شعار قسم مدونات

معركة طوفان وسائل التواصل الاجتماعي

بسبب الحرب.. عام دراسي دون تعليم في غزة
إسرائيل سفت ودمرت ما لا يقل عن 90% من مساكن غزّة وبيوتها خلال الحرب الأخيرة الجارية (الجزيرة)

عقب السابع من أكتوبر/تشرين الأول انحدر الإعلام الغربي إلى مستويات غير مسبوقة من التضليل، ونشر الكراهية، وتسابق الإعلاميون في استرضاء إسرائيل على حساب دم الفلسطينيين.

في خضم هذا المشهد كانت هناك أصوات تخوض معارك إعلامية لا تقلّ شراسة عن معارك الميدان، ومعارك السلاح؛ ليتحول المشهد جملة وتفصيلًا إلى حملة شعبية مضادة، تصاعدت بعد انكشافٍ فاضحٍ للخطاب السياسي والإعلامي الغربي المنحاز لصالح إسرائيل، والذي يزرع في وعي المتلقي الأوروبي والدولي بشكل عام أن الشعب الفلسطيني هو المعتدي، وأن إسرائيل في حالة دفاع عن النفس. في حين أن إسرائيل قامت على أساس تطهير عرقي في فلسطين منذ عام 1948، وما زالت إلى اليوم تمارس الجرائم والفظائع بحق الفلسطينيين، ومع ذلك لا تبالي.

 رئيس وزراء إسرائيل خرج في أول يوم في الحرب على غزة ليقول مقتبسًا من التوراة: اقتلوا رجالهم ونساءهم وأطفالهم وحيواناتهم وخيولهم وحميرهم، ولا تبقوا على شيء

لقد واجه الشباب الفلسطيني هذه المعركة على وسائل التواصل الاجتماعي خارج فلسطين، حيث استخدموا منصّاتهم من أجل تسليط الضوء على ما يجري هناك، وقد استقطب هذا المحتوى الخام ملايين المشاهدات، وأسهم في نشر الوعي حيال الظروف المفجعة التي يرزح تحتها الفلسطينيون. بالإضافة إلى ذلك كانت التغطية التي يقوم بها مراسلون من داخل غزة عبر وسائل التواصل الاجتماعي، ما أحدث مفارقات في سياق أنسنة القضية الفلسطينية، أي تغليب البعد الإنساني فيها، ونزع التعريف الوطني السياسي عنها.

إعلان

وبفضل تنامي التغطية الشفافة من قبل المراسلين المستقلّين على الأرض في غزة، بدأ الناس يشكّكون أكثر فأكثر في تحيّز وسائل الإعلام التقليدية الغربية بالمقارنة مع وسائل التواصل الاجتماعي. ورغم الدم الفلسطيني النازف منذ 11 شهرًا بلا توقف، فقد استطاع ذلك الدم والجوع الفلسطيني الممزوج بالإرادة والتحدي والمقاومة والصمود، الانتصارَ الفعلي على آلة الكذب الإسرائيلية في معركة تجنيد الرأي العام الدولي، ومواجهة شراسة التزوير الذي مارسته الدعاية الإسرائيلية بعد عملية طوفان الأقصى، ما أدى إلى انحسارها، الأمر الذي يتطلب من الكل الفلسطيني استثمار تلك المتغيرات الدولية، وتجييشها وتجنيدها، وتحويلها إلى قرارات فاعلة لوقف الحرب على غزة.

لم يعد الإعلام التقليدي اليوم قادرًا على أن يسيطر على وعي شعوب العالم؛ لأن ثَمة جيلًا متعلمًا من الشباب الفلسطيني خرج من تجربة الشتات والمنافي، يستطيع أن يخاطب العالم بلغة يفهمها.

على مدار عقود زرعت الرواية التقليدية لوسائل الإعلام التقليدية، أن إسرائيل في حالة دفاع عن نفسها، وأن الفلسطينيين هم من يمارسون العنف. بينما نجد أن رئيس وزراء إسرائيل قد خرج في أول يوم في الحرب على غزة ليقول مقتبسًا من توراتهم: "اقتلوا رجالهم ونساءهم وأطفالهم وحيواناتهم وخيولهم وحميرهم، ولا تبقوا على شيء".. أليست هذه نية واضحة لارتكاب هذه الإبادة؟

إسرائيل هي من يجب أن تدان وليس الفلسطيني؛ فهي تستخدم العنف ضد المدنيين في غزة وترهبهم، وتمارس عليهم الوحشية، بما في ذلك التدمير الهمجي للبنية التحتية، وشبكات المياه والكهرباء والمجاري

إن كانت هناك عدالة، فالأجدر أن يتم التنديد بإسرائيل أولًا؛ لأن إسرائيل هي القائمة بحالة الاحتلال والحصار والتطهير العرقي، ثم إنه – وبقوة المنطق – أليس أساس العنف الاحتلال؟

الاحتلال الذي يمنع عنك إنسانيتك، وحقوقك، وهُويتك، وحركتك، ويمنع عنك الماء والهواء والدواء؛ أليس هذا قمّة العنف في الدنيا والإرهاب؟ أم إن دم الفلسطيني مستباح وأقلّ أهمية من دم الإسرائيلي؟

إعلان

إن إسرائيل هي من يجب أن تدان وليس الفلسطيني؛ لأن إسرائيل هي من تستخدم العنف ضد المدنيين في غزة وترهبهم، وتمارس عليهم الوحشية والقمعية الانتقامية، بما في ذلك التدمير الهمجي للبنية التحتية، وشبكات المياه والكهرباء والمجاري، والمدارس والمستشفيات والعيادات الطبية وجميع الجامعات.

ونسفت ودمرت ما لا يقل عن 90% من مساكن غزّة وبيوتها، وهي تمارس القتل الجماعي بالقصف لأحياء وعائلات بأكملها، من دون سبب أو مبرّر، بالإضافة إلى عمليات الإعدام الميدانية لمئات الغزيين، ودفن بعضهم أحياء في مقابر جماعية، والمعاملة اللاإنسانية للأسرى والمعتقلين، بتعريتهم وضربهم وتعذيبهم، وإهانة كرامتهم.

نحن فقط رفضنا هذا، رفضنا أن نكون في خانة الدفاع وتحولنا إلى خانة الهجوم؛ لأن إسرائيل هي التي نشأت بقرار بريطاني، نشأت بوعد بلفور المشؤوم، الوعد بإنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين.

وعليه؛ ما دامت إسرائيل تحاصرنا من كل الزوايا، سواء على المستوى الرسمي أو السياسي أو الشعبي أو الإنساني من خلال الإعلام، فإن لنا أدواتنا الفاعلة في نقل الحقيقة ودعم المقاومة والنضال من خلال معركة الرأي العام.

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.


إعلان