شعار قسم مدونات

تفسير غريب لمشاركة الأمازيغ في فتوح فرنسا

أبو عبد الله الصغير.. آخر ملوك الأندلس المظلوم تاريخيا
الأمازيغ، على حداثة عهدهم بالإسلام، كانوا أكثر تمسكًا بالإسلام وحماسًا للفتح (مواقع التواصل)

كان للأمازيغ دورٌ كبير في فتح الأندلس، ذلك الفتح المبين الذي حدث في فترة زمنية قياسية، لا تتعدى السنوات الثلاث (92-95هـ)، وبتكاليف لا تكاد تذكر، مقارنة بتكاليف فتح المغرب، حتى لقد كانت الأغلبية الساحقة في جيش طارق بن زياد الأمازيغ إلى إسبانيا من المسلمين الأمازيغ، الذين تحمّسوا للعقيدة الإسلامية، حبًا لها وتضحية من أجلها، لا طمعًا في مغنم أو حرصًا على جاهٍ.

فأي دور أخذه الأمازيغ يا ترى في فتوح المسلمين فيما وراء جبال البُرت، حيث البلاد التي تسمى غالة أو بلاد الغال أو بلاد الفرنجة (فرنسا حاليًا)؟!

يشير حسين مؤنس إلى أن الأمازيغ، على حداثة عهدهم بالإسلام، كانوا أكثر تمسكًا بالإسلام وحماسًا للفتح من العرب، لأن الإسلام -كما يقول- كان وسيلتهم الأولى في النهوض بأنفسهم، والاحتفاظ بحقهم كأنداد للعرب

يحدّثنا المؤرخ الدكتور حسين مؤنس، المتخصص في تاريخ الأندلس، عن ذلك الدور في كتابه "فجر الأندلس"، فيقول حين الحديث عن جماعات الأمازيغ التي هاجرت إلى الأندلس بعد الفتح: "وإلى هذه الجماعات الأمازيغية يرجع جانب كبير من دفع العرب إلى الاسترسال في الفتوح في غالة".. ويضيف قائلًا: "كانت جماعات الأمازيغ تجوز إلى الأندلس، وقلوبها معلقة بالفتح والجهاد، وما يتعلق بهما من مغانم وأسلاب ومكاسب، وكانوا يتجمعون في الأندلس، فلا يستطيع العمال تركهم دون عمل يتسكّعون في العاصمة وحولها، فكانوا ينهضون معهم للغزو".

ويخلص إلى القول: "ولا شك أن حملات واسعة المدى، كتلك التي قام بها السمح بن مالك (100-102هـ)، أو عنبسة بن سحيم (103-107هـ)، ما كانت لتتم لولا وجود هذه الجماعات الأمازيغية المتوفزة المتعطشة للفتح ومغانمه. وكلما زاد نشاط الفتح زاد هؤلاء الأمازيغ ضراوة على الحرب وطمعًا في المغانم، وربما اشتدّ طمعهم في الأسلاب، فكان ذلك من أسباب فشل بعض الحملات".

إعلان

ثم يشير حسين مؤنس إلى أن الأمازيغ، على حداثة عهدهم بالإسلام، كانوا أكثر تمسكًا بالإسلام وحماسًا للفتح من العرب، لأن الإسلام -كما يقول- كان وسيلتهم الأولى في النهوض بأنفسهم، والاحتفاظ بحقهم كأنداد للعرب، وسادة في البلاد المفتوحة، وأصحاب حق في الغنائم والأرضين.

وكان قد ذكر قبل ذلك أن غالبية الجند الإسلامي المحارب في غالة كانوا من الأمازيغ. قال: وتدل الدلائل كلها على أن أعداد هؤلاء الأمازيغ كانت عظيمة، وإن لم تبلغ مئات الآلاف كما يزعم رواة أصحاب المدونات اللاتينية، والغالب أن معظم من كان يهاجر إلى الأندلس من الأمازيغ كان يهاجر إليها طمعًا في فضل الجهاد ومغانمه، ولهذا كانت جموعهم في الجيوش الغازية عظيمة، وكان طمعهم في الغنائم كبيرًا كذلك، وقد كان لهذا وذاك أثرهما البعيد في تطور أحداث الغزوات في غالة.

قلت: وليس هناك من ينكر الدور الهام، الذي أخذه المسلمون الأمازيغ في فتوح غالة، وقبل ذلك في فتوح الأندلس، بل حتى في فتوح المغرب نفسها قبل هذا وذاك، ولكن ما قاله المؤرخ الدكتور حسين مؤنس غير دقيق في جملته وفي تفاصيله، بل إن بعض العبارات والألفاظ التي استخدمها هي في ذاتها غير مستساغة، وغير لائقة، وخاصة قوله: "وكانوا يتجمعون.. فلا يستطيع العمال تركهم دون عمل يتسكّعون في العاصمة وحولها، فكانوا ينهضون معهم للغزو".

كان في هؤلاء الأمازيغ قوة تدفعهم إلى الاسترسال في الفتوح، كما كانت شعوب المتبربرين يدفع بعضها بعضًا نحو أراضي الدولة الرومانية

  • الدكتور حسين مؤنس

فهذا في حقيقة الأمر تفسير غريب وعجيب لشرح دوافع استرسال المسلمين في الفتوحات فيما وراء جبال البُرت، وفيه تبسيط شديد ومخلّ لهذه الظاهرة العجيبة، التي أدهشت المؤرخين قديمًا وحديثًا، أعني ظاهرة الفتوحات الإسلامية، وهو يغضّ من الأهداف السامية لهذه الفتوحات؛ فهو يفيد أن الهدف منها – في حالتنا هذه على الأقل- كان حل مشكلة البطالة لأولئك الأمازيغ العاطلين عن العمل، والمتسكّعين في شوارع قرطبة!. ومتى كان ذلك؟ على رأس القرن الثاني الهجري، أي في زمن لم يكن الناس فيه قد عرفوا بعد البطالة بمفهومها الحالي، ومدى خطرها على الفرد والمجتمع.

إعلان

كما أن في هذا الطرح الإنشائي تأكيدًا لنظرية المستشرقين الرائجة حول الفتوحات الإسلامية، وهو أن الطمع في المغانم والتهافت عليها كان هو العامل الأهم لتلك الفتوحات، وبخاصة في أوروبا. ولا نعتقد أن المسلمين الأمازيغ، أو المسلمين من أي جنس أو لسان آخر، يقبلون أن يُثمّن دورهم وتُمتدح مشاركتهم في هذه الفتوحات بمثل هذه العبارات المسيئة، وعلى هذا النحو غير اللائق؛ لأنه في حقيقة الأمر ليس مدحًا، بل هو ذم أكثر منه مدحًا، بل لا يقبل بذلك مسلم لا لنفسه ولا لغيره.

وليس ذلك فحسب، إذ إننا نجد أن الدكتور حسين مؤنس، بعد كلامه السابق مباشرة، يشبّه غزوات المسلمين على بلاد الغال بغزوات الجرمان البرابرة عليها في القرون السالفة، فيقول: كان في هؤلاء الأمازيغ إذن قوة تدفعهم إلى الاسترسال في الفتوح، كما كانت شعوب المتبربرين يدفع بعضها بعضًا نحو أراضي الدولة الرومانية"!. وهذا تشبيه في غير محله ومقارنة في غير مكانها.

خرج عنبسة غازيًا للروم بالأندلس، وأهلها يومئذ خيار فضلاء، أهل نيّة وحسبة في الثواب، فألحّ على الروم في القتال والحصار حتى صالحوه، وتوفّي عنبسة في شعبان سنة 107هـ

والغريب أن حسين مؤنس يخلص بعد ذلك كله إلى القول: "هكذا يمكننا تعليل جانب من هذا النشاط الحربي العظيم الذي أبداه المسلمون في فتوح الأندلس وغالة"!. فأي عظمة، وأي قيمة، وأي أهمية دينية، بقيت لهذا النشاط الحربي (فتوح المسلمين في الأندلس وغالة) مع القول في وصف الأمازيغ: "يتسكعون في العاصمة"، وبقوله: "وكلما زاد نشاط الفتح زاد هؤلاء الأمازيغ ضراوة على الحرب وطمعًا في المغانم"؟!. وأخيرًا وليس آخرًا، مع تشبيه تدافع المسلمين نحو غالة بتدافع المتبربرين من القبائل الجرمانية نحو أراضي الدولة الرومانية.

وأين هذا من وصف المؤرخ المغربي ابن عذاري المراكشي، صاحب كتاب "البيان المغرب"، لحال المسلمين في الأندلس في مستهل ولاية عنبسة بن سحيم الكلبي (103-107هـ): "وفي سنة 105هـ، خرج عنبسة غازيًا للروم بالأندلس، وأهلها يومئذ خيار فضلاء، أهل نية في الجهاد، وحسبة في الثواب، فألح على الروم في القتال والحصار حتى صالحوه، وتوفي عنبسة في شعبان سنة 107هـ"؟.

إعلان

وهي عبارة يفهم منها أنّ عامل النية في الجهاد، والحسبة في الثواب، كانا من أهم عوامل استرسال المسلمين لمواصلة الفتوح خلف جبال البُرت، أي في بلاد الغال (فرنسا)، سواء كانوا عربا أم أمازيغا.

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.


إعلان