تُعتبر براءة اختراع الأدوية قضية معقدة تنطوي على العديد من التحديات التي تواجه البشرية. من ناحية، تُشكّل براءات الاختراع حوافز لتطوير أدوية جديدة ومبتكرة، لكن من ناحية أخرى، قد تؤدي إلى ارتفاع أسعار الأدوية، وإعاقة وصول الجميع إليها. في هذا المقال، سنستكشف هذه التحديات وكيف تتعامل الدول المختلفة معها، بالإضافة إلى طرق الحفاظ على حقّ براءة الاختراع، مع ضمان إمكانية وصول الجميع للأدوية بالحقّ المكفول في القانون الدولي منذ عام 1946.

حقوق وأخلاقيات

يضمن الحق في براءة الاختراع، لشركات إنتاج الدواء فرضَ أسعار مرتفعة على منتجاتها لمدة 20 عامًا على الأقل؛ لضمان استرداد تكلفة البحث العلمي لإنتاج هذه الأدوية بشكل يضمن استمراره لإنتاج أدوية جديدة، ويضمن هذا الحق أيضًا لشركة الأدوية عدم استخدام شركات منافسة لها للدواء، وهو ما يعيق عملية التطوير التي قد يحتاجها الدواء؛ بسبب اقتصار الأبحاث والتطوير على شركة واحدة من بين الشركات الموجودة في السوق الدوائي، ونتيجة لتلك المقدمات فإن البلدان الفقيرة ومتوسطة الدخل قد لا تستطيع تحمل تكاليف الأدوية المحمية ببراءات الاختراع، وهو ما يؤدي إلى تفاقم مشكلة عدم المساواة في وصول الدواء لمحتاجيه.

كان استخدام التراخيص الإجبارية من قبل الهند والبرازيل، له تأثير كبير على توفير الأدوية المنقذة للحياة بأسعار معقولة لملايين المرضى. وقد واجهت هذه الإجراءات معارضة شديدة من الشركات الدوائية والبلدان المتقدمة

كيف تعاملت الدول المختلفة مع هذه التحديات؟

• البلدان المتقدمة: غالبًا ما تميل هذه البلدان إلى حماية حقوق الملكية الفكرية للشركات الدوائية، مع بعض الاستثناءات كالسماح بالاستخدام التجريبي للأدوية المحميّة ببراءات اختراع.
• البلدان النامية: بعض هذه البلدان، مثل الهند، والبرازيل، قد استخدمت أدوات مثل التراخيص الإجبارية للأدوية المحمية ببراءات اختراع؛ لتعزيز الوصول إلى الأدوية المنقذة للحياة بأسعار ميسورة.
• الهند: هي واحدة من الدول الرائدة في استخدام التراخيص الإجبارية للتغلب على قيود براءات الاختراع على الأدوية. فقد منحت الهند تراخيص إجبارية لعدة أدوية مهمة في السنوات الأخيرة:
• سورافينيب (نيكساڤار): في عام 2012، منحت الهند ترخيصًا إجباريًا لشركة أدوية هندية لإنتاج وبيع هذا الدواء المضاد للسرطان بسعر أقل بكثير من الشركة الأصلية (باير).
• إيرلوتينيب (تارسيڤا): في عام 2012، منحت الهند ترخيصًا إجباريًا؛ لإنتاج هذا الدواء بسعر أقل. بيداكوللين: في عام 2023، رفض مكتب البراءات الهندي طلب براءة اختراع ثانوية لهذا الدواء المضاد للسل؛ بناء على معارضة مقدمة من منظمات المجتمع المدني، ما سمح للشركات الهندية ببدء إنتاج الدواء بأسعار معقولة.
• البرازيل: أيضًا استخدمت التراخيص الإجبارية؛ لضمان وصول المرضى للأدوية الأساسية بأسعار ميسورة:
• إيفافيرنز (إيفيزول): في عام 2007، منحت البرازيل ترخيصًا إجباريًا لإنتاج هذا الدواء المضاد لفيروس نقص المناعة البشرية/الإيدز بسعر أقل.
• لوبيناڤير/ريتوناڤير: في عام 2005، منحت البرازيل ترخيصًا إجباريًا لإنتاج هذا الدواء المضاد لفيروس نقص المناعة البشرية/الإيدز بسعر أقل.

وقد كان استخدام التراخيص الإجبارية من قبل الهند والبرازيل، له تأثير كبير على توفير الأدوية المنقذة للحياة بأسعار معقولة لملايين المرضى. وقد واجهت هذه الإجراءات معارضة شديدة من الشركات الدوائية والبلدان المتقدمة، لكنْ الدولتان أكدتا على أولوية الصحة العامة على حقوق الملكية الفكرية.

لا نستطيع أن ننكر أن إيجاد التوازن الصحيح بين حماية حقوق الملكية الفكرية للشركات الدوائية، وضمان وصول الجميع للأدوية بأسعار ميسورة هو تحدٍّ كبير يواجه المجتمع الدولي

نقاط للحفاظ على حق براءة الاختراع مع ضمان وصول الجميع للأدوية

• تطوير نماذج تمويل مبتكرة: كالتمويل العام للبحث والتطوير الدوائي، وآليات التسعير المرنة.
• تعزيز التعاون الدولي: لتبادل المعرفة والموارد بين البلدان، وتسهيل الوصول إلى الأدوية المنقذة للحياة.
• إصلاح نظام براءات الاختراع: بما في ذلك تقليل مدة الحماية، وتعزيز آليات التراخيص الإجبارية والاستثناءات.
• تعزيز دور المجتمع المدني: لمراقبة ممارسات الشركات الدوائية والمناصرة من أجل الوصول العادل للأدوية.

وفي الختام

لا نستطيع أن ننكر أن إيجاد التوازن الصحيح بين حماية حقوق الملكية الفكرية للشركات الدوائية، وضمان وصول الجميع للأدوية بأسعار ميسورة هو تحدٍّ كبير يواجه المجتمع الدولي. ولكن من خلال الابتكار والتعاون والإصلاح التنظيمي، يمكننا التغلب على هذه التحديات والحفاظ على نظام عادل وفعّال لبراءات اختراع الأدوية.