"تدرك إيران أنه لكي تتحدّى أميركا حقًا، يجب عليها أولًا أن تغزو الشرق الأوسط، لهذا تستخدم وكلاءها العديدين، بمن في ذلك الحوثيون وحزب الله وحماس. لكن في قلب الشرق الأوسط تقف في طريق إيران ديمقراطية فخورة مؤيدة لأميركا، بلادي دولة إسرائيل".
بهذه الكلمات أعاد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو التاريخ للوراء، إلى عام 1941، حيث في ذات القاعة وأمام الحاضرين من أعضاء الكونغرس، ووسط جو أمني مهيب يشبه ما كان عليه نهار الأربعاء 24 يوليو/تموز الماضي، عندما علا التصفيق لمدة نصف ساعة لرئيس الوزراء البريطاني يومها ونستون تشرشل الذي أتى واشنطن لإدخالها الحرب العالمية الثانية، فهل هذا ما أتى من أجله نتنياهو، ولكن الثالثة بدل الثانية؛ لتحقيق مصالح إسرائيل أم لضمان مستقبله السياسي؟
بدعوة من الحزبين الرئيسيين: الجمهوري والديمقراطي ألقى نتنياهو كلمة في الكونغرس، وسط تغيّب عشرات المشرّعين الديمقراطيين في تعبير عن استيائهم من مقتل آلاف المدنيين والأزمة الإنسانية الناجمة عن الحملة الإسرائيلية في غزة، وفي ظل تجمع آلاف من المحتجين والمعارضين للحرب، التي تشنها إسرائيل على القطاع، بالقرب من الكابيتول الأميركي، وحمل بعضهم الأعلام الفلسطينية.
لم يحتج نتنياهو إلى ثلاثة أسابيع، ولا إلى حادثة بيرل هاربيل، لكي يلزم الولايات المتحدة بالتدخل عسكريًا. فالدعم الأميركي منذ بداية 7 أكتوبر/تشرين الأول يؤكّد أنها لن تسمح بخسارة إسرائيل
هذه الكلمة الرابعة لنتنياهو أمام جلسة مشتركة لمجلس الشيوخ والنواب، ليتخطى بذلك رئيس الوزراء البريطاني في زمن الحرب ونستون تشرشل الذي ألقى مثل هذه الخطابات ثلاث مرات. لكنه لم يتخطَّه في القدرة على جرّ الولايات المتحدة إلى مستنقع الحرب. فتشرشل استخدام التعابير التي أكدت للمصفقين أن الولايات المتحدة لا يمكنها الوقوف متفرجة من بعيد، بل عليها التدخل. لهذا أخذ نتنياهو من خطاب تشرشل مفهوم "الستار الحديدي" ولكن بصيغة عربية لمواجهة النفوذ الإيراني، في حين أطلقه تشرشل في وجه المدّ السوفياتي يومها.
أعاد نتنياهو التاريخ إلى الوراء من خلال تذكير الحاضرين بأنّ إسرائيل هي صنيعتهم وهي بحمايتهم وأنها وجدت لتأمين مصالحهم، معتبرًا في بداية كلمته أنه "يتعين على أميركا وإسرائيل أن تقفا معًا"، شاكرًا الرئيس الأميركي جو بادين على "دعمه المخلص لإسرائيل". كلمات كثيرة نطق بها هذا الرجل، لتحميل إيران ما يجعل من الأميركي يوافق على مشروع تقدم به عام 2012 لضرب مفاعلاتها النووية، لدرجة اعتبرها مسؤولة عن تمويل الاحتجاجات المناهضة لإسرائيل، لا بل ذهب بعيدًا فقد وضع الصراع في الشرق الأوسط بين أميركا وإيران، وهذا ما كانت واشنطن تسعى لتجنبّه وتعمل على عدم توسع دائرته.
حصل تشرشل بعد ثلاثة أسابيع من وجوده في البيت الأبيض على دعم مطلق من قبل واشنطن، ووصل إلى مبتغاه بعد حادثة "بيرل هاربيل" التي أدخلت مباشرة الجيش الأميركي في الحرب العالمية الثانية. فهل سيجد نتنياهو "بيرل هاربيل" جديدة لتوريط أميركا في الحرب الدائرة؟ أم سيكتفي فقط في أخذ الدعم المالي والدبلوماسي والعسكري للاستمرار في حربه وتوسيعها على الجبهة الشمالية من فلسطين المحتلة؟
لم يحتج نتنياهو إلى ثلاثة أسابيع، ولا إلى حادثة بيرل هاربيل، لكي يلزم الولايات المتحدة بالتدخل عسكريًا. فالدعم الأميركي منذ بداية 7 أكتوبر/تشرين الأول يؤكّد أنها لن تسمح بخسارة إسرائيل، وأنّ حاملات طائراتها ومدمراتها وصلت إلى المنطقة لردع أي دولة تتدخل لمساندة حماس أو ضرب العمق الإسرائيلي.
أكد نتنياهو أنّ حربه لأجل بقاء النظام العالمي المبني على الهيمنة الغربية، فأراد استعطاف الرأي العام الأميركي مستغلًا مشهديّة الجنود الإسرائيليين الذين أصيبوا بإعاقات، حيث اصطحب بعضهم إلى الكونغرس في دليل إضافي أنهم يضحون بحياتهم لأجل أميركا ومصالحها في المنطقة
لعب نتنياهو على وتر "التهديد الوجودي" مستغلًا مسيّرة جماعة الحوثي التي أطلقت من اليمن وطالت العمق الإسرائيلي تحديدًا يافا في تل أبيب، وتحديدًا أكثر أنها ضربت قرب السفارة الأميركية. إذ يعتبر البعض أن إسرائيل التي تمتلك أجهزة مراقبة ورصد عالية الدقة، كان بإمكانها إسقاط المسيرة، إلا أنّها لم تفعل ذلك لأغراض لها علاقة بمخاطبة الكونغرس.
فنتنياهو استغلّ هذه الحادثة ليصورّ أن إسرائيل التي عملت على حماية الغرب والمصالح الأميركية في المنطقة هي اليوم مهددة بوجودها من قبل جماعات مدعومة من إيران؛ لهذا يسعى على الطريقة التشرشلية لإشراك أميركا في الحرب، معتبرًا أنّ بلاده تدافع عن الديمقراطية في العالم، تلك التي تتعرض لاهتزازات دولية تعمل بعض الدول على ضربها وزعزعتها لإحداث التغيير في النظام العالمي.
أكد نتنياهو أنّ حربه لأجل بقاء النظام العالمي المبني على الهيمنة الغربية، فأراد استعطاف الرأي العام الأميركي مستغلًا مشهديّة الجنود الإسرائيليين الذين أصيبوا بإعاقات، حيث اصطحب بعضهم إلى الكونغرس في دليل إضافي أنهم يضحون بحياتهم لأجل أميركا ومصالحها في المنطقة. لهذا خاطب نتنياهو أمام الكونغرس الوجدان الأميركي محاولًا إقناعهم بأن مصالحهم باتت بخطر إن لم يقدّموا الدعم المفتوح واللامشروط إلى إسرائيل في هذه الحرب.
المنطقة ليست ذاهبة إلى تسويات ولا إرساء المفاوضات رغم وضع الإسرائيليين المحتجزين في يد حماس والذين لم يأتِ على ذكرهم في كلمته. فهذا إن دلّ على شيء، فإنما يدل على أن الرجل ذاهب إلى النهاية في حربه لتحقيق عناوين أبعد من القضاء على حماس
على خطى تشرشل سار نتنياهو، وفي نفس السياق الذي طالب به الأول بإقامة "ستار حديدي" لأوروبا، طالب به نتنياهو الإدارة الأميركية. لكنّ ستار نتنياهو يتخطى الغرب ليصل في دعوته إلى مشاركة بعض الدول العربية في صناعته أيضًا. فهو صوّر أن "البعبع" الإيراني ووكلاءه لا يعملون على إزالة إسرائيل ولا على تهديد المصالح العليا للولايات المتحدة في المنطقة، بل لديهم أطماع أبعد فهم يريدون السيطرة على المنطقة وبسط نفوذ إيران فيها من اليمن وصولًا إلى غزة.
لم يأتِ نتنياهو إلى واشنطن لإيقاف مذكرة الاعتقال بحقه وبحق وزير الدفاع يوآف غالانت، من قبل المحكمة الجنائية الدولية، ولكنه هدف إلى إشراك أميركا في الحرب، لاسيما وهو يسعى لضرب إيران، علّه في ذلك يردع الإيراني عن عرقلة مشروعه ورؤيته لدولة إسرائيل بجعلها المركز الاقتصادي والمالي للمنطقة وممرًا لحركة الشحن والنقل من جنوب آسيا إلى عمق أوروبا من خلال إحياء قناة بن غوريون.
لهذا، فالمنطقة ليست ذاهبة إلى تسويات ولا إرساء المفاوضات رغم وضع الإسرائيليين المحتجزين في يد حماس والذين لم يأتِ على ذكرهم في كلمته. فهذا إن دلّ على شيء، فإنما يدل على أن الرجل ذاهب إلى النهاية في حربه لتحقيق عناوين أبعد من القضاء على حماس، وإبعاد حزب الله إلى ما بعد الليطاني، ألا وهو ضمان إسقاط محاكماته واستمرارية حياته السياسية من خلال تكريس نفسه رمزًا من رموز من دافع عن إسرائيل وحافظ على وجودها، لتصبح نقطة ارتكاز للمنطقة والعالم.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.