شعار قسم مدونات

أين النخب؟!

تقرع نواقيس الخطر في المجتمع من خلال النخب التي تتصدر المجتمع (غيتي إيميجز)

لا يختلف اثنانِ في زماننا بأننا نعيش في ظرف حسّاس ومصيري، هذا الظرف الاستثنائي، الذي يجمع ما بين تقلبات السياسة والاقتصاد والحالات الاجتماعية، والتخوفات من المستقبل وتقلص الفرص، وضبابية الرؤية، يقودنا إلى سؤالٍ مباشر ومحوري، سؤالٍ يتصل بحاضرنا ومستقبلنا، ويمثل العنوان الأبرز لمرحلة سنعيشها شئنا أم أبينا.

السؤال – بدون إطالة أو تحوير- يتعلق بالنخب الأكاديمية والاقتصادية والسياسية والمثقفة في شتى المجالات، ودورها في هذا الواقع المضطرب.. فهل تأخذ هذه النخب فعلًا مكانها ومكانتها ودورها الحقيقي، وتؤدي الدور المنوط بها في تحقيق رسالتها التخصصية؟

إن المطلوب اليوم  – بشكل واضح وصريح – أن يدرك كل فرد في المجتمع قيمته الحقيقية، وهي قيمة تتحدد بعلمه أو بمكانته الاجتماعية أو قدراته العقلية أو ملكات التفكير والتخطيط لديه أو قدرته على الاتصال والتأثير أو خبرته أو تخصصه، وهذا ما يجعله – كشاعر أو سياسي أو اقتصادي – صاحب مكانة مؤثرة في مجتمعه، ومحط أنظار الأفراد عند كل أزمة ومفترق طرق، وبذلك فإن هناك مسؤولية تترتب على عاتقه في رد الجميل إلى المجتمع الذي يحتضنه ويقدره، ومن أولى الأولويات أن ينشر علمه أو تخصصه أو معرفته أو توصياته للمجتمع ليكون محصنًا بالعلم، حيًا بالمعرفة، قادرًا على تجاوز الأزمات.

النخب هي مفتاح التغيير، وهي عنوان مجتمعها؛ فالفنان بريشته، والأديب بشعره ونثره، والسياسي في ميدانه، والاقتصادي في مجاله، والطبيب في صنعته، والمهندس في مخططه، والمعلم في رسالته، والمؤسسات الأهلية والمجتمعية في المجالات التي انطلقت لأجلها

العيون اليوم تتطلع إلى المخارج الاقتصادية، وآليات التعامل مع الأزمات المتلاحقة، كما تنظر وتنتظر الحلول السياسية، ويحتاج كل أبٍ أو أمٍّ أو فتاة أو مؤسسة إلى توجيهٍ لكيفية التعامل مع الواقع الراهن؛ وهذا يعني بالضرورة أن يتكلم الأكاديميون، ويتصل المثقفون بالإعلام، وتنشط المؤسسات الأهلية في طرح فِكَرها ومشروعاتها ورؤاها للحاضر والمستقبل.

لن يغفر التاريخ لمن يملك علمًا ويكتمه، ولن أسامح من كان سببًا في فشل قد يصيبني، أو ضرر قد يلحق بي، سببه أن أحدهم قرر أن يحجب عني علمًا أو فكرة أو رؤية كانت تمثل حبل نجاح، والمسؤولية هنا فردية بالدرجة الأولى، تتصل بالمثقف نفسه وبانتمائه الحقيقي إلى مجتمعه وجذوره، ثم هي بعد ذلك مسؤولية حكومية رسمية تتصل بكل الوزارات، لتحفيز القطاعات التابعة لها، وتنظيم ورشات العمل والمؤتمرات والندوات، وإصدار النشرات الخاصة بشكل عقلاني ناضج ومباشر، لخدمة أهداف وتطلعات المجتمع الذي ينتظر الكثير منهم.

إن وجود مشكلات، وأزمات سياسية واقتصادية وفكرية واجتماعية سابقة، لا يعني أن نغرق في الماضي، بل علينا أن ننقذ أنفسنا حاليًا من الغرق، لنتمكن من الوصول إلى الغد؛ فصورة المستقبل الذي نكون فيه أقوياء – بل وأحياء- تعتمد بشكل أساسي على ما يمكننا فعله اليوم، والنخب هي مفتاح التغيير، وهي عنوان مجتمعها؛ فالفنان بريشته، والأديب بشعره ونثره، والسياسي في ميدانه، والاقتصادي في مجاله، والطبيب في صنعته، والمهندس في مخططه، والمعلم في رسالته، والمؤسّسات الأهلية والمجتمعية في المجالات التي انطلقت لأجلها.. وبذلك تنطلق المبادرات، وتقرع نواقيس الخطر في المجتمع من خلال النخب التي تتصدر المجتمع كلٌ في مجاله.

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.


إعلان