وقّع الرئيس الأميركي جو بايدن في أكتوبر/ تشرين الأول 2022 على النسخة الأحدث لإستراتيجيات الأمن القومي الأميركي، وفي التقرير وصف بايدن الصين بأنّها تمثل تحديًا جيوسياسيًا أكثر أهمية بالنسبة للولايات المتحدة الأميركية، وقال إنّ إدارته على علم بأن الصين لديها نوايا من أجل إعادة تشكيل النظام الدولي لصالحها، وإنها ستفعل كلّ ما بوسعها لمنع بكين من أن تحقق هدفها المنشود.
أميركا لا تترك بابًا يؤدي إلى التكنولوجيا المتطورة إلا وأغلقته في وجه الصين، خاصة بعد فرضها قيودًا على حاملي جوازها وغير حامليها للانخراط أو العمل في إحدى شركات التكنولوجيا الصينية
في السياق ذاته، أصدرت وزارة التجارة الأميركية بقيادة المرأة الحديدية جينا ريموندو عددًا من اللوائح، تهدف لتقييد قدرة الصين على شراء أو صناعة الرقائق الإلكترونية المتقدمة، رغم أن بلاد العمّ سام ليست من منتجي أشباه الموصلات بشكل مباشر، فإنها ستفرض على الشركات المصنّعة قيودًا من أجل عدم بيعها للصين.
ولأن أميركا مقتنعة بأن من يسيطر على التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي سيسيطر حتمًا على ميزان القوة العسكرية والاقتصادية في المستقبل، لذلك هدّد جاك سوليفان مستشار الأمن القومي الأميركي محذرًا من بيع أشباه الموصلات الإلكترونية المتطورة للصين، وحذر حلفاء واشنطن -وخاصة تايوان وكوريا الجنوبية وهولندا- من أن تقوم بصفقات التكنولوجيا الجديدة مع الصين.
إن موقف وسياسات الولايات المتحدة الأميركية الخارجية تجاه الصين لا يتغيران بشكل كبير مع تغيّر الرؤساء الأميركيين، رغم أنهم قادمون من أحزاب ذات رؤىً متباينة، فإن سياسة واشنطن الخارجية ثابتة، ويتضح ذلك في تصريحات أوباما التي حذرت شركة إنتل، وهي من الشركات العملاقة الرائدة في أميركا من إبرام أي اتفاقية مع الصين في مجال التكنولوجيا إلا بعد علم وموافقة مسبقة من الحكومة الأميركية.
الصين التي تحلم بنظام متعدد الأقطاب تجد نفسها محاصرة من كل الجوانب، ممنوعة من أن تضع يدها على التكنولوجيا الحديثة، ومنزعجة من وجود أميركا عسكريًا في تايوان التي تعتبرها بكين جزءًا من أراضيها
ولا يخفى على الجميع قرارات ترامب التي اتخذها ضد هواوي بعد إصداره قرارًا رئاسيًا رقمه 13873، بعنوان "حماية المعلومات وتقنية الاتصالات وسلاسل تزويد الخدمات"، ويمنع من خلاله الشركات الأميركية من استخدام معدات الاتصالات من مصادر تعتبرها الإدارة تهديدات للأمن القومي الأميركي.
وبعد إصدار القرار بفترة قصيرة أضافت وزارة التجارة الأميركية هواوي رسميًا إلى قائمة الشركات التي تعتبرها الحكومة الأميركية جهات تقوّض المصالح الأميركية، ومن خلال إضافة هواوي إلى ما يسمى بقائمة الكيانات، ضمنت إدارة ترامب أن تتم تغطية هواوي بموجب الأمر التنفيذي الجديد.
نعلم تمامًا أن أميركا لا تترك بابًا يؤدي إلى التكنولوجيا المتطورة إلا وأغلقته في وجه الصين، خاصة بعد فرضها قيودًا على حاملي جوازها وغير حامليها للانخراط أو العمل في إحدى شركات التكنولوجيا الصينية، وذلك بوضعها شرط التخلي عن الجنسية الأميركية، أو الاقامة الدائمة لحامليها، وإن كان حامل الجنسية صيني الأصل، وهذا ما أزعج الصين أكثر من قرار سابق تجاهها.
فالصين التي تحلم بنظام متعدد الأقطاب تجد نفسها محاصرة من كل الجوانب، ممنوعة من أن تضع يدها على التكنولوجيا الحديثة، ومنزعجة من وجود أميركا عسكريًا في تايوان التي تعتبرها بكين جزءًا من أراضيها، وكل تصريحاتها حول قضية تايوان تشير إلى أنها شأن داخلي للصين، ولا يمكن قبول أي تدخل خارجي. لكن واشنطن -حسب بايدن- لا تستبعد استخدام القوة العسكرية لحماية تايوان في حالة حدوث أي حرب صينية محتملة.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.