شعار قسم مدونات

النصر المطلق أم الفشل الذريع؟!

حماس نتنياهو
خسر الكيان الصهيوني هذه الحرب منذ انكشاف زيف مقولة "أقوى جيش في المنطقة" في 7 أكتوبر (الجزيرة)

كلما ظهر نتنياهو أمام عدسات الكاميرات، استغلّ الفرصة للتلاعب بمشاعر أهالي الأسرى، مخدّرًا إياهم بوعود فارغة، أدرك الجميع منذ زمن بعيد أنها لم تعد تُسمن ولا تُغني من جوع.

"النصر المطلق" هو نفسه الذي تعتبره معظم حكومة نتنياهو، بمن فيهم وزير الدفاع يوآف غالانت، مجرد هراء وذر للغبار في العيون

منذ أشهر، يرسل نتنياهو الوفد الصهيوني للتفاوض بأيدٍ مكبّلة ومنزوعة الإرادة، لا حول لها ولا قوة في التعامل مع نقاط الخلاف مع حماس، وهي نقاط اختلقها نتنياهو نفسه لعرقلة الصفقة!. وعندما يثور الكيان بأكمله – بمن في ذلك حكومته- ويتهمونه بعرقلة التوصل إلى صفقة أسرى طال انتظارها، يعود ليكرر أن حماس هي التي لا تريد التوصل إلى اتفاق، وأنه لا حل إلا الحل العسكري لتحقيق "النصر المطلق".

هذا "النصر المطلق" هو نفسه الذي تعتبره معظم حكومة نتنياهو، بمن فيهم وزير الدفاع يوآف غالانت، مجرد هراء وذر للغبار في العيون. وهذا ليس بجديد، إذ إن هدفَي الحرب الأساسيين يتناقضان تمامًا؛ فلا يمكن استعادة الأسرى والقضاء على حماس في الوقت نفسه. فالمقاومة ستسعى للتخلص من جميع الأسرى الأحياء بمجرد أن تبدأ بالانهيار، إن حدث ذلك أساسًا، وهو ما لا توجد أي مؤشرات على وقوعه، رغم القصف العشوائي والفاشي الذي تجاوز شهره الحادي عشر.

وهنا بيت القصيد.. فحتى لو افترضنا جدلًا أن الهدفين الأساسيين لا يتعارضان بأي شكل من الأشكال، فكيف يجرؤ نتنياهو على تكرار سيمفونية "النصر المطلق"، بالرغم من أن الإحصائيات تشير إلى أن نحو سبعين من الرهائن قد لقوا حتفهم جراء القصف الصهيوني؟! أي نصر هذا الذي لا يُضيرُه مصرع أكثر من نصف الرهائن؟!

إن نتنياهو وأتباعه قد خسروا الحرب منذ زمن بعيد، كما عنونت صحيفة "هآرتس" في الأسابيع القليلة الماضية: "على إسرائيل أن تقبل بأنها خسرت الحرب". لقد خسر الكيان الصهيوني هذه الحرب منذ انكشاف زيف مقولة: "أقوى جيش في المنطقة" في السابع من أكتوبر/تشرين الأول، وبدلًا من السعي لتقليل الخسائر، يظهر بوضوح أن نتنياهو لا يهتم باليوم التالي للحرب؛ ما يهمه حقًا هو إطالة أمدها قدر الإمكان، وبالتالي البقاء في منصبه دون محاكمة. لذلك، فهو مستعد لقيادة الكيان بأسره إلى الهاوية معه، لأن إنقاذ نفسه من تبعات السابع من أكتوبر/تشرين الأول لطالما كان وهمًا.

نبارك لأهل غزة هذا الصمود وهذه الدروس في الصبر والعطاء في سبيل الله، وأن النصر التاريخي ما هو إلا مسألة وقت

وهكذا تتعقد الأمور أكثر فأكثر على الكيان الصهيوني، فغطرسة نتنياهو لن تكلفه فقط فواتير حرب باهظة اقتصاديًّا وعسكريًّا، بل إن تعنّته سيكون العامل الأساسي في بقاء الكيان في حرب استنزاف لا يقدر عليها، والحال كما عنونت صحيفة "معاريف" قبل أيام، مشيرة إلى قرب دخول الشتاء.. "المطر على الباب، وإسرائيل على وشك الغرق في وحل غزة".

لا شك أن المآسي تحيط بأهل غزة من كل جانب، واللسان يعجز عن وصف هول ما جرى ويجري هناك!. لن أقول لأهل غزة إن عليهم الصبر والصمود، فقد عهدناهم كذلك منذ زمن طويل، حتى قبل حرب الإبادة هذه، لكنني أقول إن الله اصطفى أهل غزة ليكونوا خط الدفاع الأول والأوحد في الكفاح ضد الصهاينة، وهذا الاصطفاء يتطلب تضحيات لا يستطيع العقل استيعابها، وفي المقابل هناك شهادة تتلوها شهادة في سبيل الله.. ﴿ولا تحسبنَّ الَّذين قُتلوا في سبيل اللَّه أمواتًا بل أحياءٌ عند ربِّهِم يُرزقون﴾.

فنبارك لأهل غزة العزة هذا الصمود وهذه الدروس الإعجازية في الصبر والعطاء في سبيل الله، ونبارك لهم هذا النصر التاريخي الذي ما هو إلا مسألة وقت ليظهر بحلته الرسمية.. نبارك لأهل غزة أنهم كانوا أهل بدر هذا الزمان، فما أعظم هذا التشريف الإلهي!

أختم وأذكّر بأن العالم لن يعود كما كان عليه قبل السابع من أكتوبر/تشرين الأول، وبأن نهاية الاحتلال الصهيوني قد بدأت بلا شك. وإن حكومة نتنياهو اليمينية المتعصبة هي الحكومة المثالية لقيادة الكيان نحو زواله.. كيف لا وهي الحكومة التي يجعلنا رئيس وزرائها، في كل مرة يصر فيها على "النصر المطلق"، نقول: النصر المطلق أم الفشل الذريع؟!

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.


إعلان