شعار قسم مدونات

كيف ننظر إلى تقاطعات الحياة بمنظور مختلف؟

أطفال يتجمعون في مصلى لتلقي دروسا تعليمة خلال مبادرة أطلقها أهالي مخيم جباليا شمال قطاع غزة5
أطفال غزة في مصلى لتلقي دروسا تعليمة خلال مبادرة أطلقها أهالي مخيم جباليا خلال الحرب الحالية (الجزيرة)

يقول الفيلسوف الإنجليزي جون ستيوارت ميل: إنّ شخصًا يتمتع بالإيمان له قوة تعادل تسعة وتسعين شخصًا لا يؤمنون. وهو على وجه التحديد السر وراء فتح الإيمان لباب التفوق.

يُعرّف الإيمان بأنه الطمأنينة والثقة التي تنبعث من التصديق، وتمنح الأمان والارتياح .ويعني الإيمان في اللغة: الاعتقاد الجازم والتصديق والاقتناع النابع من القلب. قال الحسن البصري: "ليس الإيمان بالتحلي ولا بالتمنّي، ولكن الإيمان ما وقر في القلوب، وصدّقته الأعمال".

ولا يقتصر الإيمان على العقيدة المرتبطة بالدين فقط، بل يتعداها ليشمل الإيمان بالأشخاص، والأفكار، والذات، والآخرين.. وغيرها من صور الإيمان.

الإيمان هو حجر الأساس؛ فالعبادة دون إيمان تام مشقة منزوعة الأجر!

المؤمنين يعون أنّه عندما يعمد المرء لتوسعة منظوره، ويحاول أن ينظر إلى الحياة من منظور إيماني مناسب، يجد منطلَقًا في كل شيء

الإيمان هو الخريطة والبوصلة التي ترشدنا في رحلة حياتنا، وهو يمنحنا الثقة والقوة لاجتياز مصاعب الحياة.. وأكبر سوء فهم لدى العديد من الناس بخصوص الإيمان، هو اعتقادهم بأنه مفهوم فكري جامد، أو منعزل عن العمل والفعل والنتائج. وهذا التصور أبعد ما يكون عن الحقيقة؛ فالإيمان هو الباب المؤدي إلى العمل .

يحدّد لنا إيماننا كمَّ قدراتنا التي يمكن أن نمتلكها، وهو الذي يسمح بتدفق الأفكار أو يوقفها.. يقول فيرج: "إنّ من يحققون شيئًا، يفعلون ذلك لإيمانهم بالقدرة على تحقيقه".

يساعدنا الإيمان على رؤية ما نريد، ويمنحنا النشاط للحصول عليه. وفي واقع الحال، ليس هناك قوة أقوى من الإيمان لتوجيه الإنسان؛ فالتاريخ البشري هو تاريخ الإيمان عند الإنسان. فأولئك الذين غيّروا مجرى التاريخ هم أنفسهم الذين غيّروا من معتقداتنا وسلوكنا .

وكلما زاد ما نعرفه عن السلوك الإنساني، زادت معرفتنا بالأثر غير العادي للإيمان على حياتنا. وفي كثير من الحالات يتحدّى هذا الأثر النماذج المنطقية التي يعتقد معظمنا فيها. وحتى على المستوى الفسيولوجي، فإن المعتقدات (التمثيل الداخلي المتناغم) يسيطر على الواقع .

إنّ الحياة مليئة بالظواهر التي تستعصي على الفهم، والإيمان يسمح للروح بأن تتجاوز الحدود التي تقف عندها العين.. بتعبير آخر: "إنّ الإيمان هو الثقة مقدمًا فيما لا يحوي مغزى منطقيًّا سوى بطريقة معاكسة".

إنّ المؤمنين يعون أنّه عندما يعمد المرء لتوسعة منظوره، ويحاول أن ينظر إلى الحياة من منظور إيماني مناسب، يجد منطلَقًا في كل شيء. وأن يكون على استعداد لأن يقفز هذه القفزة ليس بالأمر السهل، ولكنني أعتقد أنّك إذا كنت على استعداد لمحاولة السعي بإخلاص لأن يكون لك منظور رباني؛ فستُكافأ.

أعظم ما تتوصل إليه في الحياة أن تؤمن بأنّ الأحداث العديدة غير المتوقعة ليست مجرد مقاطعات مزعجة لرحلتنا، بل هي الطريقة التي يشكل الله بها قلوبنا ويُعدّنا من خلالها

في دراسة أجرتها جامعة بوردو، كشفت عن أنّ الناس الذين يمارسون طقوس دينهم بصورة منتظمة يعانون من نصف الأمراض التي يعاني منها غير المؤمنين. وخلص الباحثون إلى أنّ الدين قلّص من الضغوط التي يتعرض لها الناس، وزاد من شعورهم بالراحة والطمأنينة؛ لأن إيمانهم أضاف إلى حياتهم مغزى ومنظورًا، وعلاقات اجتماعية قيمة أيضًا.. فثمة علاقة بين الانخراط الديني الراسخ، والصحة العقلية والجسمانية الفضلى.

إنّ الإيمان يمنح الإنسان القوة والمرونة؛ فالقليل من الأشياء هو ما يعين الإنسان على التغلب على المحن بنفس الطريقة التي يكفلها الإيمان. يقول إس. جي. هولاند: "الإيمان يمتصّ السمّ من أي بلية، ويزيل أسى أي خسارة، ويطفئ نار أيّ ألم.. الإيمان فقط هو الذي يستطيع أن يفعل ذلك".. والعكس صحيح، فغياب الإيمان يستنفد طاقة الإنسان؛ فمتى غاب الإيمان بالغد، غابت قوة الإنسان وعزيمته في الحاضر.

إذا كنت تعاني من المصاعب، فاعلم أنّ الإيمان سيساعدك على تجاوزها؛ فهو لا يساعدك على التغلب على أزماتك فحسب، بل يساعدك أيضًا على التعامل مع الحياة بعد الأوقات العصيبة بمنظور مختلف تمامًا، وقد يعينك على أن تتبنى نظرة أمل وجسارة لمواجهة الواقع.

إنّ أعظم ما تتوصل إليه في الحياة أن تؤمن بأنّ الأحداث العديدة غير المتوقعة ليست مجرد مقاطعات مزعجة لرحلتنا، بل هي الطريقة التي يشكل الله بها قلوبنا ويُعدّنا من خلالها.

الإيمان يمنحك السلام النفسي والقوة، وكلما كان إيمانك قويًّا استطاع أن يعبر بك الأوقات العصيبة.. يقول د. فيكتور فرانكل: "إنّ الإيمان الضعيف يهتز بفعل الأزمات والكوارث، فيما يقوى الإيمان الراسخ بفعلها".

هناك أشياء لا يتوصل لها الإنسان إلّا من خلال الإيمان؛ فالعلم لا يستطيع أن يُجيب عن كافة الأسئلة الحياتية، والكثير من الحقائق التي يتبناها الإنسان على أنها حقائق علمية، تتغيّر من جيل لآخر.

يبدو أثر الإيمان جليًّا في ثبات أهل غزة؛ فالأم تفقد أبناءها، وتراها صامدة لم يزدها الفقد إلّا ثباتًا، تتمتم بكلمات الرضا والفخر

مصادر المعتقدات

  • البيئة: وهي المكان أو الوسط الاجتماعي.. إن البيئة يمكن أن تكون أقوى مولّد كامن للمعتقدات.
  • الأحداث: فالأحداث -صغرت أم كبرت- يمكن أن تُولّد الإيمان؛ فهناك أحداث في حياة المرء لا يمكن نسيانها، إذ لمعظمنا تجارب لا تُنسى أبد الدهر، كان لها وقع شديد علينا، لدرجة أنّها انطبعت في ذاكرتنا إلى الأبد، وبإمكانها أن تغيّر حياتنا.
  • المعرفة: وتعتبر التجربة المباشرة هي إحدى أشكال المعرفة، والقراءة ومشاهدةُ العالم كما يصوره الآخرون هي طرق أُخرى للمعرفة. والمعرفة من الطرق الرائعة لتحطيم أغلال البيئة التي تحدّ من قدرات الفرد.
  • النتائج السابقة: التي يمكن من خلالها تحقيق النتائج المستقبلية. ومن أضمن الطرق لخلق الاعتقاد بقدرتك على فعل شيء ما أن تفعله، فإن استطعت أن تنجح مرة، فستنجح مرة أُخرى.
  • خلق التجربة: وهي التي ترغبها في المستقبل في عقلك، كما لو كانت أمرًا واقعًا.

الإيمان بالله يجعل الإنسان قوي العزيمة، رابط الجأش، كثير الصبر، ثابتًا كالجبل مهما عصفت به رياح الأيام وبعثرته تقلبات الحياة

وأخيرًا..

يبدو أثر الإيمان جليًّا في ثبات أهل غزة؛ فالأم تفقد أبناءها، وتراها صامدة لم يزدها الفقد إلّا ثباتًا، تتمتم بكلمات الرضا والفخر.. والرجل يفقد أسرته، فلا يتبرم أو يضجر.. والأسرة تفقد بيتها ثم تجلس فوق ركامه في هدوء!

هُدمت بيوتهم، وشُردت أُسرهم، وقُصفت فلذات أكبادهم، ونزحوا مرات لا تُحصى، وحُرقوا في خيامهم، ولكنهم أعطوا العالم دروسًا في الإيمان والصبر والتوكل واليقين.

إن الإيمان بالله يجعل الإنسان قوي العزيمة، رابط الجأش، كثير الصبر، ثابتًا كالجبل مهما عصفت به رياح الأيام وبعثرته تقلبات الحياة.

إذا أردت أنّ تعتنق الإيمان فافسح له مجالاً في حياتك.. "إن الكفر يضع ظروفنا بيننا وبين الله، أما الإيمان فيضع الله بيننا وبين ظروفنا".

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.


إعلان