شعار قسم مدونات

استهداف منظومة غزة الصحية ضمن الإبادة الجماعية!

معاناة النزوح التي يعيشها سكان غزة .. الجزيرة
رصدت الجهات الصحية في قطاع غزة نحو مليون إصابة بأمراض معدية (الجزيرة)

بفعل استمرار العدوان وجرائم الإبادة الجماعية، التي ترتكبها قوات الاحتلال الصهيوني منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، يواجه سكان قطاع غزة المحاصر تهديدًا خطيرًا جرّاء انتشار الأمراض المُعدية والفتّاكة بين النازحين، وأخطرها التهابات الكبد الوبائي، والنزلات المعوية والجلدية، والتهابات الجهاز التنفسي.

ومؤخرًا جرى اكتشاف فيروس يسبب شلل الأطفال في مياه الصرف الصحي والمستنقعات، التي تتجمع وتجري بين خيام النازحين وفي أماكن السكان؛ نتيجة تدمير البنية التحتيّة، وتراكم الدمار، وتحلّل جثث البشر، خاصة التي ما زالت تحت الأنقاض، وتراكم أطنان القمامة، ومنع الاحتلال إدخال مواد النظافة، وإصلاح خطوط الصرف الصحي.

انتشار الكارثة الصحية العامة، وسرعة تفاقمها الناجمة عن حرب الإبادة الجماعية التي يشنها الاحتلال ضد سكان القطاع منذ ما يقارب 10 أشهر، واستمراره بالعدوان البربري وتدمير جميع مقوّمات الحياة في قطاع غزة.. ذلك كله يترافق مع استهداف النظام الصحي، وحرمان السكان من تلقي الخدمات الطبية الأساسية والعلاج الضروري، وكذلك استمراره بعرقلة دخول المساعدات الإنسانية اللازمة للتصدي للأوبئة والأمراض السارية والحد من آثارها على نحو فعّال وسريع، ناهيك عن آثار الغازات السامة الناتجة عن استخدام الأسلحة المحرمة دوليًّا، والقصف الجوي والحرائق والتدمير، ما يزيد من فرص انتشار السرطان، خاصة سرطان الرئة.

قال المرصد الأورومتوسطي إن انهيار المنظومة الصحية وعدم توفر مستشفيات متكاملة في مدينة غزة وشمالها، والضغط الهائل على المستشفيات القليلة التي بقيت تعمل جنوب القطاع، يهدد بارتفاع أعداد الضحايا بشكل غير مسبوق

ذكر المرصد الأورومتوسطي في تقريره أن كوارث صحيّة وبيئية آخذة بالتفاقم بشكل مُتسارع؛ نتيجة تواصل العدوان وهجمات الاحتلال المُدمّرة، ونبّه إلى التداعيات الخطيرة والكارثية على صحّة السكان والبيئة العامة، محذرًا من أنّ الأطفال – خاصة المواليد الجدد – وكبار السنّ، وأصحاب الأمراض المزمنة، هم الأكثر تأثرًا بهذه الكارثة الصحية.

إعلان

ولفتَ إلى أنه في الوقت الذي تتصاعد فيه درجات الحرارة في قطاع غزة، وتتعطل غالبية خطوط أنابيب المياه الرئيسة، وتتضرر أنظمة الصرف الصحي على نطاق واسع، يحصل السكان على كميات مياه نظيفة أقل بكثير ممّا يحتاجون إليه، وغالبيتهم يضطرون إلى استخدام مياه ملوّثة غير صالحة للشرب.

وينتج عن استخدام الماء الملوث، وتردي منظومة الصرف الصحي، انتشار أمراض خطيرة، مثل: الكوليرا، والإسهال، والدوسنتاريا والالتهاب الكبدي الوبائي، وَفقًا لمنظمة الصحة العالمية، التي حذّرت منذ أشهر من كارثة صحية وبيئية شاملة يواجهها سكان قطاع غزة.

يأتي ذلك في ظل أزمة نقص حاد في المياه الصالحة للشرب، يشهدها قطاع غزة، إثر توقف غالبية آبار المياه؛ بسبب نفاد كميات الوقود وما لحق بمحطات التحلية من دمار وأضرار جسيمة، في وقت تتصاعد فيه الأزمة مع زيادة الطلب والاستهلاك.

منذ بدء العدوان على قطاع غزة، أغلق الاحتلال الأنابيب التي تمدّ غزة بالمياه، وقطع إمدادات الكهرباء والوقود.. وبموازاة ذلك، قال المرصد الأورومتوسطي؛ إن انهيار المنظومة الصحية وعدم توفر مستشفيات متكاملة في مدينة غزة وشمالها، والضغط الهائل على المستشفيات القليلة التي بقيت تعمل جنوب القطاع، يهدد كل ذلك بارتفاع أعداد الضحايا بشكل غير مسبوق.

تشير المعطيات إلى تسجيل عشرات آلاف الإصابات التحسسية التنفسية، وخاصةً الربو، وحساسية الصدر الناجمة عن الغازات والغبار الناتج عن القصف والركام والقذائف

واستعرض الأورومتوسطي جوانب من التأثيرات الصحية والبيئية للحرب، مشيرًا إلى تراكم أكثر من 270 ألف طن من النفايات الصلبة في قطاع غزة، بحسب تقديرات الأمم المتحدة، والمنتشرة في التجمعات السكانية، والطرقات، والساحات، والمستشفيات، بما في ذلك النفايات الصحية، وذلك بسبب تدمير مرافق إدارة النفايات، ونظام جمع ومعالجة النفايات في القطاع، وهو ما يشكّل كارثة بيئية وصحية بحد ذاته، ويهدّد بأن يكون مصدرًا آخر لانتشار الأمراض والأوبئة، الأمر الذي بدأ يظهر بوضوح في مخيمات النزوح المكتظة، لا سيّما في ظل تدمير الهياكل الأساسية لخدمات المياه والصرف الصحي.

إعلان

وأشار الأورومتوسطي إلى أن وجود آلاف الجثث في الطرقات وتحت أنقاض المنازل وتحللها، ونهشها من القطط والكلاب، يشكل عاملًا إضافيًّا لانتشار الأوبئة والأمراض المعدية، وتهديدها الصحة العامة والبيئة في قطاع غزة.

ورصدت الجهات الصحية في قطاع غزة نحو مليون إصابة بأمراض معدية، دون أن تتوفر لديها الإمكانات الطبية اللازمة لمعالجتها، بينهم آلاف المصابين بالتهاب الكبد الوبائي الفيروسي.

ووفقًا لتحليل جديد شامل أصدرته مجموعة التغذية العالمية، فإنّ ما لا يقل عن 90% من الأطفال دون سن الخامسة مصابون بمرض معدٍ واحد أو أكثر، و70% أصيبوا بالإسهال في الأسبوعين الماضيين؛ أي بزيادة قدرها 23 ضعفًا، مقارنة بخط الأساس لعام 2022.

كما أنّ عشرات آلاف الأطنان من المتفجرات والقنابل، التي ألقتها طائرات الاحتلال على المنازل، وما خلفتها من عوادم وغازات سامّة، إلى جانب ما ورد عن استخدام قنابل دخانية وفوسفورية، من شأن ذلك مضاعفة التدمير الصحي والبيئي الخطير الحاصل منذ أشهر.

وتشير المعطيات إلى تسجيل عشرات آلاف الإصابات التحسسية التنفسية، وخاصةً الربو، وحساسية الصدر الناجمة عن الغازات والغبار الناتج عن القصف والركام والقذائف.

لم يكتفِ الاحتلال بما مضى من جرائم، بل يمضي في تجويع السكان واستهداف صحتهم من خلال ضرب المنظومة الصحية التي يستندون إليها، ويمنعهم من إدخال الدواء واللقاحات اللازمة، والمعدات المطلوبة لحل أزمة الصرف الصحي

وأفاد الأورومتوسطي بأن عمليات التجريف الممنهج للأراضي الزراعية، واقتلاع الأشجار أو قصفها وحرقها وتحويلها إلى مناطق جرداء، من شأن ذلك أن يساهم في تصحير قطاع غزة، وتقليل كميات الأكسجين المنبعثة في وقت تتزايد الغازات السامة الناجمة عن القصف الجوي والمدفعي.

كما أنّ غياب برامج المكافحة للأوبئة والقوارض، يؤدّي إلى انتشارها بشكل مكثّف، بما في ذلك في أماكن النزوح المزدحمة، في الوقت الذي تجمّعت فيه مئات آلاف النازحين في مناطق جغرافية ضيقة، مثل: رفح ومواصي خان يونس ودير البلح، وبعض أحياء شمال غزة، بما في ذلك مراكز الإيواء، ما أدى إلى تراكم أكوام النفايات وخلق واقع بيئي وصحّي ينشر الأمراض المُعدية التي أصابت مئات آلاف السكان.

إعلان

نحن اليوم أمام أزمة إنسانيّة كبرى على كافة الأصعدة، أنتجها الاحتلال ضد الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، إذ لم يكتفِ هذا الاحتلال بقصف الفلسطينيين وقتلهم وهدم منازلهم فوق رؤوسهم وملاحقتهم إلى مراكز الإيواء التي لجؤوا إليها؛ هربًا من القذائف والصواريخ والرصاص، فهجّرهم عشرات المرات من مكان إلى مكان بعمليات تهجير عكسية.

لم يكتفِ الاحتلال بما مضى من جرائم، بل يمضي في تجويع السكان واستهداف صحتهم من خلال ضرب المنظومة الصحية التي يستندون إليها، ويمنعهم من إدخال الدواء واللقاحات اللازمة، والمعدات المطلوبة لحل أزمة الصرف الصحي، وغيرها من أزمات عديدة يتحمل مسؤوليتها الكيان الصهيوني والإدارة الأميركية، وحلفاء الاحتلال من الدول الغربية، والأنظمة العربية.

لذلك يتعيّن على كافة الجهات الدولية، ووكالات الأمم المتحدة، والمنظمات الدولية، ومؤسسات حقوق الإنسان، ومجلس الأمن، التحرك الفوري تجاه هذه الكارثة الإنسانية غير المسبوقة، التي يستغلها الاحتلال الصهيوني لاستهداف حياة أبناء الشعب الفلسطيني، ويتعين كذلك الخروج من حالة الضعف، والصمت المخزي للعمل الجاد؛ من أجل الضغط لوقف العدوان وإدخال المساعدات بأشكالها المختلفة لكافة مناطق قطاع غزة.

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.


إعلان