؤل شعوران مترابطان وإيجابيان؛ حيث يحتل ثنائي الأمل والتفاؤل مكانة مهمة في علم النفس، وهما يترابطان معًا ويتبادلان التعزيز؛ فالتفاؤل يولّد الأمل، ويعود هذا بدوره فيعزّز التفاؤل.
مع التفاؤل والأمل توظف الطاقات والإمكانات والفرص، وتبتدع وسائل السير نحو الأهداف بأقصى درجات الفاعلية، من خلال بثّ روح العزم والتصميم في النفس، والمثابرة وبذل الجهد، وصولًا إلى التغلب على الصعاب، بغض النظر عن ماهية الخسائر التي تواجهها، أو الصعوبات التي لا بدّ أن تتغلب عليها.
أما التشاؤم واليأس فلا يفعلان سوى تعطيل الطاقات والقعود عن السعي. يقول الله، عز وجل: {ولا تقنطوا من رحمة الله}.. الأمل مقترن بالإيمان، بينما يقترن القنوط بالكفر واليأس من رحمة الله.
الأمل هو العاطفة الإيجابية الوحيدة التي تزداد قوة في ظروف السلبية أو عدم اليقين.
الأفراد الأكثر تفاؤلًا وأملًا هم أقل عرضة للإصابة بالأمراض المزمنة والموت المبكّر، وأن التفاؤل قد يكون مصدرًا نفسيًا اجتماعيًا مهمًا لإطالة العمر الافتراضي لدى كبار السنّ
المتفائلون – عمومًا – يعتقدون بأنّ الناس والأحداث جيدة أصلًا، وأن الأحداث تسير في النهاية نحو الأفضل، بغضّ النظر عن العالم من حولهم.. يجب على الشخص أن يختار شعور الارتياح، هذا النوع من التفاؤل يقوم على الشعور الداخلي الخاصّ.
من يتحلّون بالأمل يرحّبون بالحياة وبكل ما تأتي به؛ حتى تحدياتها. وقد قال آن لاندروز: "توقّع المتاعب كجزء حتمي من الحياة، وعندما تأتي ارفع رأسك عاليًا وانظر في عينيها مباشرة، وقل: سأكون أكبر منك، لن تستطيعي هزيمتي".
الأمل يركز على المستقبل، إنه يتجه إلى الأمام بالتوقعات، ويرغب في التخطيط للغد.. إن أمسنا ينزع لغزو يومنا الحاضر بالسلبية سارقًا بهجتنا وأملنا، وإذا أطلنا التفكير فيه أكثر مما يلزم، فسيهدد بالسطو على مستقبلنا. وعلى الرغم من أن بعض الأشخاص متشائمون، ولا يرون إلا النصف الفارغ من الكوب، فإن من الممكن تعلُّم كيفية التفاؤل، ومن ثمّ الاستفادة من مميزات هذا الأمر.
سئل الكاتب والعالم بول تيليش عن الأمل والتفاؤل، فأجاب: "الإقبال على الحياة على الرغم من كل المصائب والآلام".
أفادت دراسات عديدة، وآخرها التي قام بها باحثون من جامعة هارفارد، بأن الأفراد الأكثر تفاؤلًا وأملًا هم أقل عرضة للإصابة بالأمراض المزمنة والموت المبكر، وأن التفاؤل قد يكون مصدرًا نفسيًا اجتماعيًا مهمًا لإطالة العمر الافتراضي لدى كبار السنّ. وقد أجمع علماء الطبّ الإكلينيكي والطبّ النفسي على أنه كلما زاد الأمل والتفاؤل، تحسّنت حالة الإنسان النفسية والبدنية.
إذا ما أردت أن تكون إنسانًا متفائلًا يجب أن تتخلص من فكرة أن الأشياء السيئة ستبقى إلى الأبد
كيف يمكننا أن نمتلك الأمل؟
- بتعليق قلوبنا بالله تعالى، والاكتفاء به عمن سواه، وإحسان الظن به.
- بتلطفنا مع أنفسنا: التعاطف مع النفس سمة مشتركة لدى معظم المتفائلين.
- بتغيير تفكيرنا: فنحن نحصل على ما نتوقعه في الحياة بشكل عام!. أشار نورمان كوزينز إلى أن "مشكلة اليأس الأساسيّة هي أنه ذاتي التحقق، إن من يخشون الأسوأ ينزعون لدعوته للحدوث، وإن من ينظر إلى قدميه لن يستطيع رؤية ما يحمله الأفق من بدايات جديدة، وإن دفعات الطاقة لا تأتي من روح الهزيمة.. ففي نهاية المطاف، يؤدّي الشعور بالعجز إلى اليأس".
- بإدراك أن الأمل اختيار: من السهل الاعتياد على التفكير السلبي لدرجة ننسى معها أننا نملك خيارات أخرى! الحياة مليئة بالخيارات، الأمل والتفاؤل أحدها. قال بوب ووزيك: "من الذي جعل الاستسلام خيارًا؟".
- قضاء الوقت مع المتفائلين: للرفقة دور مهم في حياتنا، أدركنا ذلك أم لم ندرك، وتترك أثرًا واضحًا على أفكارنا ونظرتنا للعالم من حولنا.
- بإدراك وقبول فكرة أن الحياة تتغير: فبالرغم من وجود بعض الصعاب سيتحسن كل شيء في النهاية. إذا ما أردت أن تكون إنسانًا متفائلًا يجب أن تتخلص من فكرة أن الأشياء السيئة ستبقى إلى الأبد.
خسائر الحياة ليست أمرًا هينًا أبدًا، لكن هناك خسارة واحدة لا يتحمل أحد تجربتها.. خسارة الأمل
وأخيرًا ..
في وسط الاضطرابات التي يشهدها العالم، نحن نعيش في زمن عدم اليقين، مع تيار من المشاعر والخواطر السلبية والمتضاربة بشأن ما يدور حولنا، وما يخبئه المستقبل. فنختار البقاء مختبئين في إحدى زوايا الحياة، خائفين من خوض جولة جديدة، نفضل أن نتخلّى عن أحلامنا على أن نواصل المحاولة من جديد.
ولكن الله منح البشر قدرة غير عادية على إيجاد طرق للحفاظ على الأمل، هو النافذة التي – مهما صغر حجمها – تفتح لنا آفاقًا رحبة في الحياة، وتدعونا للإقبال عليها على الرغم من كل المصاعب والآلام، التي هي جزء من الوجود البشريّ.
املأ روحك بالأمل، فهو سيزيل اليأس من قلبك، وينسيك الصعوبات والمتاعب.. الميل الواحد في نظر اليائس ألف ميل، وهو في نظر المتفائل بضعة أمتار! هو مورد نفسي يساعد على التكيف مع ما يحدث، حتى في أحلك الظروف، وهو وسيلة للتغلب على اليأس.
خسائر الحياة ليست أمرًا هينًا أبدًا، لكن هناك خسارة واحدة لا يتحمل أحد تجربتها.. خسارة الأمل.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.