شعار قسم مدونات

ثورة بنغلاديش.. سر غضب الهند من سقوط حسينة!

أنشطة الحراك الطلابي في بنغلاديش الجزيرة
بفعل ثورة بنغلاديش سقطت حكومة الشيخة حسينة التي امتدت لأكثر من 15 سنة (الجزيرة)

شهدت بنغلاديش تحولًا درامًيا في مسارها السياسي مع سقوط حكومة الشيخة حسينة، رئيسة الوزراء التي حكمت البلاد عقودًا في ظل قبضة حديدية، وانتهاك واسع لحقوق الإنسان، ناهيك عن الفساد الذي انتشر في البلاد بسرعة انتشار النار في الهشيم.

ونتيجة لثورة الشعب هربت الدكتاتورة تاركة البلاد خلفها، وهذا الحدث لم يكن مجرد انقلاب سياسي داخلي؛ بل كانت له أصداء دولية واسعة؛ حيث سعت القوى العالمية إلى التعبير عن مواقفها وسط حالة من الترقب والحذر، ولكنه- بلا شك – كان نقطة تحول مهمة في المشهد السياسي للبلاد، وفرض تحديات معقدة على الهند، الجارة الأقرب. فما هي هذه التحديات؟ ولماذا غضبت الهند من نجاح ثورة بنغلاديش؟

تميزت فترة ولاية الشيخة حسينة، التي امتدت لأكثر من 15 عامًا في حكم بنغلاديش، بعلاقة وثيقة مع الهند، اعتبرها كثيرون تحالفًا إستراتيجيًّا، وكانت هذه الشراكة متجذرة في العلاقات التاريخية

موقف الهند من الثورة

كانت الهند تدعم حليفتها الأولى – الشيخة "حسينة"- في وجه ثورة الطلاب الغاضبين من انتزاع الحكومة حقهم في التوظيف، عبر نظام الحصص للوظائف الحكومية المثير للجدل، وقد صممته حكومة حسينة لصالح المنتفعين والمقربين من الحزب الحاكم "رابطة عوامي".

ولكن، مع اشتعال الأحداث وتطوّر الموقف، واستمرار الاحتجاجات أسابيع متتالية في شوارع وميادين بنغلاديش، بدت الهند مترددة في موقفها من انتهاء حكم الشيخة حسينة بعد هروبها من البلاد، وهو ما يعكس مخاوفها من تداعيات هذا التغيير على أمنها الإقليمي؛ فلجأت الحكومة الهندية إلى حيلة علها تجد فيها متنفسًا للتعبير عن استيائها مما حدث، فدعت لضمان أمن أقلياتها في بنغلاديش، ما يعكس قلقًا مشروعًا، لكنه لا يخفي حقيقة أن الهند تتطلع إلى الاستفادة من هذا التحول لتعزيز نفوذها في دكا.

ويُذكر أن الهند، تلك الدولة التي تقوم بالاعتداء على المسلمين ليل نهار، وتسعى للهجوم عليهم وحرمانهم من حقوقهم الديمقراطية والإنسانية بكل الطرق، مجردة من كل معاني الإنسانية، ولكنها تنشط على حين غرة لحقوق الهندوس المقيمين في بنغلاديش، مع أن أهل بنغلاديش يقومون بحفظ أرواح وممتلكات الأقليات منذ قديم الزمان.

الترابط والشراكة

تميزت فترة ولاية الشيخة حسينة، التي امتدت لأكثر من 15 عامًا في حكم بنغلاديش، بعلاقة وثيقة مع الهند، اعتبرها كثيرون تحالفًا إستراتيجيًّا، وكانت هذه الشراكة متجذرة في العلاقات التاريخية، التي يعود تاريخها إلى انفصال بنغلاديش عن باكستان في عام 1971، حيث كان للهند دور محوري في ذلك الوقت، ولكن مع وصول الشيخة حسينة إلى سدة الحكم، واجهت حكومتها انتقادات متزايدة؛ بسبب الاستبداد، وانتهاكات حقوق الإنسان، والافتقار إلى الحريات الديمقراطية.

وقد وقفت الهند ذات الهوى الهندوسي بكل قوة مع بنغلاديش خلال استقلالها، وفي فترة تدشين أسرة مؤسسها "مجيب الرحمن"، وابنته الشيخة حسينة، حكمًا علمانيًّا في البلاد، واستفادت نيودلهي من ذلك سياسيًّا وإستراتيجيًّا واقتصاديًّا وأمنيًّا. كما زادت التجارة الثنائية بين البلدين، حيث أبرمت الشركات الهندية صفقات كبرى، مثل صفقة الفحم بين حكومة حسينة ومجموعة أداني، بقيادة قطب الأعمال الهندي، الملياردير "غوتام أداني"، الذي ارتبط صعوده ارتباطًا وثيقًا بصعود رئيس الوزراء "مودي".

التغييرات الأخيرة في مراكز القيادة في الجوار المباشر للهند، في جزر المالديف ونيبال وأفغانستان، فضلًا عن بوادر التغيير في بوتان، حيث من المقرر حل النزاع الحدودي بين الصين وبوتان، كلها بلا شك تؤثر في توازن القوى في المنطقة لصالح الصين وباكستان

مصدر العداء مع الهند

كانت الاحتجاجات التي أدت إلى استقالة حكومة الشيخة حسينة مشوبة بشدة بالمشاعر المعادية للهند، واتهم عديد من المتظاهرين حكومة حسينة بأنها تستوعب المصالح الهندية بشكل مفرط للغاية، خاصة فيما يتعلق بالقضايا الخلافية، مثل: "اتفاقيات تقاسم المياه وأمن الحدود"، وتشكل هذه المشاعر المعادية للهند والمتزايدة مع الوقت تحديًا كبيرًا لنيودلهي.

لقد أدى دعم الهند طويل الأمد لإدارة حسينة، على الرغم من اتجاهاتها المستبدة، إلى تنفير قطاعات كبيرة من السكان في بنغلاديش من مواقفها، التي تنحاز لصالح حكومة استبدادية وغير شعبية. كما أن فشل الهند في التعامل مع أحزاب المعارضة وجماعات المجتمع المدني في بنغلاديش جعلها عرضة للتحولات في المشهد السياسي. وإذا تبنت الحكومة الجديدة موقفًا أكثر قومية، فقد تجد الهند نفسها في مواجهة عداء متزايد وعلاقة متدهورة مع جارتها، التي قامت بثورة لتطهير البلاد من الفساد والاستبداد.

التغيرات الإقليمية

إن التغييرات الأخيرة في مراكز القيادة في الجوار المباشر للهند، في جزر المالديف ونيبال وأفغانستان، فضلًا عن بوادر التغيير في بوتان، حيث من المقرر حل النزاع الحدودي بين الصين وبوتان، كلها بلا شك تؤثر في توازن القوى في المنطقة لصالح الصين وباكستان.

وسيتعين على الهند إعادة معايرة سياستها لإدارة علاقاتها التاريخية مع بنغلاديش، مثلما أدارت علاقاتها مع أفغانستان تحت حكم طالبان، بعد الإطاحة بالحكومة المؤيدة للهند والمدعومة من الولايات المتحدة في كابل. وبالتالي، فمع الإطاحة بحكومة الشيخة حسينة، أصبحت بنغلاديش أيضًا سيناريو خاسرًا بالنسبة للهند.

المساحة تتقلص أمام حسينة، حيث ألغت الولايات المتحدة الأميركية تأشيرتها، كما لا يبدو أن المملكة المتحدة راغبة في منحها اللجوء، ومن الشواهد على ذلك مطالبة وزير الخارجية البريطاني "ديفيد لامي" بإجراء تحقيق تقوده الأمم المتحدة في الأحداث التي وقعت في بنغلاديش في الأسابيع القليلة الماضية

التحديات الجغرافية

يعرب عديد من الخبراء ومحللي السياسة في الهند حاليًّا عن مخاوفهم التي تتصاعد مع مرور الوقت، حيث إنه لدى الهند اليوم علاقات عدائية مع باكستان، وأخرى غير ودية مع الصين، وفقدت جزر المالديف ونيبال وبوتان، وتتعلق بخيط رفيع في أفغانستان، حيث تأمل الهند في استعادة العمق الإستراتيجي.

وكل هذه المعطيات السياسية تؤكد بشكل واضح لا لبس فيه أنه لا شيء يمكن أن يكون أكثر تحديًا لدولة ما، وخاصة لدولة كبيرة المساحة والتعداد السكاني مثل الهند، من العيش في جوارٍ معادٍ.

أحلام تتبدد

في حين كانت الهند تأمل في اكتساب مكانة القوة المحورية في منطقة المحيطين (الهندي والهادئ) بدعم أميركي، فإن جوارها المباشر ينزلق من بين يديها، ولا تستطيع التعايش معه وسط كل هذا العداء والاستقطاب الواضح للعيان. ومن المتوقع أن الهند، التي أقامت فيها الشيخة حسينة مدة ست سنوات أثناء نفيها في السبعينيات، وكانت أيضًا داعمًا قويًّا لحكومتها في بنغلاديش، لن تبقيها لديها لفترة طويلة بسبب حساسية الأمر هذه المرة.

فالمساحة تتقلص أمام حسينة، حيث ألغت الولايات المتحدة الأميركية تأشيرتها، كما لا يبدو أن المملكة المتحدة راغبة في منحها اللجوء، ومن الشواهد على ذلك مطالبة وزير الخارجية البريطاني "ديفيد لامي" بإجراء تحقيق تقوده الأمم المتحدة في الأحداث التي وقعت في بنغلاديش في الأسابيع القليلة الماضية، وهو الأمر الذي يزيد من قلق الهند، ويفقدها الأمل في استعادة السيطرة على مقاليد الأمور في بنغلاديش مرة أخرى للحفاظ على مصالحها الإستراتيجية.

قد يستغل حزب المؤتمر الوطني الهندي وأحزاب المعارضة الأخرى الوضع، لانتقاد نهج حكومة مودي في الدبلوماسية الإقليمية، بحجة أنها فشلت في توقع قوة المعارضة لحسينة

صعود المنافس الأقوى

إن الاضطرابات السياسية في بنغلاديش تمثل فرصة كبيرة للصين لتوسيع نفوذها في المنطقة، وقد كانت الصين تستثمر بشكل نشط في بنغلاديش من خلال مبادرة الحزام والطريق، ومن الممكن أن ترحب الحكومة الجديدة الأقل انحيازًا للهند بزيادة الاستثمار والدعم الصيني، وسوف يشكل هذا التحول تحديًا إستراتيجيًّا للهند، التي كانت حذرة من الوجود الصيني المتنامي في جنوب آسيا؛ فالوجود الصيني الأقوى في بنغلاديش يمكن أن يقوض نفوذ الهند، ويعقّد حساباتها الإستراتيجية في المنطقة.

ملاحقة الحكومة الهندية

لا شك أنه من المرجح أن يكون للتطورات في بنغلاديش تداعيات سلبية على السياسة الداخلية الهندية، وقد تواجه حكومة مودي، التي ارتبطت ارتباطًا وثيقًا بإدارة حسينة، ملاحقات واستجوابات سياسية بشأن تعاملها وعلاقاتها مع بنغلاديش.

وقد بدأت أحزاب المعارضة في الهند بالفعل في استغلال الوضع للتشكيك في فاعليّة السياسة الخارجية للحكومة وجدواها، كما يمكن أن تصبح المخاوف بشأن سلامة الأقلية الهندوسية في بنغلاديش، خاصة في ظل التخوف من صعود الإسلاميين لسدة الحكم، نقطة محورية للخطاب السياسيّ في الهند.

وقد يستغل حزب المؤتمر الوطني الهندي وأحزاب المعارضة الأخرى الوضع، لانتقاد نهج حكومة مودي في الدبلوماسية الإقليمية، بحجة أنها فشلت في توقع قوة المعارضة لحسينة، وقد يؤدي هذا إلى زيادة الضغوط على الحكومة لوضع إستراتيجية واضحة للتعامل مع المشهد السياسي الجديد في بنغلاديش.

الهند الآن وجدت نفسها محاطة جغرافيًّا بأعداء صنعتهم بيديها، ومحاطة سياسيًّا بمعارضين اختارتهم صناديق الانتخابات الأخيرة

يمثل سقوط حكومة الشيخة حسينة في بنغلاديش نقطة تحول مهمة ذات آثار بعيدة المدى على الهند، ففقدان حليف رئيسي تم تشكليه والتواؤم معه في الرؤى عبر سنوات طويلة، وتنامي رصيد المشاعر الشعبية المعادية للهند، وزيادة المؤشرات على احتمالية زيادة النفوذ الصيني.. كلها تشكل تحديات كبيرة لنيودلهي وحكومتها، التي فازت في آخر انتخابات عامة لها بنسبة أقلّ من ذي قبل، في ظلّ زيادة أصوات المعارضين في البرلمان الهندي، وبالتالي فإن الهند الآن وجدت نفسها محاطة جغرافيًّا بأعداء صنعتهم بيديها، ومحاطة سياسيًّا بمعارضين اختارتهم صناديق الانتخابات الأخيرة.

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.


إعلان