شعار قسم مدونات

مقاصد الشريعة هي مقاصد الحكومة

لم تأتِ قوانين الشريعة في الإسلام إلَّا متوافقة مع العقل والمنطق (الجزيرة)

اهتمّ العالم المعاصر بالمنطق والعقل اهتمامًا كبيرًا، وأثار التساؤلات حول وجود الإله والحاجة إلى الأديان، وبحسب هذا النظام العالمي، يحتاج المسلمون إلى تأويل قوانين الإسلام منطقيًا وعقليًا.

وقد سلطت قوانين الإسلام كلها الضوء على مصالح الناس، وبذل فقهاء الإسلام جهودهم في تصنيف كتب المقاصد التي فصلوا فيها مقاصد الشريعة، وهي تقوم على جلب المصالح ودفع المفاسد، ومن المعروف أن كل شعوب الإنسانية لا تزال تجتهد لتحقق مصالح المجتمع.

ووفقًا لهذه النظرية، قامت الحكومات بوضع الدساتير والقوانين لاستهداف مصالح العامة، كما نعلم أنّ الحكومات توزع أموالها على بنود الموازنة؛ بهدف حفظ الصحة العامة، وتنمية الأنشطة التعليمية، وغير ذلك، وتقوم بالتقنين؛ بهدف صيانة أمن العامة، وحماية حقوق المواطنين.

والشريعة الإسلامية أيضًا تقوم على هذه الغايات المهمة، لأن قوانينها كلها تعود إلى الكليات الخمس أو الست، وهي: حفظ الدين، وحفظ النفس، وحفظ العقل، وحفظ المال، وحفظ النسل، وحفظ العرض، ولا جدال بين الأفراد والمجتمعات بشأن حفظ هذه الكليات، ويمكننا أن نحفظ الأمن والسلام من خلال اعتبار هذه الكليات. وكل الحكومات والمجتمعات تشمّر عن سواعدها في سبيل تحقيق الأمن والسلام عبر التقنين.

المصالح والمفاسد التي وضعتها الحكومات تخلو من الثواب أو العقاب على فعلها، وبذلك لا يقوم الناس بتنفيذ القوانين التي وضعتها الحكومة

التشابه والاختلاف بين مقاصد الشريعة والحكومة

لم تأتِ قوانين الشريعة في الإسلام إلَّا متوافقة مع العقل والمنطق، وخلف كل قوانينه علل مكنونة وأهداف مستورة، ولزامٌ علينا أن نرفع سدولها بين أيدي الناس، ومن المعلوم أنّ الإسلام حرم القتل والانتحار وغير ذلك؛ بهدف حفظ النفس، وحرّم النهب والغصب والربا وغير ذلك؛ بهدف حفظ المال، وحرّم الخمر والمخدرات وما إليه بهدف حفظ العقل، وحرّم القذف والغيبة والنميمة وغير ذلك؛ بهدف حفظ العرض، وحرّم الزنى؛ بهدف حفظ النسل.

إعلان

ليست المصالح والمفاسد في الإسلام منحصرة في الدنيا فحسب، بل تمتدُّ أبعادها إلى الآخرة، وتكون المصالح والمفاسد في الآخرة العنصر المحرض على القيام بالأعمال الخيّرة وترك الشرور، ولكن المصالح والمفاسد التي وضعتها الحكومات تخلو من الثواب أو العقاب على فعلها، وبذلك لا يقوم الناس بتنفيذ القوانين التي وضعتها الحكومة.

رُبما يظنّ الناس أنّ في الفواحش والخمر لذّاتٍ ومصالحَ، ولكن الإسلام اعتبرها مفاسدَ؛ فوضع قوانين تمنعها وتعاقب عليها، أي وضعت الشريعة هذه القوانين باعتبار المصالح الكلّية لا الجزئية، على سبيل المثال: إذا ارتكب كلّ الأفراد الفواحش معًا حسب رغباتهم يفسد نظام العالم، والحكومات أيضًا تتخذ القرارات على حسب الكلي لا الجزئي، كما أن الحكومات تضع شرطي المرور عند زحام المرور، لا في الشوارع الفارغة.

غرض الشريعة الإسلامية هو حفظ نظام المجتمع، فندرك مقاصد الشريعة بالعلم والتجربة، والله هو الذي يوضِّح المصالح والمفاسد التي تنتج

اعتنى الإسلام بالأولويات عنايةً عظيمة، وهي تنقسم إلى ثلاث فِرق، وهي الضروريات والحاجيات والتحسينيات، ومن إثبات الضروريات حفظ الكليات الخمس، والحاجيات والتحسينيات تعتمد على الضروريات. على سبيل المثال: إذا عارض حفظُ المالِ حفظَ النفسِ، فحفظ النفس أولى من حفظ المال.

ومن أهم قواعد المقاصد اعتبار المصالح العامة قبل المصلحة الخاصة؛ لأنّ قصد الشارع حماية المصالح العامّة، مثلًا: إنفاق المال في البئر العامة أَوْلى من إنفاق المال في البئر الخاصة، والحكومات أيضًا تحاول أن تقدّم المصالح العامة على المصالح الخاصة.

إنَّ غرض الشريعة الإسلامية هو حفظ نظام المجتمع، فندرك مقاصد الشريعة بالعلم والتجربة، والله هو الذي يوضِّح المصالح والمفاسد التي تنتج عن الأفعال، لا الإنسان؛ لأنّ قلوب البشر تتأثر بالرغبات والأهواء، كما هو واضح.

ابتدع هذا الفن العَلَم الكبير إمام الحرمين الجويني، وترعرع في عهد الإمام الغزالي وعزالدين بن عبدالسلام، وعُرف كتاب الموافقات للشاطبي بدستور المقاصد الشرعية، ووقفت منتجات هذا الفن حتّى طلوع الإمام الطاهر بن عاشور المعروف بأبي المقاصد الثاني.

إعلان

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.


إعلان